المراهقة.. تغيرات لا يواكبها وعي الأسرة وتكوين الأساتذة
يـَرى عَدد من المُختصين أن لمرحلة المُـراهقة مُميّـزات عديـدة تبتـَدئ بالتَغيُــرات الجسْمـانية، وتـُواكبهـا تغيـرات على صعيد العـلاقـات الأسَريـة و الاجتماعية وأيضًـا داخـلَ المـدرسة و المُحيـط الاجتمـاعي عُمـومــًا. و يَخضع خـلالهـا المُراهـق لانتقـــالات نفسية وسيكـــولوجية و اجتماعية كثيرة.
وإذا كان بعض الآباء، يتخوفون من فترة المراهقة وتستنفرهم مستجداتٌ يلمسونها في طفلهم الذي بات يكبر، ويتعاملون معها بكثير من الحذر والتفهم، فإن آخرين يعتبرونها مرحلة التعامل بحزم وصرامة مع المراهقين، ليذهب المختصون إلى نصح الآباء بالتعامل مع المراهقة باعتبارها فترة عمرية لها خصوصياتها لا غير، عوض اعتبارها مشكلة.
ما يحتاجه المراهقون
مريم أم ليافع يبلغ 15 سنة، ترى أن فترة المراهقة تحتاج إلى التفهم والاستيعاب والمصاحبة والاستماع والتوجيه عن طريق الحوار والإقناع، موضحة أن طريقة التعامل مع الطفل الصغير مختلفة تماما عن تلك المفروض استخدامها مع المراهق الذي يعرف ثورة في كل شيء، “على تلك الثورة أن توجَّه للخير والإنتاج والسعادة وتحُول دون الانحراف والانزلاق” تقول السيدة مريم لهسبريس.
بدورها، تعتقد رشيدة أم لشابين و يــافعــة، أن مرحلة المراهقة واحدة من المراحل التي تتطلب معرفة واضطلاعا واسعين بالنظر إلى التغيرات التي تطرأ على الأبناء، يعيش خلالها الابن أو الابنة تحَــوُلات مُخْتلفــة، و تَعتقد الأم أن المدخل للتغلب على المشاكل المرتبطة بالمراهقة هو “زرع الثقة في النفس لدى الطفل منذ الصغر والعمل على تكريسها وتقويتها وتغذيتها في المراهقة على اعتبارها مرحلة اختيارات بامتياز وبداية التموقع واتخاذ المواقف”.
التمرد وفرض الذات
الدكتور رشيد الجرموني المتخصص في سوسيولوجيا التربية والقيم، يعتبر أن مرحلة المراهقة مرحلة صعبة يمر بها الإنسان، يخضع خلالها لانتقالات نفسية وسيكولوجية واجتماعية عديدة، موضحا أن من بين أهم الأمور التي تبرز خلال هذه المرحلة هي الإحساس بالذات، ومحاولة فرض الذات وشخصيته، والتمرد على عدد من العادات التي كان يتقبلها وهو طفل، ” إحساس المراهق بتبلور شخصيته تجعله يرفض الأوامر والتوجيهات ويعيد النظر في مجموعة من المسلمات منها التمدرس والانضباط للقوانين الأسرية وأيضا القواعد الاجتماعية بصفة عامة” يقول الجرموني لهسبريس.
لا وصفات سحرية
ونفى الخبير في علوم التربية، ضمن حديثه لجريدة هسبريس، توافر وصفة سحرية واحدة للتعامل مع المراهقين، موضحا أن لكل مراهق خصوصياته ولكلٍّ طريقة خاصة في التعامل معه، مشددا على أن المرحلة رغم توتراتها تبقى عادية، منتقدا بالمقابل طريقة تعامل الآباء والمدرسين فع هذه الفترة العمرية، مؤكدا على ضرورة انفتاح الآباء على العلوم في هذا المجال، متمثلة في العلوم الاجتماعية وعلم النفس وبعض التخصصات البيولوجية من أجل مساعدة الأبناء وحسن توجيههم.
وجدد الباحث التربوي تأكيده على ضرورة مُجاراة الكبار لأبنائهم المراهقين وفهم تصوراتهم وأفكارهم، موصيا الآباء على ضرورة إعادة تلقين القيم بطريقة سهلة وجديدة ومحببة، ” في الحالات المستعصية، خصوصا ما تعلق بالأسرة والمدرسة، يحتاج المراهقون إلى تفهمهم من خلال التقرب إليهم ومصاحبتهم ومحاولة إعادة توجيههم” بعيدا عن منطق الأوامر مع عدم تعنيفهم ولا إذلالهم.
مؤسسات القرب
وعن دور المؤطر التربوي، أكد الباحث السوسيولوجي، أن للأساتذة دورا جوهريا في تكوين المراهق وتوجيهه، بالرغم مما تعرفه المؤسسات التعليمية من اكتظاظ وضيق الوقت، مشددا على ضرورة تنظيم دورات تكوينية للأساتذة يستطيعون عبرها فهم التلميذ المراهق والتعامل مع مشاكله وحلها. لافتا إلى أن الإرهاصات الأولى لسن المراهقة باتت تظهر في سن الثامنة عوض الثانية عشرة، وذلك بسبب الإعلام الذي أصبح يَصوغ شخصية الإنسان وتمثلاته وأذواقه، أمام تراجع أدوار الأسر المغربية والمدرسة والمجتمع.
وانتقد الباحث في علوم الاجتماع، افتقار المشهد الإعلامي المغربي إلى قنوات أو برامج موجَّهة لهاته الفئة العمرية الحساسة، فضلا عن انغلاق تخصصات علم نفس المراهق، وغياب تكوينات المدرسين. مؤكدا على حاجة المراهقين واليافعين والشباب عموما لمؤسسات القرب التثقيفية والترفيهة، متمثلة في صالات الرياضة ومعاهد الموسيقى والمكتبات وقاعات الألعاب، والتي تعمل على تأطير المراهق بطريقة إيجابية وأخلاقية وفق قيم مجتمعه الصحيحة.
المصدر : هسبريس