مثولُ رئيس الحكومة عزيز أخنوش، أمام البرلمان في أولى جلسات المساءلة الشهرية، الاثنين الماضي، مرّ دون مشاكل، باستثناء بعد تدخلات المعارضة التي انصبت على جوانب شكلية، وتقديرات شخصية، لم تؤثر على مجرى الأشغال خلال هذه الجلسة، خلافا لما كان يجري في السابق.
أخنوش استعرض أمام نواب الأمة، جملة من القرارات التي اتخذتها الحكومة خلال أيامها الأولى وقبل الوصول إلى نهاية “فترة التسامح” المتفق عليها عالميا، في المائة يوم الأولى. إلا أن المغاربة وتحت ضغط “الأحداث” المتتالية، اجتماعيا وسياسيا، استعجلوا الزمن ، زمن الانتقاد والتنديد والاحتجاج، ما دفع أخنوش إلى التنبيه إلى أنه لا يمكن محاسبة حكومة عمرها 47 يوما !…..
قضايا ذات حساسية كبرى
ولا شك أن رئيس الحكومة كان يشعربحساسية الظرف، مكانا وزمانا وهو يستعرض أهم القضايا التي تشتغل الحكومة عليها، ويتوقع ردود فعل النواب إزاءها، سلبا أو إيجابا، خاصة والحكومة تواجه قضايا ذات حساسية بليغة، بالنسبة لغالبية المواطنين، كالغلاء ، و“الأساتذة المتعاقدين“، ومآسي الصحة العمومية، والفقر، سواء المترسب عن الجائحة أو عن فشل الحكومات السابقة فيتصور مشاريع تنمية مناسبة و فعالة ، ومآسي العالم القروي الذي نسمع عن تخصيص المليارات لفك العزلة عنه وتقريبه من الخدمات العمومية والحال أنه يشكو من العزلة والفيضانات والقناطر “المثقوبة” وأخطار أمنية حقيقية وأخيرا، قرار الحكومة بإقصاء من كان سنهم فوق 30 سنة، من ولوج أسلاك التكوين والتوظيف في التعليم العمومي.
وبهذا الخصوص، اكد أخنوش أنه يتحمل المسؤولية كاملة في القرار الذي اتخذه وزير التعليم، مبرزا أن الحكومة تهدف من هذا القرار إلى الاستثمار في تكوين الأساتذة على المدى البعيد، لتعزيز كفاءتهم، باعتبار هذا الورش ركيزة أساسية من ركائز الإصلاح التربوي”.
كما أوضح في هذا الصدد أن ” تفعيل هذا التوجه سيتم من خلال تعزيز التكوين الأساسي والمستمر للفاعلين التربويين، التي رصد لها غلاف مالي يقدر بـ500 مليون درهم برسم سنة 2022؛ كما سيتم تخصيص 400 مليون درهم لتأهيل البنيات التحتية والتجهيزات.
قرارات مجحفة ولكن ضرورية
ما معناه أن الحكومة لن تتردد إذا تطلب الأمر اتخاذ بعض القرارات التي قد تبدو مجحفة، بالمنطق السياسي الضيق، لكنها، في العمق، “قرارات ضرورية” لتنزيل مشروع “الدولة الاجتماعية” كما يطمح إليها الجميع، بقول الرئيس الذي أكد أن غاية الحكومة الرفع من جودة تكوين الأساتذة وتحسين ظروف اشتغالهم، ، مبرزا أن ” الحكومة تهدف من هذا القرار إلى الاستثمار في تكوين الأساتذة على المدى البعيد، لتعزيز كفاءتهم، باعتبار أن ذلك يعتبر ركيزة أساسية من ركائز الإصلاح التربوي.
ولعل أهم ركائز برنامج حكومة عزيز أحنوش، تحقيق ” الدولة الاجتماعية” التي كادت أن تصبح شعار “المرحلة الجديدة” التي يسعى لتأسيسها خلال السنوات الخمس المقبلة.
ركائز الدولة الاجتماعية
وفي هذا الصدد ذكر رئيس الحكومة بمجموعة البرامج والمشاريع التي تندرج في هذا الإطار، من حماية اجتماعية، وتعويضات عائلية، وتوسيع الانخراط في أنظمة التقاعد لكافة الناشطين وتعميم التعويضات العائلية والتعويض عن فقدان الشغل، بحلول سنة 2025، إضافة إلى مجهود استثنائي للتشغيل ومحاربة الفقر والهشاشة والرفع من أداء الصحة والتعليم، موضحا أن المبادرة الوطنية للتنمية الاجتماعية كانت أهم ركائز الدولة الاجتماعية إضافة إلى برنامج تقليص الفوارق المجالية والاجتماعية ونظام المساعدة الطبية بغاية محاربة الفقر والهشاشة. كما ستعمل الحكومة على إحداث بطاقة صحية ذكية لكل مواطن مغربي، تحد من الإنفاق المباشر للمرضى، على الخدمات الصحية، خصوصا بالنسبة لذوي الدخل المحدود، وتمكن من التتبع الدقيق لمسار كل مريض، كما خصص مشروع قانون المالية لسنة 2022 ميزانية تقدر بستة مليارات درهم لتأهيل البنيات الاستشفائية وتعزيز تجهيزاتها، وهو ما يشكل زيادة قدرها 2.7 مليارات درهم.
