جديد الإصدارات
كتاب
جملة مختصر مفيدة على بحور الخزرجية الشهيرة
لامحمد بن علي أكبيل الهوزالي (ت1162هـ)
تحقيق: د. المهدي بن محمد السعيدي
صدر مؤخرًا كتاب لطيف: (جملة مختصرة مفيدة على بحور الخزرجية الشهيرة)، لامحمد بن علي اكبيل الهوزالي السوسي، في علم العروض والقافية، بتحقيق د. المهدي بن محمد السعيدي، وهو حلقة من سلسلة تآليف علماء المغرب في أوزان الشعر العربي وعنايتهم بعلمي العروض والقافية، ضمن عناية علماء المسلمين قاطبة بهذا الفن منذ استنبطه بعظيم نباهته، واستخلصه برفيع ألمعيته، العلامة العبقري، الخليل بن أحمد الفراهيدي، وقد توالى بعده العروضيون منقّحين وشارحين ومبيّنين، حتى جاء أبو عبد الله محمد بن عبد الله الخزرجي الأندلسي (ت626هـ) فنظم (الرامزة) الجامعة لأشتات هذا العلم، المحصلة لمتفرقه، المنظمة لمتشعبه، فجاءت بديعة النظم، رائقة الفهم، لمن ألهمه الله تتبع معانيها، واستيعاب مراميها، فاتخذها علماء الفن وسيلة لتدريس العروض، وعكفوا على شرحها وبيان غوامض رموزها، ثم جاء بعدهم من راجع تلك الشروح، فجعل عليها حواشي مفيدة نافعة، وتعليقات فريدة رائعة، وكثر التأليف في هذا المجال ما بين تكميل وإمداد، وإعادة نظم وإعداد، وشرح للقصيدة بالجداول، وتيسير للفهم لكل مناول، ثم جاء الغربيون فوجدوا المسلمين قد أسهبوا في هذا الفن، فاهتموا هم كذلك بالخزرجية فدرسوها، وترجموها إلى ألسنهم وتفهموها، فترجمت إلى اللاتينية، ثم إلى الفرنسية، فتحصل من هذا الجهد الذي دام عقودا عديدة، وقرونا متوالية مديدة، عشرات المؤلفات العجيبة، التي صدرت عن علماء الأمة، في كل قطر وبلد، منذ أقدم الأزمان حتى العصور الحديثة، وفي المغرب أولع جمع غفير من العلماء بالخزرجية وبرزوا في ذلك، بل سبقوا غيرهم وتفوقوا، ولعل دليل ذلك أن أول من تصدى لشرح المقصورة العجيبة، وفك غوامضها، العلامة المغربي النبيه أبو القاسم محمد بن أحمد الشريف الغرناطي السبتي(ت760هـ)، الذي فتح المجال لمن جاء بعده من العروضيين، فوالوا الشروح والحواشي والتعليقات، حتى العصور الحديثة.
- الخزرجية في مسار التأليف العروضي:
لقد كان تأليف الخزرجية علامة على مرحلة مهمة من انتشار علم العروض العربي، وتفوق المتعاطين للتعليم كما المتعلمين في دراسة هذا الفن والعناية به، فكانت الخزرجية قمّة اختصار المعرفة العلمية بجمعها المعارف العروضية وترميزها في 96 بيتا من النظم فقط، جمعت تفاصيله وشوارده، قال الناظم في آخرها:
وَقَدْ كَمُلَتْ سِتًّا وَتِسْعِينَ فَالَّذِي | تَوَسَّط فِي ذَا الْعِلْمِ تُوسِعُهُ حِبَا |
وَيَسْأَلُ عَبْدُ اللهِ ذَا الْخَزْرَجِيُّ مِنْ | مُطَالِعِهَا إِتْحَافَهُ مِنْهُ بِالدُّعَا |
مكنت المقصورة الطلبة بحفظها في مدة وجيزة، ثم الاعتكاف على شرحها، وإتقان معارفها المركزة، من استيعاب تفاصيل العروض، ويبدو أن نشاط حركة التأليف حول الخزرجية في القرون الأربعة التالية لنظمها كانت دليلا على ذلك، قبل أن تفتر الهمم عن العناية بالمقصورة، وتنصرف الأفهام إلى الرسائل الميسرة، والكتب السهلة، والمنظومات التي شعر العلماء المدرسون، كما الطلبة الدارسون أنها في المتناول، كالحمدونية ونحوها، إلى أن بزغت بوادر «عصر النهضة» في القرن 14 للهجرة، فاتجه المؤلفون إلى المؤلفات المدرسية المتأثرة بالمناهج الحديثة، المستلهمة ما ورد في الكتب التراثية من متون وشروح وملحقاتها، مع إعادة صياغة طرق الإفهام والشرح والتبيين، بطريقة حديثة تبتعد عن نهج الترميز المضني، الذي اعتمدته الخزرجية.
