قيام الليل
عن عبد الله بن عمر وبن العاص رضي الله عنه قال : قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم : «يا عبد الله لا تكن مثل فلان، كان يقوم الليل فترك قيام الليل» متفق عليه.
قيام الليل عمل جليل وعبادة عظيمة، ولقد مدح الله سبحانه وتعالى به عباده المؤمنين، فذكر سبحانه وتعالى من أخلاقهم الحميدة التي نالوا بها فضل الله؛ جنات النعيم لقيامهم الليل. لقد وصفهم الله سبحانه وتعالى، كونهم كانوا قليلا من الليل ما يهجعون وبالأسحارهم يستغفرون.
لقد أخفوا قيامهم في الليل، فأصبح قيامهم بينهم وبين ربهم، فـأتـاهُم الله تعالى التواب العظيم وهو، مالاعين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر.
كان رسول الله عليه الصلاة والسلام يقوم الليل ويحافظ على قيامه؛ يخبر الحبيب مصطفى عليه السلام أن قيامه بالليل شُكر لربه على نعمه العظيمة عليه؛ قــالت عــائشة رضي الله عنها: «كان رسول الله يقوم الليل حتى تفطرت قدماه، فسألته رضي الله عنها قائلة «أتفعل هذا وقد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر؟!»، فقال «ألا أكون عبدا شكورا؟!» إن شكر الله على نعمه تكون بالتقرب إلى الخالق بالفرائض والنوافل؛ كل عبد تصور نعم الله عليه، إلا وأصبح ينافس في صالح الأعمال.
أخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم «ما لقائم الليل في الجنة من نعيم المقيم»، فقال: «إن في الجنة غُرفًــا، يـُرى ظُهورها من بطونها، وبطونها من ظهورها» قـالــوا «لمن يا رسول الله؟» قال: «لمن أطاب الكلام وأطعم الطعام، وصلى بالليل والناس نيام».
المسلم في ليله، وفي تهجده يعبد ربه، و يشكو ذنبه، و مُناجيًـا ربه، فيسأله جنته ومغفرته ويستعيذ به من عذابه، ويرجو رحمته وفضله وإحسانه، يقوم من فراشه ومن لذيذ نومه ليقف بين يدي ربه في تلك اللحظات المباركة، حينما ينزل ربنا سبحانه وتعالى إلى سمائه الدنيا في ثلث الليل الأخير، فينادي: «هل من سائل فيعطى سؤله؟، هل من مستغفر فيغفرله؟، هل من داع فتجاب دعوته؟» أخي المسلم، إن في قيام الليل فرصة» لتسأل ربك وتشكو إليه حالك، وترجوه من فضله وتتوب إليه، وتسأله ما أحببت من خير الدنيا والآخرة، إنه يسأل كريما وقريبا مجيبا وغنيا حميدا، يحب من عباده أن يسألوه ويلتجئوا إليه، وقد وعدهم الإجابة فضلا منه وكرما «وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان فليستجيبوا لي وليومنوابي لعلهم يرشدون»
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن في الليل ساعة لا يوافقها رجل مسلم يسأل الله خيرا من أمر الدنيا والآخرة إلا أعطاه الله إياه، وذلك كل ليلة».
قيل لعبد الله بن مسعود: «ما نستطيع قيام الليل، قال: قيدتكم خطاياكم، لوصدقتم الله لأعانكم، ألم تسمعوا الله يقول: ولو أرادوا الخروج لأعدوا له عدة ولكن كره الله انبعـاثهـم فثَبطهم و قِيـلَ اقعـُدوا مـع القــاعدين» التــوبة آية 46.
قيام الليل نعمة يَمُن الـرّب الكـريـم بها على من يَشَاءُ من عِبادهِ ، فتجد ذلك القائم لهذا الوقت سُرورا وانبساطًـا و انْشِراح صَـدر وقرة عين، وهو قائم يتلو كتاب ربه ويتدبره، ويسبح الله ويحمده ويثني عليه، ويلجأ إليه، لا يعرف قدر هذه النعمة إلا من منح تلكم النعمة؛ فعلى كل مسلم يرجو رحمة ربه أن لا يفوت هذه النعمة ولو جزءا يسيرا.