وأعلن عزيز أخنوش في نفس السياق أن الحكومة ستخصص أكبر عدد من مناصب الشغل المتوفرة في ميزانية 2022 لتوظيف الأساتذة والأطباء . وهي سابقة في سياسات المغرب في مجال التوظيف العمومي، معتبرا أن من بين أهم المشاريع المبرمجة، إطلاق المركز الاستشفائي الجامعي الجديد ابن سينا، الذي سيخصص له مليار و100 مليون درهم، وتأهيل 1500 مؤسسة للرعاية الصحية الأولية باعتمادات تقدر بـ500 مليون درهم، ومواصلة بناء وتأهيل 30 مركزا استشفائيا جهويا وإقليميا من خلال رصد 600 مليون”.
تفاعل، جرأة ، شجاعة
ولإنزال مختلف البرامج والمشاريع الاجتماعية، فإن الحكومةـ يقول السيد أخنوش، ستعتمد منهجية عمادها التفاعل والجرأة في الإنجاز والشجاعة في اتخاذ القرار ، مشيرا إلى أن مفهوم” الدولة الاجتماعية” ليس شعارات ترفع في المحطات الانتخابية ، بل هي أولا وأخيرا “قراراتٌ وأفعالٌ “تتطلب إصلاحات لن تتردد الحكومة في اتخاذها من أجل التأسيس لمرحلة جديدة “فارقة في تاريخ المغرب“ مبرزا أن “إعادة الثقة في العمل السياسي تقوم على تقديم خيارات وبرامج اجتماعية واقعية ذات مصداقية تعالج الأولويات الحقيقية.
تساؤلات
وجوابا ضمنيا على ما قد تثيره تصريحات أخنوش لدى المعارضة وعموم المواطنين، من تساؤلات بخصوص عجز حزب الأحرار عن تحقيق ما يعلنه اليوم من برامج ومشاريع خلال مشاركته في الحكومات السابقة، قال رئيس الحكومة “إننا نملك اليوم الشرعية الدستورية والسياسية لإنجاز ما عجزنا عنه خلال مشاركتنا في الحكومات السابقة“. وأضاف أن الحكومة تدرك حجم الانتظارات الشعبية ومستوعبة لطبيعة
في ظل دولة الحق والقانون
والحريات والعدالة الاجتماعية
التحديات وتطمح إلى توفير الفرصة لكل مغربي ومغربية لبناء مستقبل أفضل في ظل دولة الحق والقانون والحريات والعدالة الاجتماعية لأن الحكومة الحالية تؤمن بأنها لن تكون حكومة “تدبير ألأمر الواقع بل حكومة إبداع الحلول.
وزاد أن الحكومة متفائلة خيرا لأن برنامجها “متكاملٌ” اقتصاديا واجتماعيا الأمر الذي يمكن من بلوغ الأهداف المسطرة على مستوى إحداث فرص الشغل للشباب بالرغم من التحديات والرهانات التي تطرحها قضية تعزيز الدولة الاجتماعية.
“تسونامي” المليارات
حقيقة أن المشاريع المسجلة في ميزانية السنة المقبلة أبهرت الجميع، مساندة ومعارضة، بما حملت من حلول محتملة لقضايا أتعبت المواطنين المطالبةُ بها، ولكنها “فاجأتهم” أيضا بــ “تسونامي” المليارات التي نزلت كالمائدة “التوراتية“، بين عشية وضحاها، بينما الأمر يتعلق بميزانية سنة نرجو أن تكون سعيدة، ولكنها مرتبطة بالأمطار والإنتاج الفلاحي، وتقلبات الأوضاع الاقتصادية العالمية واضطراب أسواق المحروقات والمواد الأولية.
الصيغة الوردية لمنجزات السنة المقبلة، كما نتصورها اليوم، أنستنا ما نجحوا في إقناعنا به خلال الولاية السابقة، من أن الخزينة العامة كانت على وشك الإفلاس، وأن مديونة المغرب اقتربت كثيرا من الخطوط الحمراء، واننا مهددون من طرف البنك الدولي ببرنامج “تقويم هيكلي” جديد، كذاك الذي فرض علينا أيام الراحل الحسن الثاني رحمه الله.
تواصل، تشارك، تفاهم، حوار، إقناع
مفاتيح النجاح
ملاحظة أخرى تجلت في نبرة التحدي التي طبعت بعض فقرات عرض رئيس الحكومة وفي تصريحات بعض الوزراء، والتي كانت “مزعجة” حدّا ما، بالنسبة للجميع، ذاك الإصرارُ المبالغ فيه على أن الحكومة “مصممة” على اتخاذ قرارات “مجحفة” بل ومؤلمة، لأنها تملك “الشرعية السياسية والدستورية” لتتصرف سواء فيما يخص “معضلة” “الثلاثين سنة” أو “قضية “المتعاقدين” أو “المقصيين“، أو قضايا الحريات العامة، والمواجهات الأمنية العنيفة التي قوبل بها المطالبون بحرية التظاهر السلمي، من طرف القوات العمومية في أهم شوارع المدن الكبرى بالبلاد، إلى غير ذلك من “منغصات” المرحلة الجديدة التي تؤمن الحكومة بأنها قادرة على إعادة الثقة في العمل السياسي وأنها قادرة أيضا، على توفير الفرصة للمغاربة من أجل بناء مستقبل أفضل في ظل دولة الحق والقانون. ذلك المستقبل الذي لا يمكن بناؤه إلا في دائرة التواصل والتشارك والتقارب مع الشعبـ، والتفاهم عن طريق الحوار والإقناع. ولاشك أن رئيس الحكومة مقتنع بهذا الأمر سيما وأنه كان ركيزة أساسية في البرنامج الانتخابي لحزب التجمع الوطني للأحرار الذي يقود حكومة “التحالف” الثلاثي الحالي الذي نتمنى له كامل التوفيق والنجاح.
عزيز كنوني