«اتركوا الصين نائمة، لأنها حين تستيقظ، فإن العالم سوفَ يرتجف »

فقد تحوّلت الصين اليوم إلى دولة عُظمى سياسيا واقتصاديا تتحكّم في مصير العـالم و تمسك بخُيـوط اللعبة السياسية العـالمية دون أن تفقد شيئا من توجُهاتها الإديولوجية، ولكنّها نجَحَت في نسج عـلاقـات تفاهم وتعاون مع مختلف دول وشعوب العالم، وسخـرت إمكانيات هائلة للمساهمة في تنمية العديد من البلدان المتخلفة عن ركب التقدم .

الصينيون في طنجة :
يتميز الصينيون بأنهم قوم عمليون في تنفيذ مبادراتهم حين يؤمنون بفائدتهاوجدواها بالنسبة لاقتصاد بلادهم ومركزها العالمي. فبعد أن أطلقوا نموذجا جديدا لإنتاجاتهم الصناعية، اختصروا طريق التواصل مع العالم واقتحموا بذلك مختلف أسواق القارات ، وهم على الدوام، في بحث حثيث عن فرص الاستثمار، خاصة بعد الأزمة الاقتصادية العالمية التي نجحت الصين في مقاومتها بل وساهمت في إنقاذ العديد من الدول الصناعية أوروبية وأميركية في تجاوز تداعيات الأزمة عن طريق الاستثمارات الصينية في تلك الدول.

وفي هذا الإطار يندرج مشروع المدينة الصناعية والسكنية الصينية، المزمع إقامتها بطنجة في إطار الاستراتيجية الجديدة التي تعتمدها الصين، في علاقاتها مع غيرها من بلدان العالم، وفق مبدأ «رابح رابح »، خاصة وأن إنشاء هذه المدينة يحقق للمغرب إمكانية خلق العديد من فرص الشغل حيث إنه يتوجه بالأساس إلى اليد العاملة المغربية، إضافة إلى أن المصانع الصينية التي ستقام بالمدينة على مساحة تتراوح ما بين 1000 و 2000 هكتار بمنطقة عين الدالية بطنجة سوف تستخدم أيضا منتوجات محلية مغربية في سلسلتها الإنتاجية وتوفر للمغرب أيضا فرصة تطوير صناعته والاستفادة من الخبرة الصينية العالية في المجال الصناعي والتكنولوجي.

كما أن إقامة المدينة الصناعية الصينية بالمغرب ستمكن الصين من دعم استثماراتها بالمغرب والرفع من تنافسيتها الاقتصادية خاصة في اتجاه القارتين الإفريقية والأوروبية.

وبعد زيارة أولي لموقع المدينة، قام بها وفد صيني برئاسة رئيس المجموعة الصينية صاحبة المشروع Haite السيد لي بياو، حيث تدارس مع المسؤولين المغاربة، خاصة مع الوزير العلمي ورئيس الجهة إلياس العماري، تفاصيل إنجاز مشروع المدينة الذي كان موضوع اتفاقية بين البلدين تم التوقيع عليها خلال الزيارة الرسمية التي قام بها جلالة الملك إلى الصين ضمن خمس عشرة اتفاقية تعاون أهمت شؤون المال والاقتصاد والصناعة والطاقة والبنية التحتية والثقافة والسياحة والشؤون القنصلية وإقامة شراكات اقتصادية في قطاعات مختلفة منها قطاع السيارات والطيران والنسيج والألبسة والتجهيزات المنزلية وغيرها، حل وفد صيني جديد بمدينة طنجة، نهاية الأسبوع الماضي، للاطلاع على الاستعدادات الجارية على مختلف المستويات لإنجاز مشروع المدينة الصناعية والسكنية بالمنطقة.

و بـالمناسَبة أجـرى الوفد مُحـادثـات مع المسؤولين على مختلف القطاعات المعنية بالمشروع، كما قام بزيارة المناطق الصناعية الموجودة بطنجة وكذا مرافق ميناء طنجة المتوسطي وموقع «عين الدالية »، الذي سيحتضن مشروع المدينة الصناعية والسكنية بطنجة..

