المفرد بصيغة الجمع …… سيدي محمد أديب الأندلسي السلاوي في ضيافة ladies circle
جريدة طنجة – لمياء السلاوي ( التطبيب بالمغرب (متابعة) )
الأربعاء 06 يناير 2016 – 18:28:49
ببيت الصحافة ، يوم الجمعة 15 يناير الجاري ، تمّ تكريم ملك القلم بامتياز، الأستاذ الأديب والصحافي والباحث والناقد، سيدي محمد أديب السلاوي .
في كلمة للفنان الكبير محمد حسن الجندي أبرز فيها مدى العلاقة الوطيدة التي تجمعه و الأديب، علاقة شخصية انسانية و أخرى مهنية عملية ، حيث ذكر أن الأستاذ سيدي محمد أديب السلاوي ينتمي إلى جيل له وزن فكري إعلامي رصين، رافقه في هذا الجيل كل أعلام المغرب ، أعلام صنعت المشهد الإعلامي الوطني، و أدت الثمن من أجل أن ينعم الحاضر في أجواء الحرية والاستقرار، حيث أشار إلى التوجه الفكري للكاتب والأديب محمد أديب السلاوي باعتباره أحد أقطاب الثقافة المغربية، والنموذج الفذ للشخصية المغربية التي أثرت في الفكر المغربي الحديث، وهو أيضا من أوائل المدافعين عن الهوية المغربية ومعلمة من معالم الفكر المغربي الأصيل،و كان له الفضل في تعريف دول الشرق العربي بالأدب المغربي بصفة عامة وبالمسرح المغربي بصفة عامة.
و تطرق محمد حسن الجندي في كلمته التي أثّرت في قلوب الحاضرين بدء بقوة صوته الجبار و ختما بطريقته اللبقة الراقية في مدح الأستاذ و مدح شريكة حياته “الحاجة زينب” زوجة العظيم ، إن نبوغ الزوج وتفوقه غالبًا ما يكون لأن وراءه زوجة تدفعه إلى ذلك وتعينه عليه، وفي المثل المتداول: “وراء كل رجل عظيم امرأة”، لا نغالي هنا إذا قلنا: “وراء كل رجل عظيم امرأة أعظم”!!
فالحاجة زينب تقوم بدور الجندي المجهول، هي التي تدفع زوجها دائمًا إلى الأمام لتحقيق النجاح، والوصول إلى الهدف المنشود، هي من توفر الجو الملائم و الحضن الدافئ لتنعش فكر زوجها المبدع و تجعل بيته جنة له و لبنات أفكاره، تستقبل كل محبيه و أصدقائه بصدر رحب ، تعمل على حفظ أرشيف زوجها و الاحتفاظ بكل قصاصة يذكر فيها اسم سيدي محمد أديب السلاوي ، هي الزوجة و الحبيبة و الصديقة و الأم، أنجبت و ربّت نعم التربية و لم تنسى للحظة أنها زوجة مبدع فنان، له مزاجه الخاص و قطوسه الخاصة، كانت و لا تزال دائما على يقظة، فطنة بكل ما يدور حول زوجها ، ساهرة دائما على راحته.
ولم تخرج شهادة الفنان المسرحي عبد الحق الزروالي عن هذا السياق، مع إضفاء الجانب الإنساني في شخصية المحتفى به، حيث يراه الزروالي “إنسانا بشوشا ساخرا من كل ما يتهافت عليه الآخرين، أعطى للوطن دون أن يأخذ شيئا، وأدى المهمة فوق ما كان يمكن أن تكون، ولهذا يحق له أن يعيش مرتاح الضمير”، فهو أيضا بحسب عبد الحق الزروالي “مثقف بارع وباحث متوقد ومفكر إنساني”.
و ألقى الفنان المسرحي عبد الحق الزروالي كلمة مؤثرة ندرج بعض خطوطها ……
لا يفوتني القول بأنني مررت بحالة صعبة و أنا أخطّ هذه الكلمات التي هيّأتها لهذه المناسبة…..
مكمن الصعوبة هو أن الأمر لا يتعلق بمجرد الرغبة في الكلام من أجل الكلام…. بل انها أشبه بحالة من يحاول أن يتخلص من ديون تراكمت عليه….
فعلا لكم هو صعب أن تتحدث عن الآخر … و كأنك تتحدث عن نفسك…….
أيها الأديب ..
هي الدنيا كما ترى ….حال و أحوال ……
فماذا عساني أقول ….
بعد يا شيخ المتصوفة .. يا بن عبد الجبار النفري …فعلا … لا خير في العطاء بعد السؤال….و أجمل الكلام ما لا يقال …..
أيها الشاهد ..
