يبدو أن العالم في تغير متسارع، فمن كان يظن أن القارة العجوز ستجد نفسها في أزمة طاقة مزمنة، تتلاعب بها التغيرات المناخية وتزيد من حدتها الحرب الروسية الأوكرانية.
وما فتئت الدول الأوروبية تتسابق لتغيير الاستراتيجيات وتجديد المعاهدات وتنويع الحلفاء، فالوقائع المستجدة فرضت أوزانا ومعادلات جديدة لا بد من كسب الرهان عليها. وفي هذا الإطار، أصبح المغرب يلعب أوراقا رابحة عديدة، ويمكن اعتبار أن ورقة الطاقة النظيفة أبرزها.
وليس من محض الصدف أن يصدر مقال في موقع الجزيرة يحمل عنوان “هل تضيء صحراء المغرب بريطانيا؟”، ولا من ضربات الحظ أن يقضي الخبراء البريطانيون 9500 ساعة عمل، خلال النصف الأول من السنة الجارية، لدراسة مشروع ربط كابل بحري طاقي من المغرب إلى بريطانيا.
وبالفعل، صدر هذا الأسبوع في الصحف والأنباء البريطانية خبر موافقة لجنة التخطيط في مجلس شمال أيرشاير، على منح الشركة البريطانية “XLCC”تصريحا لبناء مصنع لتصنيع الكابلات البحرية ذات الجهد العالي المباشر، في هانترستون باسكتلندا، على أن تتم بداية تصنيع الكابلات سنة 2026، مع إنتاج المكونات الرئيسية لربط توليد الطاقة الشمسية وطاقة الرياح من الصحراء المغربية إلى المملكة المتحدة.
ويأتي هذا المشروع في سياق خطة الحكومة البريطانية للتخلص من كل مصادر الطاقة التي تعتمد على الكربون لإنتاج الكهرباء بنسبة 100% بحلول سنة 2035، والاعتماد بشكل كامل على الطاقات المتجددة في إنتاج الطاقة بحلول سنة 2050. وفي هذا الإطار يكتسي مشروع الربط الكهربائي مع المغرب أهمية كبرى، إذ تعول بريطانيا عليه من أجل التزود بطاقة نظيفة عبر كابلات بحرية بطول 3800 كيلومتر، هي الأطول في العالم، تمتد من محطات إنتاج الطاقات الشمسية والريحية بمنطقة كلميم واد نون إلى السواحل البريطانية.
وحسب ما ورد في مقال موقع الجزيرة المومإ إليه، فإن حقل كلميم واد نون للطاقات الريحية والشمسية يحظى بأهمية قصوى بالنسبة للحكومة البريطانية، لما سيوفره من مصدر طاقة مهم للملايين من البيوت البريطانية، إلى جانب توفير فرص عمل طوال مدة تشييده.
وينتظر أن يوفر هذا المشروع الكهرباء لحوالي 8 ملايين منزل في بريطانيا، ويؤمن حوالي 8% من احتياجها من الكهرباء، على أن تصل قدرته الإنتاجية بحلول سنة 2030 إلى 10.5 جيغاواط من الكهرباء المحايدة كربونيا من الطاقة الشمسية وطاقة الرياح لتوفير 3.6 جيغاواط من الكهرباء الموثوقة لمدة تزيد عن 20 ساعة في المتوسط يوميا.
وكانت مباركة بوعيدة، رئيسة مجلس جهة كلميم واد نون قد صرحت في حوار صحفي أن هذا المشروع سيمكن من ربط أفريقيا بأوروبا، عبر ربط المغرب ببريطانيا بكابلات تحت البحر تمتد على مسافة تتجاوز 3 آلاف كيلومتر، واصفة المشروع بأنه “عالمي ونموذجي”.
واعتبرت رئيسة الجهة أن هذا المشروع، الذي تتجاوز ميزانيته 25 مليار دولار، لن يمكن فقط من الربط بين البلدين، بل سيمكن أيضا من خلق أرضية للتشغيل وخلق دينامية جديدة بالجهة.
وأضافت أن الجهة تشجع على تخصيص عقار واف لمثل هذه المشاريع الكبرى، لأنها ستعود بالنفع على المنطقة من حيث التشغيل والنمو الاقتصادي، وجلب استثمارات كبرى وجديدة ومكملة، ووضحت أن هذا المشروع سيستوطن بالضبط مناطق المحبس بإقليم آسا الزاك، ومنطقتا الشبيكة ولمسيد بإقليم طانطان، حيث سيتم إنجاز محطات لتوليد الطاقة الريحية والشمسية على مساحة إجمالية تبلغ 150 ألف هكتار، كما أن هذا الاستثمار سيوفر نحو 2000 فرصة عمل.
ويشار إلى أن جهة كلميم واد نون “بوابة الصحراء” تمتاز بإمكانات مهمة في مجال الطاقات الشمسية والريحية، إذ أكدت رئيسة مجلس الجهة وجود إرادة سياسية قوية لأن تلعب المنطقة دورا لتكون عاصمة للطاقات المتجددة، لتحقيق طموح المغرب لإنتاج 52% من الكهرباء من مصادر الطاقة المتجددة في أفق 2030، كما تتوفر على شريط ساحلي يتجاوز 250 كيلومترا، إضافة إلى أن موقعها الجغرافي وخصوصياتها الطبيعية، كونها ذات مناخ جاف وشبه جاف، يجعلها تتوفر على نسبة مرتفعة جدا من الطاقات الشمسية والريحية، وذلك فضلا عن تتوفرها على بنية تحتية مهمة من طرق ومطارات وموانئ وموارد بشرية مهمة، وكفاءات في مجال الطاقات المتجددة.. الشيء الذي يجعل من المنطقة وجهة مغرية للمستثمرين في مجال الطاقات النظيفة.
وختاما، نذكر أن المناطق الجنوبية للمملكة المغربية أصبحت بحق قبلة حقيقية للاستثمار في الطاقات المتجددة، فمع الإصلاحات التي انكبت عليها المملكة من أجل تشجيع الاستثمار وتهييئ ظروف استوطان المناطق الصناعية، وإلى جانب المؤهلات الطبيعية التي تزخر بها المنطقة، سيمكن أن تقود أقطاب متكاملة في مجال تطوير مشاريع الطاقات المتجددة.
أمل عكاشة