الحمارالذكي
جريدة طنجة – محمد وطاش :
الجمعة 13 فبراير 2015 – 09:51:32
وفي يوم، بينما كان الذئب العجوز يسير في الغابة وقد أمضه الجوع،قابل ثعلبا عجوزا ضعيفا مثله وأكثرمنه جوعا،وبعد أن تبادلا التحية والسلام، سارا بجوار بعضهما يتبادلان الحديث عما يقاسي كل واحد منهما في هذه الأيام العجاف المريرة،وتذكرا الماضي وأيام الشباب،والكميات الكبيرة من الطعام التي كان من السهل الحصول عليها؛وأخذ كل منهما يحكي للآخرعن ماكان يصيده ويلتهمه…فسال لعابهما،وشعرا بآلام الجوع الحادة،فهتف الذئب: “ياأخي الثعلب،لقدعرف عنك المكر والدهاء،وقدرتك على إتيان الحيل العجيبة،ألايمكنك أن تجد لنا طريقة لنحصل على شيء من الطعام؟أرجوك إنني واثق من ذكائك ومهارتك”؛ابتسم الثعلب العجوز،وقد أثار فيه مديح الذئب شيئا من الغرور ، فتنهّـدَ و أجـابَ قـائـلاً : “إن الأمور صَعبة هذهِ الأيّــام، لكن لوكنا سُعَداء الحَظ لصدافنـا خَرُوفًــا شاردا عن قطيعه ، فـافتـراس الخراف أسهل أنــواع الصيد ، وإنّني لأتمَنى ذلك من أجلكَ فقط يــا أخي الـذئب ، أمـا أنـــا فتكفيني دجاجة أو بطة صغيرة”.
أثار حديث الثعلب عن خروف ضال شهية الذئب،فأسرع في خطواته ،ومضى ينظر هنا وهناك،لعل الحلم يتحقق ويكون سعيد الحظ،كما قال الثعلب.
وبعد برهة من الزمن توقف الذئب فجأة عن السيروهتف منفعلا: “انظر،انظرهناك”-وهو يشيرإلى حقل بعيد- ؛نظرالثعلب ودقق النظر،لكنه لم يرشيئا،فسأل الذئب: “ماذا تقصد ياأخي الذئب،أنا لاأرى أي صيد؟فأجاب الذئب: “هاهوأمامك،ألاترى الحمارالواقف هناك في الحقل،يبدو عجوزا،لكن لايهم،فاللحم هواللحم…”.
اندهش الثعلب وهَزّ رأسه آسفًـا و قــال: “يظهرياأخي الذئب أن الجوع يدفع للجنون،أنا لم أسمع قط أن الذئاب والثعالب هاجمت الحمير في الحقول وأكلتها،ثم لاتنس أن ركلة الحمار قوية شديدة كضربة المطرقة،صدقني،إن قوة الحماروالحصان والبغل ترتكزفي أرجلها…”؛لكن الذئب لم يسمح للثعلب أن يروي له حكاية حصان ركله،حيث قاطعه قائلاً : “هذا لايهم…علينا أن نخدع الحمارونحاصره،كل واحد منا من ناحية،حتى أقترب منه وأصبح خلفه فأقفزعليه وأنهش رقبته”؛تضايق الثعلب فسأل الذئب ساخرا: “ماهي حيلتك؟ كيف ستخدع الحمارحتى يسمح لك بالاقتراب منه دون أن يركلك؟”،فأجاب الذئب: ” سأوهم الحماربأنه مريض،وبأنني طبيب أريد أن أعالجه…حتى يأمن لي وأقترب منه وأفترسه”؛فعارض الثعلب العجوز الذئب،وبين له ان حيلته ستفشل…لكن الذئب الجائع،وقد استبد به ألم الجوع،أسرع ناحية الحمارفي الحقل،وتبعه الثعلب من بعيد وهوفي غاية الحذر؛وحين رأى الحمارالعجوزالذئب مقبلا ومن خلفه الثعلب،وقف حذرا يرقب ما سيحدث.
لم يقترب الذئب من الحمار،بل وقف على بعد خطوات منه،ثم حياه وأقراه السلام؛فرد الحمار العَجـوز الّـذي حَنّكته التّجــارب على التحية في أدب،ولم يًفـارقـه حذره ؛ فقـالَ له في مَـودة: “كيفَ حـالك يا أخي الحمـار ؟ إن الجو حار اليوم،هل يضايقك هذا الجو الخانق…”؛هز الثعلب رأسه موافقا،لكنه ظل بعيدا،بينما الذئب اقترب بضع خطوات من الحماروأكمل حديثه قائلا: “إن الجوالحارمضربالصحة،وإنني لأرى أثرذلك عليك،فلونك متغير،نعم لونك متغير،لاشك في ذلك،لكن الجو الحار لايفعل ذلك بالحمير ، فما هو السبب ؟ “؛ سكت الذئب و أطرقَ بـرأسهِ مُفكرًا ، ثــمّ استأنف حديثـه ُ: “آه،أخاف أن تكون شربت من ماء قذر،أوربما غفوت ونمت قليلا،فهاجمك الذباب دون أن تشعربه،وهو يسبب الكثير من الأمراض،على أية حال إنك لسعيد الحظ،فأنا طبيب يحب الحمير،يسرني أن أعالجك وأداويك“؛ فقال الحمار ساخرا: “هذه أول مرة في حياتي أسمع أن الذئب أصبح طبيبا وصديقا للحمير،فلماذا يهمك أمري؟”؛
هزّ الذئب رأسه مُدّعيًـا كأنه قَـدْ تَضايـق من كـلام الحمار وقـال لهُ : “وما الخَطأ في هَذا ، إنّ الحيوانات كُلّها إخْـوة ، وأنا أحب الحمير لأنّني…”،فقـاطعه الحمار قـائـلاً : “رُبَما كان هذا صحيحًا،لكن مايُثير دَهْشَتي ،هو أنّنـَا لم نَتقابـل قبل اليـوم ، هل تعـرف حتّى اسمي ؟ ” ؛ فــاندهَش الـذّئب و هَتف : “وهل للحَمير أسماء كـأسماء البَشر حتّى أعــرف إسمك ؟ ” فقــال له الحمار ساخرًا و هُو يضحك: “إنك جاهل…ألا تعلم أن للحمير أسمــاء،وأن كل حمار مَكتوب إسمه على حافر رجلهِ اليُمْنى الخَلفية ؟ “؛
فـرفـع الحمار رجله اليمنى،و اقترب الذئب ليرى الإسم في الحافــر ،وبسرعة البــرق ركله الحمار ركلة قوية حطمت أسنانه وقذفت به عاليا،فـوقـــع أرضا يتلــوى من شِدّة الألـــم، ثم ركضَ نـــاحية الغابة وهو يَعْـوي…أما الثعلب فقدارتعد وأذهله ماحدث؛فقال له الحمار: “وأنت ياأخي الثعلب،ألاتريد أن تعرف إسمي؟”؛تراجع الثعلب إلى الوراء بسرعة وهو يردد: “لا،لا،لا،أنالاأستطيع ذلك، لأنني لا أعرف القراءة والكتابة”،ثم ركض نحْـوَ الغـابـة .