هذا وقد تحصّل من ذلك العمل الدائب الذي استغرق قرونا متوالية، مؤلفات كثيرة، بلغ عدد ما وقف عليه محقق الكتاب منها 139 عملا ما بين شروح وحواش، وتعليقات، وتذييلات، وشروح منظومة، وترجمات… أوردها وما يتعلق بها من معلومات سواء كانت مطبوعة أو مخطوطة مع ذكر أماكن وجودها من مكتبات وخزانات.
لقد كثر تأليف الأقدمين حول المقصورة الخزرجية، مما يعبر عن شغفهم بمعرفة أوزان الشعر، وحذق العروض، ذلك أنهم كلفوا بالشعر وإبداعه، فكان رفيقهم في جميع مناحي حياتهم، وعبروا به عن جميع ما يشغلهم من أمور جليلة أو حقيرة، واتخذوه وسيلة للتخاطب والتوادّ وتبادل العواطف والأفكار، بل أدخلوه إلى مجالات بعيدة عن العواطف والمشاعر، مثل جمع شوارد العلوم التقريرية، عندما صار النظم وسيلة لضبط شتات المعارف على اختلاف أنواعها، من الطب إلى الفلك إلى الرياضيات والفلاحة وعلوم اللغة، والعلوم الإسلامية إلى الفلسفة والمنطق.. وهلم جرا، حتى إن العربية انفردت بين جميع اللغات بكلف علمائها بنظم المعارف.
- مؤلف الرسالة:
أما مؤلف هذه الرسالة، فهو امحمد بن علي بن إبراهيم أكبيل الهوزالي، من منطقة إيندوزال بإقليم تارودانت، وأكبيل نسبة لبطن إيكبيلن من قبيلة إيندوزال التي تعرب بهوزالة، ولد أواخر القرن الحادي عشر للهجرة بقرية تيزيطت، وحفظ القرآن ببلده، ثم رحل إلى الزاوية الناصرية بتامگروت وهناك اعتكف على الدراسة والتعلم على الشيخ أحمد بن امحمد بن ناصر الدرعي وعلى العلماء الكبار الذين كانوا يدرّسون بالزاوية أو كانوا يلمون بها نحو 20 سنة.
بعد أن نهل من الزاوية الناصرية، وظهر نبوغه، ودّعه شيخه وأرسله إلى موطنه بسوس، فاستقر هناك وأسس مدرسته العتيقة سنة 1111هـ واعتكف على التدريس بها، وبسبب جده واجتهاده توافد عليه الطلبة، واستفادوا من علمه واخلاقه، كما انثال عليه عموم الناس لتلقي الورد الناصري وتعلم أركان الدين وأسس العقيدة، وبذل جهوده في وعظ الناس، وحثهم على التمسك بالدين ونبذ البدع والانكفاء عن الشرور، وقد ذكر تلميذه العلامة الحضيكي أعماله في هذه المجالات ونوه بها، قائلا:
“كان الفقيه الهوزالي رحمه الله من أشياخنا وبركات بلادنا وصلحائها، وممن تدور عليهم أمورها، والملجأ والمفزع في المسائل والنوازل، وقد انتفع به الخلق، وقام بإصلاح الأمة، واعتنى بإرشادهم وإقامة رسوم الدين، وأحيي كثيرا مما اندرس من السنن، وأخمد كثيرا من البدع، وألف للناس في ذلك كتبا بالغ بالنصح فيها نظما ونثرا، عجمية وعربية، وقد أنعم الله تعالى على الإسلام بنصحه،” (طبقات الحضيكي، تحقيق أحمد بومزكو 2/363)
اعتنى العلامة أكبيل كذلك بالتأليف وترك عدة مؤلفات نذكر منها:
* كتاب تنبيه الإخوان على ترك البدع والعصيان، مطبوع.
* الطرق بالعصا لمن خالف ربه وعصى، مفقود.
* مهامز الغفلان على فروع الوقت والأذان.
* فتاوى وأجوبة متفرقة، مخطوطة.
* كتاب الحوض، ترجمة مختصر الشيخ خليل إلى الأمازيغية السوسية، مع إضافات من شروحه وكتب النوازل وغير ذلك من المؤلفات، طبع الجزء الأول والباقي مخطوط.
* بحر الدموع، منظومة في الوعظ والنصح بالأمازيغية السوسية، مطبوع.
