ومن هذا المنبر كنا ننتقد الحكومة السابقة وعلى رأسها الحزب الأغلبي بسبب سياسته واختياراته اللاشعبية التي لم تكن منسجمة مع اهتمامات وطموحات المواطنين من مختلف الشرائح بما فيهم الموالين والمدافعين عن أطروحة الحزب.. ومهما تكن شخصية الساحر سياسيا ديماغوجيا شعبويا أو مشعوذا ينشر الخرافات والترهات وتضليل العقول، فهو يتمتع بدرجة من الذكاء والخيال، معتقدا بأن له قدرة استثنائية تفوق قدرات الآخرين.. لكن هل يدوم مفعول السحر طويلا أم تنكشف مع مرور الأيام والشهور والسنوات أسرار الخديعة؟! لذلك فإن السحر انقلب على الساحر، تلقى خلالها حزب العدالة والتنمية هزيمة قاسية على أيدي خصومه السياسيين وفي طليعتهم حزب التجمع الوطني للاحرار.. تأكدت هذه الخسارة وماقيل بشأنها من تنبؤات لحظة تراجع شعبية الحزب التي بدأت تتكشف شيئا فشيئا قبل السنة الأخيرة من رحيل رئيس الحكومة الأسبق عبد الإله بنكيران، وتوالى هذا التراجع على عهد خلفه سعد الدين العثماني في ولايته الثانية، بما لم يدع مجالا للشك بأن حزب هذا الأخير سيسقط سقطة مدوية لن ينفع معها علاج.. فما هي ياترى أبعاد ودلالات سقوط حزب العدالة والتنمية في الانتخابات الاخيرة ؟! بات من المؤكد أن تصويت الناخبين في انتخابات نزيهة وشفافة خرج منه الحزب الذي قاد الحكومة في ولايتين شفويتين بخفي حنين فارغا طاويا متواريا إلى الوراء بحصوله على ثلاثة عشر مقعدا فقط لا تمكنه حتى من تكوين فريق برلماني وهو نفس الحزب الذي ظفر بـ 125 مقعدا في انتخابات 2016. وعلى ضوء هذه الخسارة المدوية غير المسبوقة يمكن قراءة بعض المؤشرات وأسباب الفشل التي أشرنا اليها في مواضيعنا السابقة ضمن ملاحظات نقدية لسياسة الحزب وبرامجه وتوجهاته واختياراته اللاشعبية التي ظلت بعيدة عن هموم الناس وتطلعاتهم نحو الإصلاح والتغيير..! حزب راكم مجموعه من الأخطاء القاتلة قوبلت بحالة سخط وغضب كبيرين في مختلف الأوساط المغربية، وتحديدا الفئات الشعبية على أوسع نطاق، وقد لايجد حزب العدالة والتنمية اليوم تفسيرا لمجموعة من الإجراءات الاقتصادية والاجتماعية التي اتخذها في ظروف استثنائية وصعبة جدا منها رفع الدعم عن المحروقات ورفع سن التقاعد والاعتماد على نظام التعاقد مع المعلمين بدلا من إدماجهم أو التفكير في حلول أخرى على الأقل وهو مادفع بالمغاربة وتحديدا الفئات المتضررة من الإجراءات المذكورة إلى التصويت عقابيا ضد العدالة والتنمية في امتحان لا أصفه إلا كما يقول وديع الصافي في إحدى أغانيه الشهيرة «اليوم عهدكم فاين الموعد»..
من المفيد القول أن التجربة الحكومية السابقة كانت فاشلة بامتياز.. ويتمثل هذا الفشل أساسا في عدم قدرة الحكومة على تنفيذ الإصلاحات التي وعدت بها، وبصفة خاصة مايتعلق بالجانب الاجتماعي..! فعن أي إصلاحات يمكن الحديث إذا أعدنا قراءة التصريح الذي قدمه رئيس الحكومة السابق ساعات بعد توليه تسيير الشأن العام والذي تضمن محاور ومخططات لو طبقت فعلا لتحول المغرب إلى جنة عدن؟ غير أن الوضع الاجتماعي والاقتصادي ازداد سوءا بسبب اختيارات لم تكن سليمة..! هذه حقيقة لاغبار عليها.. وقد أدرك الآن الرئيس الذي خرج من الحكومة مغضوبا عليه وعلى أغلبيته في حالة اندحار لايلوي على شيء بعد أن دقت ساعة الحقيقة لتكشف بالملموس أن تصريحه غير المجدي ولد ميتا وتبخر في الهواء لأنه لم يحقق للمغاربة تطلعاتهم وآمالهم..! ويمكنكم الرجوع للإطلاع على مضمون التصريح المذكور المليئ بالوعود والتفاؤل والأمل والنوم في العسل لتتضح لكم الصورة؟! فما هي تداعيات التصريح الحكومي الذي تناثرت وعوده في الهواء وخلقت أزمة اجتماعية ومشكلات صارت إشكاليات وتحولت إلى معضلة عالجتها صناديق اقتراع الثامن من شتمبر ٢٠٢١ ؟؟ من أخطر هذه التداعيات التي لم تعد خافية على أحد زيادة البطالة، خصوصا في صفوف الشباب!! ارتفاع معدلات الفقر بشكل غير مسبوقة.. تدهور القدرة الشرائية التي باتت تهدد السلم الاجتماعي.. إغلاق قطاعات إنتاجية في زمن الكورونا دون إيجاد حلول بديلة، وقد ترتب عن هذا تسريح عدد كبير من عمال وعاملات المعامل ووحدات الإنتاج..! ثم إن الحكومة المنتهية ولايتها لم تتخذ إجراءات حازمة لوضع حد للتلاعب والفساد والمساس بالقدرة الشرائية لأوسع الفئات الاجتماعية دون إغفال عجزها عن خلق وظائف كافية، مما دفع بفئات واسعة من الشباب إلى التذمر والاحباط والاستياء والقلق على مستقبل لايوجد سوى في نفق مظلم!! حكومة لم تستطع ان تقدم جوابا سياسيا على أي من القضايا الأساسية التي تهم المواطن المغربي في حياته اليومية..! حكومة ظلت طيلة مدة ولايتها بدون بوصلة وغير مقنعة في أي مجال..!
(يتبع)