حين توصلت بالدعوة للمشاركة في هذا التكريم … شاورت قلبي ..عقلي..لساني..فلم أجد..ما يتعارض مع قناعتي بك …. لم أجد..
ما يشفع لي في الغياب أو يترك لي مجالا حتى للتردد … كيف لا و انت …
و انت الأديب ..الطيب..اللبيب..و الأريب ….
كيف لا …..
و أنت الأندلسي ..و لو..قدر المستطاع ….
كيف لا ….
و أنت الفاسي حتى …حتى النخاع….
كيف لا ….
و أنت السلاوي أيها الكاتب المغوار …
فقل لي بربك
أنكون اخوة حتى ….حتى في الجوار … في العشق .. في العناد.. في الاستنكار … في اليتم… بل و لربما حتى في الرضاع ……
كيف لا …. و لك في طنجة أعماق … أبعاد … و أسرار لاتداع….
أيها الأديب…. أيها المكرّم فينا …. و يا رمز هذه اللمة …. لك ما أ‘طاك الله من لمسة و بصمة و حكمة …. فابتسم كعادتك و لا تقلق…
و تذكّر ما قاله نزار …
بسعال اللون أختنق … و طعامي الحبر و الورق ….
أعرف أنه قد تشابهت علينا الأفكار … القيم …. المبادئ …. المسارات و لم نعد ندري….أيّها نصدّق..
و يبقى السؤال … أيكون ذنبنا أننا ولدنا الآن و هنا …. و هل هذا كل ما نستحق…
كلام كثير قيل و سيقال دائما عن الأديب سيدي محمد أديب السلاوي ….. حب و امتنان و مدح و ثناء أعرب عنه الحضور الكريم .. الدكتور عبد الكريم برشيد ، و الدكتور ندير عبد اللطيف و الدكتور الجيلالي الكدية و أسماء أخرى لامعة حضرت لتروي لنا بعضا من المواقف التي جمعتها و الأديب .
صحبة الكاتب سيدي محمد أديب السلاوي معناها معايشة ما يكتب بدهشة اللحظات،ومعايشة ما يقدم من جديد بعيدا وقريبا من هذه اللحظات،وهو فيما يقدمه للنقدين الأدبي والفني في المغرب يجعل كل بحث عنه محطة انطلاقة جديدة لعمله الصحافي،وليست نقطة وصول تختم النظر إلى هذه اللحظات.إن الصحبة معه كأديب،وصحافي،وباحث،وناقد،هي خير أنيس يكتشف فيها المتلقي أن أديب السلاوي محدّث، ومحاور،ومجادل بالتي هي أحسن.
عنده حين تكون المعرفة مدار المعرفة،وتكون الثقافة مدار الثقافة،وتكون الحقيقة مدار الحقيقة،ويكون الوطن نسغاً لهذه المدارات و يكون هو المصاحب الحقيقي لهذه الصحبة التي وضعت أساس العلاقة بينه وبين قضايا الثقافة ،والفن،والمجتمع،مبنية على تأسيس القول الذي يتمتع بكامل قواه العقلية،والفكرية،و الإنسانية لتقديم عمقه، وإنطاق عمق ما يقول،وتقديم عمق حديثه عن الكلام حول الزمن المغربي.
تظهر هذه المعرفة في ملفاته حول المسرح التي يقدم فيها خلاصة قراءاته لتاريخ وتجارب المسرح المغربي،ويقدم تجارب المسرحيين المغاربة ،ويقارب كل القضايا الفكرية التي ناقشها المسرح المغربي ،ونظّر لها، أهم هذه المؤلفات: (المسرح المغربي من أين إلى أين) الصادر عن وزارة الثقافة والإرشاد القومي بدمشق عام 1975 ،وكتاب (الاحتفالية في المسرح المغربي)الموسوعة الصغيرة بغداد 1981 وكتاب (المسرح المغربي البداية والامتداد)الصادر عن دار وليلي عام 1996 .
ويظهر تجريب القراءة النقدية والتأريخية للتجربة التشكيلية المغربية في كتاب (التشكيل المغربي بين التراث والمعاصرة) الصادر عن وزارة الثقافة و الإرشاد القومي بدمشق عام 1980 ،وكتاب (أعلام التشكيل العربي في المغرب)الصادر عن وزارة الثقافة والإعلام ببغداد عام 1982 ،وكتاب (التشكيل المغربي البحث عن الذات) الصادر عن دار مرسم الرباط سنة 2009
.
