تفصلنا أيام قليلة عن موعد الاقتراع العام المباشر المقرر كما هو معلوم يوم الثامن من شتمبر القادم، والذي سيفرز على مستوى الانتخابات التشريعية حكومة جديدة بعد انتهاء ولاية حكومة العثماني التي شد وزرائها حقائبهم وغادروا في صمت وبمنتهى الهدوء، على أمل العودة لاجترار الكلام ضمن حلقات مسلسل طويل من التصورات والبرامج والمخططات والوعود والأسطوانات المشروخة التي مازال المواطنون ينتظرون نتائجها على أرض الواقع.. واسألوا هؤلاء المواطنين إن كانوا فعلا مطمئنين مبتهجين وراضين عن عمل الحكومة التي استنفذت ولايتها لتتبينوا الحقيقة.. من هؤلاء الوزراء من دخل الآن المعترك الانتخابي التشريعي طمعا في العودة إلى الحكومة، ومنهم من وجد لنفسه موقعا في الانتخابات الجماعية، فيما لم يجد الآخرون غير التموقع في منزلة بين المنزلتين..
وقبل الدخول في جوهر الموضوع لابد من العودة، على سبيل التذكير فقط، إلى انتخابات سنة2007 كمحطة بارزة خرجت منها الأحزاب السياسية منكسرة ومستخلصة لدروس قاسية لم تراجع فيها مع الأسف هذه الأحزاب أوراقها حينما وجدت في صناديق الاقتراع قرارا بل موقفا شعبيا صارخا اسمه العزوف الانتخابي، حيث لم تتجاوز نسبة المشاركة ٪34 ماتزال راسخة في أذهان المغاربة، وهي أدنى نسبة في تاريخ الانتخابات التي شهدها المغرب.. ومنذ سنة 2007 أصبح العزوف عن التصويت مثار إزعاج وقلق مستمر يؤرق مضجع السلطات والأحزاب السياسية المشاركة في اللعبة الديموقراطية.. لابد من التذكير أيضا إلى أن جميع الأساليب التي جربتها السلطات لاقناع المواطنين بضرورة التراجع عن عزوفهم الانتخابي باءت بالفشل.. ولعل من أهم أسباب هذا التراجع وعدم تجاوب المواطنين مع الانتخابات المنظمة يكمن في تراكم الأزمات لدى الأحزاب السياسية وقياداتها وبرامجها وتدبيرها للشأن الداخلي، وهي من العوامل التي أدت إلى ضعف العمل السياسي الحزبي ببلادنا، كان من نتائجه مواقف الناخبين من العملية الانتخابية بنهج سياسة العزوف والمقاطعة..
ولعل القاسم الانتخابي كمحدد أو كمؤشر جديد جاء لتصحيح بعض الأمور لاحاجة للخوض فيها من شأنها معالجة مشكلة العزوف العام، على اعتبار أن القاسم الانتخابي يتم احتسابه على أساس عدد المسجلين في اللوائح الانتخابية التي سيتم إعدادها لتنظيم استحقاقات 2021 ، وليس على أساس الأصوات الصحيحة المعبر عنها عكس ماكان العمل جاريا به في الانتخابات السابقة..
يبدو واضحا بناء على ماسبق، أن عزوف الناخبين عن الأحزاب السياسية وعن المشاركة في العمليات الانتخابية سببه الرئيسي هو فقدان الثقة بين التنظيمات السياسية والشباب!؟ هل يمكن القول بأن غياب الثقة والمصداقية وعدم الإجابة على انتظارات المواطنين وتطلعاتهم هي الإشكالية الكبيرة والنقطة التي أفاضت الكأس؟ في هذا الموضوع نتحدث عن دور الاحزاب السياسية من حيث التأطير والبرامج والتوجهات والممارسة بصفة عامة..
كثيرا مايتبادر إلى أذهاننا ونحن نتابع أنشطة الأحزاب السياسية أغلبية ومعارضة سؤال تقليدي لكنه مهم: هل الأحزاب السياسية تقوم بواجبها في تأطير وتنظيم وتعبئة المواطنين طبقا لمقتضيات الدستور؟ هل بعض الأحزاب وبصفة خاصة التي تسمي نفسها تقدمية.. اشتراكية.. ديموقراطية.. هل قامت بواجبها وساهمت في الحفاظ على استقرار الوضع الاجتماعي في ظل أجواء التردي بكل أشكاله والذي يزداد استفحالا ببلادنا يوما عن يوم؟! هل قامت فعلا بما كان يجب أن تقوم به من منطلق مبادئها واهدافها وتوجهاتها، بل ومرجعياتها الإيديولوجية ورصيدها النضالي والتاريخي؟ هل الأحزاب التي تسمي نفسها مناضلة أدركت بحسها «النضالي» أنها ساهمت من الموقع الحكومي الذي تعود إليه مرة أخرى في تحقيق تطلعات وآمال المواطنين المغلوبين على أمرهم بالإنصات إلى نبض قلوبهم وتقبل انتقاداتهم والسعي بإخلاص إلى تحسين أحوالهم وظروفهم المعيشية؟؟ هل تفعل أحزابنا كل هذا طالما أنها تأسست لأهداف سياسية لاتخلو من الجوانب الاجتماعية والإنسانية..؟!
إدريس كردود