جريدة طنجة ـ محمد العمراني
أتعجب لبعض الوجوه في هاته المدينة، المعروفة ب “صنطيحتها القاسحة”، والتي تصر على البقاء في الواجهة، اعتقادا منها أن طنجة لن تقوم لها قائمة إن هم انسحبوا من المشهد الحزبي والانتخابي!..
هاته الكائنات تعتقد أن ذاكرة الناس قصيرة جدا، وأن ما ارتكبته من جرائم في حق هاته المدينة، خلال فترة إمساكهم بمقاليد مجالسها المنتخبة، قد طواها النسيان..
الواقع أن هاته النماذج تعاني حالة “زهايمر سياسي” جد متقدمة، تخال نفسها وكأن الزمن متوقف عند مرحلة، نعرف جميعا سياقها التاريخي، كانوا فيها الآمرون الناهون، لا رأي يعلو فوق رأيهم، ولا قرار إلا قرارهم..
لكن شمس الحقيقة لا يمكن تغطيته بغربال التقادم..
ساكنة المدينة تعرفهم واحدا واحدا..
تعرف كل الذين تعاقبوا على تحمل مسؤولية تدبير شؤون المدينة،
تعرف كيف دخل كل واحد من هؤلاء إلى موقع المسؤولية،
وكيف كانت حالتهم المادية،
وكيف أصبحوا اليوم من أثرياء المدينة،
ومن كبار المنعشين العقاريين،
وكيف راكموا أرصدة طائلة، ناهيك عن الأملاك والعقارات؟!..
وحتى لا نتهم برمي الناس بالباطل،
و بالحقد الطبقي،
وإطلاق الإشاعات المغرضة،
هل تمتلك هاته الكائنات الجرأة للكشف عن مصادر ثرواتها؟!..
لا أعتقد ذلك، حتى لا أقول أتحداهم أن يفعلوا..
والمصيبة أنهم رغم جنيهم لثروات طائلة، فإن أغلبيتهم الساحقة لا يساهمون في الأعمال الخيرية، ولا ينفقون أي مبلغ إلا إذا كان سيخدم ترشحهم للانتخابات!..
هناك إجماع بمدينة طنجة على أن السبب الرئيسي للاكتساح الانتخابي الذي يحققه حزب العدالة والتنمية خلال السنوات الأخيرة، يرجع إلى إصرار هاته الوجوه على عدم الرحيل عن المشهد السياسي..
ببساطة لأن تصدرها للقوائم الانتخابية يشكل استفزازا حقيقيا للساكنة، ويدفعها إلى اللجوء للتصويت العقابي، وهذا ما يدفع الناخبين إلى التصويت على حزب المصباح انتقاما منهم، ونكاية في الدولة التي يعتبرونها مسؤولة عن عدم “تشطيبهم” من الحياة السياسية..
وليس سرا أن قادة العدالة والتنمية دأبوا على الاحتفال اكتساحهم الانتخابي عند إيداع الترشيحات، وتأكدهم من دخول هاته الكائنات إلى غمار التنافس الانتخابي..
لأنهم يعرفون أنه هاته الوجوه منبوذة من طرف المواطنين، وأن الطريق أصحت سالكة أمام اكتساح سهل، وبأقل مجهود..
حتى أنه عند كل محطة انتخابية تجد الناس تتساءل:
مزال هاد “الكمامر” عايشة؟،
باقي مبغاوش يفهموا راسهوم؟،
صافي حنا غادي نتكلفوا بيهوم!..
ولذلك تجد الناخبين يتسابقون على إغراق الصناديق بأصواتهم لفائدة المصباح..
الناس تعتقد أن الدولة متشبثة بهؤلاء الكائنات، خاصة عندما يبرر هؤلاء قرار ترشحهم بأنهم تلقوا تعليمات من فوق!..
وهذا تكتيك يلجأون إليه لإيهام الأتباع أنهم هم جبهة الدفاع الأخيرة عن الدولة، وأنهم صمام الأمان لوقف الزحف المنتظر للمصباح!..
والحال أنهم اليوم باتوا يشكلون عبئا ثقيلا على الدولة، بل هم وقود الاكتساح الانتخابي لإخوان بنكيران بسبب فسادهم الذي أزكم الأنوف..
وهذا ما يفسر لماذا أصبحت طنجة أكبر قلعة انتخابية لحزب المصباح على المستوى الوطني!!..
لا خيار اليوم أمام الدولة، إن هي أرادت استعادة مصداقية مؤسساتها المنتخبة، وثقة المواطنين في العملية الانتخابية، و وتفادي خطر الهيمنة المطلقة لحزب العالة والتنمية، وهي الهيمنة التي باتت تشكل خطرا على النموذج الديمقراطي المغربي، إلا اتخاذ قرار نهائي وحاسم في حق هاته الكائنات الانتخابية، يقضي بإبعادهم عن المشهد السياسي بصفة نهائية وإلى غير رجعة، ولو تطلب الأمر إحالتهم على القضاء إعمالا لقانون من اين لك هذا؟!..
وأي تلكؤ في اتخاذ هذا الأمر، فإن تكلفته ستكون باهظة على الاستقرار والسلم الاجتماعي..
فهل وصلت الرسالة؟..