“المَخْزنْ المُروِّض”
دأبَ المُثقّفون اليَساريون و الدّيموقْراطيُونَ و رفَـاقهم العلْمانيونْ، منذُ أمـدٍ غيرَ قَصيـر ، على الجَهْر و الدُّعاء بفصلِ السياسة عن دهاليز الـدّيــن ، بلْ إنهُم أنكروا على هذا النّظــام، المعروف في معاجمهم بـاسم”المخزن”، احتمـاءه بالـدّين لضَمان شرعية مديدة العُمر نجح سابقًـا في بنـائهـا ، و رأوا على الأرجح، رفقة نظرائهم “الاسلاميين”، في الاستعمال “السُلْطاني” للأحكام الدّينية درعًا واقيًـا من نـائبات الزمن، بل إنّـهُ قــد يكون تعبيرًا عن واحِدة من صُور انْعـِدام “تكافُــؤ الفـرَص”، وفـقَ “الأدبيات” الجديدة الراغبة في التأطير و التنظير لممارسة سياسة رشيدة منصفة و راشدة عادلة.
في الأسبوع الماضي استقبلت مدينة مراكش العـالم عبر استضافــة أشغال الدورة الثانية للمنتدى العالمي لحُقوق الإنسان، و بحسب “الجهَـة الــراعية”، فـإنّ الأمْرَ يُشَكّل نوعًا من “المساهمة في انبثاق فضاء عــالمي للحوار بيـن الحُكومات و المُـؤسسات الــوطنية لحقوق الإنسان و المجتمع المدني” و هذا طبعًــا بهدف “تلبية تطلُعات الشعوب و تحقيق المُسَاواة و العَدالـة”.
لكن “المخزن” تعَرّض لـوابـلِ قصف،لأنه، بـرأي بعض المُنــاضلين، لا يستحق شرف رعاية منتدى بهذا الحجم من العالمية و الامتداد الدولي،و هكذا انتهت بعض الجمعيات إلى “المُقاطعة” و عدم المشاركة في إحيـاءِ هذه الاحتفالية الكبرى، و رغمَ هذه المُقاطعـة ، الّتـي أسس لهــا “أوطم” و جربها في امتحانات الجــامعة خلال ثمانينات القرن الماضي، فــإن ذلك لم يمنع “أطيافًـا” حُقوقية لامُتنـاهية من المُشَاركـة في”منتدى مراكش”، فمجرد المشاركة تعتبر في اعتقاد الكثير امتيازا سيُسجَّلُ بخط عريض في سير الأشخاص، معنويين كانوا أو منتمين لفصيلة “الكائنات الذاتية”.
المقاطعون، الذين لا يؤمنون بجدوى النظام ، عابوا على “المخزن السعيد” أن يكون الراعي “الأسمى” لهذا “النضال” ذي الأبعاد العالمية،و أعلنوا براءتهم من ذنب المشاركة، لكنهم في الوقت ذاته لم يقاوموا إغراء و جاذبية مراكش التي صنعتها استضافة المدينة للمنتدى الحقوقي و اختاروها لتكون الفضاء الأنسب للتعبير عن مواقف الرفض و التنديد بواقع حقوق الآدميين في بلد يحكمه “المخزن” .
المُشكلة الأبــرَز في هَـذا الْحَدَث المَوسوم بالعــالمية،ليسَ فـي “حِجية” المخزن أو في “نضالية” مُعارضيه بل تكمن في أن الجميع، مشاركين و مقاطعين، أبوا الاعتراف بأن هذ ا”المخزن” لا يعتبر مجرد راعٍ للحيــاة “الحقوقية” بالبلد و أنه تحـوّلَ إلى “مُدرب” لامــع ،بل نجمًـا فــي “الألعاب الحقوقية”.
من الواضح أن “المخزن” أو “النظــام”، كما ينعته مُعارضوهُ ، قــد أصبح يتوفر على فـريــق متكامل من “اللاعبين”،على شاكلة “المجلس الوطني”و قبله على صورة “هيئة مصالحاتية”، فكيف، و الحالة ما ذكر، أن يتردد معارضو النظام و المدافعون عن الحقوق البشرية في الاعتراف بذلك،و الاعتراف أيضا بأن “المخزن” أصبح مثل “الرجاء البيضاوي” ناديا عالميا عندما استضاف العالم للحديث عن حقوق الناس.
قد تكون مَطالب العلمانيين بخصوص ضَــرورة فصل الدين عن الدولة مطــالب معقولة و قــابلة للتحقيق على المدى البعيد، لكن المطلب الداعي إلى منع تــوظيف الدين في النِزالات السياسية يبدو مجرّد شِعــار عَبَثي للتــأثيث، والـدّليل على ذلك أن هذا الكـائـن الأسطوري المسمى ” مخزنًــا” استطاع بـ”عبقـريتهِ” أن ينتقل، بعد نـجاحه “الباهر” في “رعاية” منتدى مراكش، من مرحلة توظيف الدين و اعتماده ركنا داعما له، إلى مرحلة أكثر تقدما، فهو كما يبدو قد أفلح في إجراء “انتدابات” ناجحة في “الميركاتو” الخريفي و عزز بذلك فريقه بلاعب جديد و ماهر اسمه ” حقوق الإنسان”
أليس “المخزن” مُروّضًــا بــارعًــا؟
نَظَمَ أبـو العَتـاهية
بَكيتُ على الشَّبابِ بِدَمْعِ عَيْني….فَلمْ يُغْــــنِ البُكاءُ و لا النَّـحيبُ
فَيا أسفاً أسِفْتُ على شــــبــابٍ….نعاهُ الشَّيبُ و الرأسُ الخَضيبُ
عَريتُ مِنَ الشَّبابِ و كُنْتُ غَـضًّـا….كمَا يَعْرى مِنَ الـورَقِ القَــضيبُ
فَيا لَيْتَ الشـَّـــــبابَ يعودُ يَوْمـا…ً.فأُخْــــــــبِرَهُ بِمــا فَعَــلَ المَشيـبُ