* كتاب النصيحة، منظومة بالأمازيغية السوسية في النصح والوعظ، مخطوطة.
* أشعار عربية وأمازيغية كثيرة.
توفي العلامة أكبيل رحمه الله بالوباء الواقع في سوس سنة 1162هـ، ودفن قرب مدرسته وهناك مشهده رحمه الله تعالى.
- الرسالة أهميتها وقيمتها:
من العلماء الذين اهتموا بالقصيدة الخزرجية العلامة السوسي أمحمد بن علي أكبيل الهوزالي، تلميذ الزاوية الناصرية الذي درس العروض على أستاذه أحمد بن محمد أحوزي الهشتوكي(ت1127هـ) وقيّد عنه في دروسه بتامگروت، فذلكة دونها في مخطوطة لطيفة، هي هذه التي بين أيدينا، ومنشأ أهميتها، أمران اثنان:
- أن المعهود من العلامة أكبيل اهتمامه بالفقه والوعظ باللسانين العربي والشلحي، في كتبه المعروفة المتداولة، كالحوض الذي تتبع فيه مختصر الشيخ خليل بشروحه، مستعينا بكتب أخرى كالنوازل ومنظومات الفقه وشروحها، أو منظومته في الأذان، أو تنبيه الإخوان أو غيرها، ولم يكن يعرف لأكبيل بين الباحثين اهتمام بالأدب وعلومه، مثلما نجد في هذه المخطوطة، التي تظهر أنه كما تأثر بتمسك أشياخه بالسنة، وولعهم بالفقه والوعظ، اهتم بعلوم الأدب خاصة العروض فأتقنه بل ألف فيه وكتب.
- أنها مخطوطة غميسة لم تكن معروفة لأكبيل، ولا مذكورة من بين مؤلفاته عند سائر من تعرض للتعريف به، أو لإخراج مخطوطاته، ولا عند من تحدث عن علماء العروض المغاربة، وبذلك يكون اكتشافها، إضافة جديدة لما نعرفه عن الشخصية العلمية للعلامة أكبيل رحمه الله تعالى.
هذا ويبدو من ديباجة الرسالة أن صاحبها حررها معتمدا على ما درسه على شيخه أحمد بن محمد أحوزي الهشتوكي بزاوية تامگروت الناصرية، قال عن ذلك:
«وبعد، فهذه جملة مختصرة مفيدة على بحور الخزرجية الشهيرة، بيّنت فيها ما لكل بحر من الأعاريض والضروب، مع ما يدخل كل بحر من العلل والزحافات، مع شواهد الجميع مضبوطة بالقلم، ليسهل أمرها عند تقطيع الأبيات، جمعتها من مجلس شيخنا العلامة المعروف بسيدي أحمد الهشتوكي، قدّس الله سره، ورفع في الدارين مقامه، وجعلنا ممن فاضت عليه بركاته، آمين. قصدت بها نفعي، لأني من الجاهلين، ونفع من شاء الله غيري، ومن الله أسأل الهداية للصواب.»
وقد جاء تأليفه مختصرا ملما بأهم صفات الأوزان العروضية، زحافات وعللا، ممثلا لها بما اشتهر من أبيات، كما اهتم بالقوافي وما يلحقها من سمات وتغييرات، والظاهر أن غرضه كان جمع مؤلف مختصر من شرح أستاذه الهشتوكي لمقصورة الخزرجية، وهو يعود مع ذلك إلى بعض المصادر المتوفرة له يستقي منها، خاصة شرح الفتوح الزموري على الخزرجية.
وقد اعتمدت في إخراج هذه الرسالة على مخطوطة فريدة، وقعت عليها في خزانة السيد الفاضل عبد الله المودن الإيغشاني نزيل تادلة رحمة الله عليه، واستعنت في إخراجها بمراجعة كتب العروض المختلفة، والرجوع إلى الشروح على القصيدة الخزرجية، لتجاوز صعوبة العمل على النسخة الوحيدة، وما يحف ذلك من صعوبات ومزالق.
هذا وأرجو أن يكون هذا العمل إسهاما في كشف جوانب من التراث المغربي في مجال علم العروض والقافية، وهو تراث مازال في حاجة إلى جهود مكثفة لإخراجه بتحقيق نصوصه، والتعريف بأعلامه، وإبراز إسهامهم الكبير في خدمة الشعر العربي عبر تيسير إحدى جوانبه الممثلة في علمي العروض والقافية.
صدر الكتاب عن مطبعة صوم برانت بأگادير، 1444هـ/2023م، ويقع في 120 صفحة من القطع المتوسط.