وخلال هذه المحادثات اعتبر السيد جونغ هايتاو، المكلف بالإشراف على تنفيذ المشروع الاستثماري الصناعي بجهة طنجة وأحد أعضاء الوفد الصيني الذي يضم مسؤولين بشركة «هايت » وخبراء وتقنيين، أن هذه الزيارة مناسبة للاطلاع على مختلف مؤهلات ومقومات منطقة طنجة، هذه المدينة التي تتوفر على إمكانيات هائلة تجعل منها محط اهتمام المستثمرين الصينيين.

المغرب والصين علاقة استراتيجية : شهدت العلاقات التجارية المغربية- الصينية، خلال السنوات الخمس الأخيرة، دينامية متسارعة مكنت الصين من أن تصبح الشريك الثالث للمغرب بعد الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأمريكية. وكانت الأبناك المغربية سباقة إلى تدشين عملية التقارب من العملاق الآسيوي، لاسيما من أجل مصاحبة صادرات المكتب الشريف للفوسفاط والتعريف أكثر باقتصاد المملكة، في وقت يقل فيه وجود المقاولات الصينية بالمغرب.

ففي قطاع السيارات، أعلنت دونغفينغ، ثاني مصنع صيني، عن استقراره بالمغرب في إطار شراكة تجمعه مع المصنع الفرنسي بي. إس.آ في موقعه بالقنيطرة )شمالا(. وتعمل رياض موتورز هولدينغ، الشركة المغربية المختصة في تركيب الشاحنات المستوردة من الصين، لفائدة علامات من قبيل باو، سينوتراك وزونغتونغ باس. أما في قط اع الاتصالات، افتتحت هواوي، الموجودة بالمغرب منذ سنة 2006 في يونيو مكتبا ثانيا لها بالدار البيضاء، بينما يتوفر لينوفو أيضا على تمثيلية إقليمية.

وعلى صعيد آخر، أنجز الصينيون استثمارات هامة في مشاريع كبرى للبنية التحتية، من قبيل المحطة الحرارية للفحم المزمع إنجازها بجرادة (الشمال الشرقي، 300 ميغاوات)، والتي يتم تأمين جزء من تمويلها المقدر ب 360 مليون دولار من طرف شاينا إكسيم بنك.

ومن جهتها، قامت مجموعة شاينا أوفرسيس إنجينريينغ )كوفيك( بتشييد الجسر المعلق على نهر أبي رقراق بالرباط، والذي يمكن من تأمين الربط بالطريق السيار الالتفافي للعاصمة.

كما أن المغرب، يستطيع أن يشكل أرضية لتوجيه الاستثمارات الصينية المباشرة بإفريقيا. ومن شأن تطوير القطب المالي للدار البيضاء وتموقع المقاولات المغربية بــالقارة أن يساهم في إنجاح هذا التوجه لفائدة المنتوجات الصناعية الصينية.

العالم حريص على نمو الاقتصاد الصيني
في تحقيق لجريدة «لوموند » الفرنسية، ورد أن الصين تغير قواعد اللعبة «في معركتها للسيطرة على الاقتصاد العالمي في القرن الواحد والعشرين، وترى أن الصين حققت نجاحا باهرا على مستوى علاقاتها العالمية ،» فهي اليوم تنشئ وتقرض دولا ومؤسسات عالمية متعددة الأطراف كالبنك الأسيوي للاستثمار في البنية التحتية الذي يعكس الوزن المتزايد لمنطقة آسيا والمحيط الهادي في ميزان الاقتصاد العالمي اعتبارا لأن آسيا هي صاحبة أعلى نسب التطور في العالم. وقد غدا العالم يحرص على استمرار نمو الاقتصاد الصيني اعتبارا لآن كل تراجع ولو طفيف في اقتصاد الصين يمكن أن يقود الاقتصاد العالمي كله إلى أزمة جديدة أكثر حدة من أزمة 2008 ، خاصة وأن العالم ليس مستعدا لأزمة جديدة ولا يملك أدوات تخفف من حدّتهـا..