في حفل تقديم وتوقيع كتاب «الإعلامي خالد مشبال الذي لم يفقد ظله» لمؤلفيه حسن بيريش وعبد الرزاق الصمدي، نظمته جريدة طنجة مساء الثلاثاء 20 ماي الجاري بفندق المنزه، شارك فيه إلى جانب المؤلفين كل من الإعلامي خالد مشبال والفنان التشكيلي العالمي أحمد بن يسف
وقد قدم هذا الأخير قراءة ملتمسا التحدث عن خالد مشبال من خارج الكتاب، قبل أن يتحدث عنه من داخل الكتاب، حيث أشار المتحدث في قاعة غاصة بالحضور إلى أن هذا الرجل هو قطعة أثرية نفيسة في تاريخنا الثقافي والإعلامي. إنه صوت المغرب الحداثي الجهير بامتياز، أو لنقل إنه أحد المهندسين الأوائل-البواسل للمغرب الحداثي، في مجال اعتباري بالغ الأهمية والحساسية، هو مجال الثقافة والإعلام .
كما ظل الرجل على مدى زمني شاسع يربو على نصف قرن كامل وحافل، شمعة متوقدة ومتجددة تنتر الضوء في العتمات، وتواجه الرياح والتقلبات. ظل شمعة تحترق لتضيء، وبدل أن يعلن الظلام وزبانية الظلام، كان دائما يشعل شمعة ويمضي في الطريق، وهذا هو السلاح القوي والبهي لخالد مشبال، أن يظل شمعة في قلب العاصفة. كما أضاف الدكتور العوفي أن خالد مشبال بقدرما كان رائدا إعلاميا على مستوى الأثير، عبر فتوحاته الرائعة في راديو أفريقيا وإذاعة طنجة والتلفزة المغربية كان رائدا ثقافيا أيضا على مستوى الكتابة والنشر، فأسس جرائد ومجلات سيارة، كمجلة (الموقف) و (الموقف الأسبوعي)، ثم جريدة (الشمال) الغراء، التي صارت قبلة للقراء والكتاب من شمال وجنوب، وسارت بذكرها الركبان.
كما أسس بضربة «معلم» باهرة سلسلة (شراع) الشهيرة، لتقريب الكتاب والكتاب من المواطن. وهاهوذا الجيل الجديد – يشيرالدكتور نجيب – من الإعلاميين والمبدعين ممثلا في حسن بيريش وعبد الرزاق الصمدي، يقدم مثالا جميلا ونبيلا على وفاء الخلف للسلف، من خلال إصدارهما الجديد -الممتع/«خالد مشبال/الإعلامي الذي لم يفقد ظله».
عنوان جامع مانع، يلخص لنا جوهر شخصية خالد مشبال، الإعلامي الصامد الذي يبقى على صبغته، لا يفقد ظله، هذا العنوان-يحيل العوفي- إلى رباعيات «فتحي غانم» الشهيرة ( الرجل الذي فقد ظله) التي كتبها خلال الفترة الناصرية عن فترة ما قبل الثورة، راصدا تقلبات وتحولات وانزلاقات بعض المثقفين، وهو الأمر الذي يحدث في كل زمان ومكان. ولعل المغرب الجديد – يوضح المتحدث- هو المسرح النموذجي للرجال الذين فقدوا ظلالهم وغيروا جلودهم، بين عشية وضحاها، عملا بالحكمة الميكيافيلية، الغاية تبرر الوسيلة والبس لكل حال لبوسها. لكن خالد مشبال، استثناء عن القاعدة، وطائر شارد عن السرب الأليف. هو دائما في (حالة شرود) من النمطي والمعهود.. فظل محتفظا بقامته وظله حتى الشوط الأخير. وليس ثمة أشواط أخيرة في مسيرة خالد، بل هو نضال دائم ومستمر. وأكد الدكتور نجيب أن العبور إلى داخل الكتاب، لايمكن أن يتم، دون الوقوف عند واجهة الكتاب التي يتصدرها بورتريه فني رائع لخالد مشبال، بريشة الفنان العالمي أحمد بن يسف، هو بحق ( من أجمل وأدق البورتريهات التي رسمها حتى الآن).
وقد كان المؤلفان، حسن بيريش وعبد الصمد الرزاق الصمدي، موفقين وثاقبين حين وضعا اليد في مقدمة الكتاب، على أهم مفاتيح-ومناقب شخصية خالد، وهي / مفتاح الانتماء – مفتاح الحرية – مفتاح التحدي – مفتاح المبادرة- مفتاح الإتقان – مفتاح التواضع… تأتي حلقات المذكرات الهاطلة بعدئذ، شواهد وقرائن على ذلك مشيرا إلى أن العمود الفقري لهذا الكتاب يتأسس على مذكرات خالد مشبال في جريدة (الإتحاد الاشتراكي) ذات رمضان فائت جميل. وقام الكاتبان حسن بيريش وعبد الرزاق الصمدي، بتنسيق وإعداد هذه المذكرات بضمير الغائب – البيوغرافي الذي يسمح بسيولة أكثر في الحديث. وكأننا هنا، إزاء الشيخ ومريديه.
الكتاب إذن، حفر ونبش في ذاكرة خالد الموشومة حسب عبارة عبد الكبير الخطيبي – يشير العوفي- أو هو سياحة تاريخية وثقافية سياسية رائعة في مسار حياة خالد بخاصة، وفي مسار المغرب بعامة، منذ خمسينيات القرن الماضي إلى الآن ، مضيفا أنه منذ مغامرة الرحلة – الأسطورية التي قام بها خالد إلى مصر، رفقة صديقه عبد القادر السباعي في صيف 1952، إلى طفولته السبعين، نسجا على العبارة الجميلة لمحمد الصباغ في سيرته الرائعة (الطفولة الستون) حيث ترصد وتتابع حلقات هذه المذكرات الموزعة إلى خمس وعشرين محطة، مغامرة خالد في معمعان الحياة، وتنقلاته وتقلباته في عالم الإعلام، بين طنجة والرباط ومدريد.. وتعرضه في غضون ذلك، وفي عقد داره ووطنه الذي تفانى والتوقيفات والإقامات الجبرية .. كل ذلك، والعزيمة لاتلين، والرجل لا يستكين. لكن، عبر رحلة المتاعب هذه، كان ثمة يد حانية ترعاه وتشد من أزره، ودفقة ضوء تنير حلكته، تلك هي رفيقة دربه، أمينة السوسي، التي لم ينس وهو في عرام مذكراته وهمومه الإعلامية، أن يرفع إليها باقة عرفان ووفاء، هي من أجمل ما قاله زوج في زوجته، والكتاب شاهد على ذلك.
ومما ختم به الدكتور نجيب العوفي أن هذا الكتاب مادة تاريخية وثقافية وإعلامية وفيرة ومثيرة، ما أحوج الأجيال الجديدة، من القراء والكتاب والمثقفين والإعلاميين والسياسيين، إلى قراءته والإنصات إليه، فلعل في ذلك، تذكرة لأولي الألباب.
م.إ