وجاء منتدى مراكش ليفضحنا
قُبَيْل أيّـام استَضاف المَغْـرب -كـَوجهة ثــانية بعد البـَرازيل- المُنْتَدى العــالمي لحُقوق الإنسان، العــرس الحُقوقي العالمي.
لذلك حَجّتْ شُعوب الأرض مراكش الحمراء، وحضروا المنتدى، ولكن ماذا استفاد المغرب بعدا عن الجانب السياحي والاقتصادي ؟ ولن نتحدث عن الأخير بالضبط، بل سنتحدث عن حدث أخطر وأبرز، وهو الذي يكمن في دعوة أمازيغي خلال جلسة نقاش بالمنتدى إلى إبادة العرب من المغرب بالسلاح !
من هنا نستنتج أننا شعب عظيم صامت، كالأسد ساعة النوم، لا يسمع له عرين، لكن يخشى قربه، فلا ندري ماذا تحوي عقولنا ؟ إلا حين تفضحنا النقاشات والحوارات التي تضم أكثر من صوت، وأكثر من انتماء، وهنا أحاول وضع الدواء على موضع الداء، علني أن أسهم في نبذ هذه العنصرية الخبيثة.
المغاربة خليط من العرب والأمازيغ شئنا أو أبينا، فكم منا نحن المغاربة من له جد أمازيغي وجدة عربية، أو العكس. بمعنى أن الأمازيغ تزوجوا من العرب والعرب كذلك، إذ كانوا في تعايش كبير؛ فإذا نظرنا في التاريخ وجدنا طارق ابن زياد الأمازيغي -نور الله ضريحه- قاد الفتوحات تحت قيادة العرب، فلم يكن له أي إشكال !
صَحيح أنّ الغَــزْو الأوّل كـانَ لأطماع دنيوية (لنساء شمال أفريقيا، ودوابهم، وموادهم …) ولكن لا ننكر الفتح الذي رحب به أجدادنا، إذ كان حقا لله، وما كان لله دام واتصل، وما كان لغيره انقطع وانفصل.
نحـن (العرب+الأمازيغ) قوم يجمعنا التاريخ، والدين، والعلاقات … لم يكن لنا إشكال في التعايش والتواجد بجنب بعضنا البعض، بل العكس هو الصوابـ، إذ عشنا طوالا على قلب رجل واحد، سواء داخل الإسلام أو خارجه.
هنا أقول بأن الأغلب ممن يُشجّرون لأنسابهم هم على صواب وفي نفس الوقت على خطإ، إذ مثلا الحساني لو بحثنا عنه سنجده يعود للبصرة حسب السمعاني رحمه الله، كما أننا سنجد الثقافة الحسانية الأمازيغية بالصحراء المغربية، فلا يمكن الجزم بالانتساب لمنطقة دون أخرى.
من جهة التاريخ والدين، يحضرني هنا الحدث الكبير والموضوع التاريخي الشهير، وبالضبط لما صدر الظهير البربري العنصري الذي يفصل بين العرب والأمازيغ في التحاكم ما بين الكتاب والسنة للعرب، والعرف للأمازيغ؛ هنا لم يفكر الأمازيغ الحقيقيون الشرفاء برفع السلاح في وجه العرب بطردهم من المغرب، إيقانا منهم أن الأرض أرض الله، وكذلك العرب لم تأخذهم العزة بالإثم حتى يفخروا بذلك ويبيدوا الأمازيغ لموالاة الاستعمار، بل اعتكفوا بالمساجد والزوايا يرددون اللطيف:
اللهم إنا نسألك اللطف فيما جرت به المقادر، آخ بيننا وبين إخواننا البرابر
لنقف قليلا مع لفظة الأخوة وما لها من دلالات عميقة، حتى نستنتج قوة الدرجة التي وصل إليها المغاربة يومئذ، فهل عرب اليوم يمثلون عرب الأمس بصدق ؟ وهل أمازيغ اليوم يمثلون أمازيغ الأمس بحق ؟
وإذا كان يأيها الأمازيغي قد غزا العرب حقا بلادنا المغرب، فلماذا قبل أجدادنا الأمازيغ يومذاك البيعة، وحملوا الرايات والفتوحات، حتى تعمقوا بالجزيرة الإيبيرية، ولماذا ظل المغاربة يبايعون الشرفاء الذين قدموا من المشرق ؟
الحقيقة بعيدة كل البعد عن ما يصور للمجتمع اليوم، والتاريخ يشهد بصفته أفضل حكم، وكم من الأمازيغ اليوم من ينكرون انتسابهم لمثل هاته التيارات التي تقول معظم البحوث أنها تيارات مدفوعة، وممولة من الخارج، وفقط تستظل تحت مظلة الأمازيغية الشريفة ! ترى هل كان الشريف طارق ابن زياد سيقبل التطبيع مع إسرائيل الصهيونية التي أباها حتى غير المسلمين ؟
إن أجدادنا الأمازيغ رحمهم الله، أتوا الدين واستقبلوه من الباب الأوسع، والنظر الأحكم، باعتباره دين الله، لا دين عرب ولا محمد بن عبد الله، رأوه دين الله للعالمين، أكرم سلمان الفارسي الذي جاء مكة يباع ويشترى من بلاد لأخرى، وما بين راهب وآخر، حتى وصل رسول الله باحثا عن الحقيقة، فنال بذلك شرف “سلمان منا ءال البيت” والتي لم ينلها حتى شرفاء مكة وكبراؤها، ولحظوا كذلك إكرامه لصهيب الرومي رضي الله عن كل صحابة رسول الله؛ رأوه حقا انه دين ينكر القومية وكل الانتماءات، معيار الرفعة فيه هو التقوى لا غير، دين يؤسس للأمة ويستنكر كل الانتمائات القبلية: “دعوها فإنها منتنة”.
المغرب بلد الديانات والثقافات، بلد الحب والتسامح، بلد الوسطية والإحسان، وتربية المغاربة صوفية-سنية طاهرة، تقبل الجميع وتحترم الكل، اليهود المغاربة هم إخواننا في الوطن والإنسانية، وكل هاته الاختلافات ثراء للثقافة المغربية: عرب، أمازيغ، حسانيون، يهود … ثقافات كبيرة ثمينة، الوطن يحمي كل الشعائر الدينية والثقافات العالمية والمحلية.
كفى لغطا، كفى فرقة، كفى تشتتا، لنعش على الحب، التسامح، كي نسير بالوطن نحو مستقبل مشرق.
حلمي أن أرى وطني ليس كسائر الأوطان، أود أن أراه أجمل وأرقى، يعيش أبناؤه على الحب والمعرفة، يكرهون الإرهاب والتطرف، باختصار أودهم يموتون من أجل الوطن.