استقامة اللسان من خصال الإيمان…
جريدة طنجة – محمد العمراني :
عندما يطالب بنكيران شباط بالكشف عن كيفية جمعه لثروة خيالية وهو مجرد نقابي بسيط، فكأنه يوجه له اتهاما مبطنا بالفساد والاغتناء الغير مشروع…
و بنكيران كذلك حينما يطالب إلياس العماري بالكشف عن مصدر 12 مليار سنتيم التي استثمرها في مطبعة بالرباط، فإن هذا الطلب بمثابة اتهام له بجمع ثروة فاسدة المنبع…
طيب، جميل كلام السي بنكيران، وتحسب له هاته الجرأة، لكن ما ذا بعد؟؟؟…
إذا كان لبنكيران ما يكفي من المعلومات حول مصادر الثروة الطائلة لشباط و لإلياس العماري، وإذا كانت له معطيات مؤكدة حول وجود شبهة تدينهما بالفساد، فما الذي يمنع السيد رئيس الحكومة من إعطاء تعليماته لوزيره في العدل لفتح تحقيق قضائي حول هذا الموضوع، خاصة وأن له كامل الصلاحيات الدستورية والقانونية التي تتيح له اتخاذ هذا الإجراء؟؟…
ألا يطرح عدم إحالة بنكيران لهاته الاتهامات على العدالة العديد من التساؤلات حول الخلفيات الكامنة وراء ذلك؟…
كيف يتحول بنكيران، في رمشة عين، من رئيس حكومة بصلاحيات واسعة إلى مجرد مشتكي مثله مثل أي مواطن بسيط؟!…
ما الفائدة إذن من وجود رئيس حكومة منتخب وفق دستور 2011، غير قادر على تفعيل مبدآ ربط المسؤولية بالمحاسبة المنصوص عليه في الوثيقة الدستورية؟!…
لكن إن لم يكن بنكيران إنسانا ضعيفًــا في مُواجهـةِ المُفْسدين، فسيكون حَتْمــًا داهيــة من الدُهـــاة…
وهذا يدفعنا إلى التساؤل حول ما إذا كان اكتفاء بنكيران بإطلاق الاتهامات، دون ترتيب المتابعة القانونية، عملية مقصودة منه، يريد من خلالها توجيه رسالة للشعب مفادها أنه غير قادر على محاربة الفساد…
ألم يقل في البرلمان : “تطالبونني بمحاربة الفساد، رَآه الفساد هو من يحاربني “…
تصورا رئيس حكومة من حجم وقامة بنكيران، بسلطاته وصلاحياته، أصبح ضحية للفساد الذي قرر أن يشن عليه حربا طاحنة!!!…
إن الصورة التي يصر بنكيران على أن ينحتها في عقول المغاربة، بإصرار لا يفل، تدفعهم دفعا، شاؤوا أم أبوا، لأن يطرحوا سؤالا كبيرا وعريضا:
من يحم كل هذا الفساد المستشر بالبلاد، إذا كان بنكيران، وهو الرجل الثاني في هرم الدولة، يعترف بفشله وعجزه عن محاربته؟!…
منذ أن تحمل بنكيران مسؤولية رئاسة الحكومة صار يتقن لغة الابتزاز والتهديد والوعيد، و إرسال الرسائل المشفرة، لمن يعنيه الأمر، كلما شعر أنه غير قادر على تنفيذ مخططاته التي تخدم تنظيمه الحزبي ومطامحه السياسية، التي ليست بالضرورة في خدمة المصالح العليا للبلد، بل على العكس من ذلك تماما، هي في أغلبها متعارضة معها…
لاحظوا كيف يُغَيّـر بْنكيران أحكـامهُ من مُؤسسات البلاد و قـِواها السياسية، حسب طبيعة عـلاقته معهــا ، أو حَسَب ما سيَجنيه من مَكاسب سياسية و انتخـابيّة ، بالأمس القريب حينما كان حزب الاستقلال حليفا لبنكيران في الحكومة، كان حزبا وطنيا، مخلصا للوطن، ومنخرطا في محاربة الفساد، ثم تحول بين عشية وضحاها إلى حزب فاسد يقوده رئيس مشتبه في اغتنائه الغير مشروع…
بالأمس أيضا، كان حزب التجمع الوطني للأحرار حزبا ذيليا للبـام، ورئيسه مزوار مُتّهَـم بالحصولِ على بْـريمَـات غَيْر قانونية، لكن ما إن عوض حزب الاستقلال وأنقذ حكومة بنكيران من الانهيار، حتى تحول مزوار إلى مواطن صالح ونزيه، بل إن بنكيران قدم له الاعتذار، واصفا إياه بالشخصية المحترمة التي لم يكن يعرفها من قبل!…
يا سلام على الانْضباط لتعــاليم الإسلام السمحة، التي تنُصّ على نَبْـذ النّفــاق في المُعـــامــــلات!!.
من المؤكد أن رئيس الحكومة يُتقن لُعْبَة خَلْط الأوراق، فلكي يغطي على فشله في معالجة المشاكل التي يعانيها الشعب المقهور على أمره، تجده يلجأ إلى افتعال الصدام، وإلقاء التهم الثقيلة في وجه خصومه، مستغلا في ذلك مهارته الفائقة في انتهاج أسلوب الفرجة، والتهجم على الأحزاب السياسية، مستغلا في ذلك فشلها في تغيير الصورة التي ترسخت عنها لدى المواطن البسيط، الذي فقد ثقته فيها بسبب ما راكمته من أخطاء طيلة سنوات تدبيرها للشأن الحكومي…
لكن يبدو أن بنكيران لم يعد مكتفيا بأسلوبه الفرجوي و استهداف أحزاب المعارضة بنيران مدفعيته الثقيلة، بل انزلق إلى التلفظ بعبارات منتقاة من قاموس المراحيض، ولعل الجلسة الأخيرة بمجلس النواب خير دليل على قمة الإسفاف والانحدار التي غاص فيها السي بنكيران من قمة رأسه إلى أخمص قدميه…
كيف سمح بنكيران لنفسه، موجها كلامه لبرلمانية تنتمي لحزب معارض، أن يتلفظ بالعبارة التالية: “ديالي اللي كبير عليك“…
ما هاته الوضاعة في انتقاء الكلمات في قبة البرلمان، وفي مواجهة سيدة برلمانية بغض النظر عن الحزب الذي تنمي إليه؟…
بنكيران التقي الورع يعرف جيدا أن كلمة “ديالي” في الثقافة الشعبية تعني” ملكي وخاصتي” وتعني أيضا “العضو الذكري”، فلماذا تعمد انتقاء كلمة تحمل عدة دلالات في المخيال الشعبي؟؟؟…
بالله عليكم:
ألا يؤشر أسلوب بنكيران على انهيار قيمي وأخلاقي لدى من يفترض فيه أنه الرجل الثاني في هرم الدولة؟…
ألا يدفع ذلك إلى تكريس العزوف السياسي وفقدان الثقة في المؤسسات؟…
بنكيران يعلم جيّـدًا من هُم المستفيدون الحقيقيون حينَما يَفقد المواطن الثقة في السياسة وفـي الأحزاب و المُؤسسات.