بهذه المصنفات ذات القيمة الرمزية ،والثقافية في الثقافة المغربية،صار محمد أديب السلاوي العارف المثقف بالقيمة المعرفية للكلمة،وصار المدرك لأسرار الكتابة ،ومهامها الإعلامية، والتوثيقية،وصار الخبير بكيفية إماطة الستائر عمّا تخفيه السرائر في جوف النصوص، المسرحية منها والتشكيلية والشعرية والروائية،وما يخفيه الواقع،وهو الصبور الذي يعرف أن بناء الحقائق،وإعادة تقديمها،وتتبع مواضيع الكتابة عن الثقافة المغربية، واقتفاء أثر السابقين من الباحثين والنقاد والدارسين والاختلاف عن اللاحقين من أجيال النقاد المعاصرين الحداثيين،لا يتيسّر إلا بركوب متعة البحث والكتابة،وعبور المعابر،والتأكد من المراجع والمصادر،وكأنه بإدراكه ومعرفته،يكون وكأنه في حالات مخاض بين ذاته الكاتبة التي تريد تأسيس تميز ما تستولد من مواضيع،وبين موضوع الكتابة،وما يريد أن يجعله في هذه العملية الكتابية في سياق العمل الصحافي خلاصا من حالات الركود،والتردد،والغموض،والخوف من الجهر بالحقيقة،والغموض،والتلاعب بالمفاهيم التي لا تؤدي إلى وضوح المفاهيم.
يظهر هذا أيضا في المصنفات التي اشتغل فيها سيدي محمد أديب السلاوي على موضوع السرد المغربي وهو يتناول المسألة الإبداعية المغربية من خلال جنس أدبي ،أو نوع أدبي خاص.ففي الشعر أنجز مقاربة نقدية مشتركة بينه وبين كل من أحمد المجاطي وإبراهيم الجمل ،تناولت في تجميعها لتجربة المعداوي الشعرية مسألة الأبنية الفنية والشعرية عند الشاعر في كتاب موسوم ب(ديوان المعداوي)الصادر بالدار البيضاء عام 1965،إضافة إلى مصنف آخر اشتغل على موضوع الشعر العربي تحت عنوان(الشعر المغربي مقاربة تاريخية 1930 1965 )،الصادر عن دار إفريقيا الشرق الدر البيضاء.أما في القصة والرواية فقدم تحليلا وافيا مستفيضا لعينات من هذا النتاج عنونه ب (تضاريس الزمن الإبداعي).
صحبة الأديب محمد أديب السلاوي في هذه الدراسات التي تمدّ علاقاتها مع المتلقي،هي المعنى الآخر للصحبة وهي تواكب الثقافة المغربية ،وتواكب العمل الصحافي المغربي الذي تربى وأينع عنده في أحضان الجرائد الوطنية ،العلم،والبيان،والتكتل الوطني،فنضجت بفضله كتابات،وأشرقت مواقف،وتكلمت إبداعات، وتأسس جدل،وسجال،وائتلاف،واختلاف،حول الاختيارات التي تحكمت في العلاقة بين السياسي والإعلامي من جهة والثقافي والاجتماعي من جهة ثانية وهو ما تبلور بوضوح في الكتابات التي تناولت العديد من القضايا الساخنة ،وفي العديد من الإشكالات التي اهتمت عنده بالمسألة الوطنية،وبمصير المغرب، حيث اهتم الباحث محمد أديب السلاوي بطرح العديد من الأسئلة التي أسس بها توجهه الوطني في عمله الصحافي وهو يقوم ببحوث تلامس قضايا الوطن،سيما في سنة 1997 التي عرفت نشر كتابه السياسي الهام المعنون ب (هل دقت ساعة الإصلاح؟)،وكتاب (المخدرات في المغرب وفي العالم)،وكتاب (الرشوة الأسئلة المعلقة) الصادر عام 1999 ،وكتاب (أطفال الفقر)الصادر عام 2000 ،وكتاب (الانتخابات في المغرب إلى أين؟)وكتاب (السلطة وتحديات التغيير)سنة 2002 ،وكتاب (المشهد الحزبي بالمغرب،قوة الانشطار)عام 2003 ،وكتاب (عندما يأتي الفساد) عام 2008 . وكتابه الأخير (السلطة المخزنية. تراكمات الأسئلة)، بهذه الكتب يمثل سيدي محمد أديب السلاوي جيل الصحافيين المغاربة الذين تشبعوا بالدور الذي تلعبه الصحافة،والعمل الصحفي في توسيع دائرة الاهتمام بالقضايا الوطنية إعلاميا، وتشبعوا بالقيم الوطنية، وراهنوا على ترويج الخطاب المؤسس للحقيقة في مجتمع مغربي كان ولا يزال متعطشا للحقيقة،ومتعطشا لتأصيل ثقافة الحوار، والمبادرة،وخلق ثقافة إعلامية تنتمي بمواضيعها ،وبأسئلتها، وببحوثها، و بأجوبتها الممكنة إلى المغرب، والتعريف بالمغرب بما هو عليه ثقافيا،واجتماعيا، وسياسيا، تطويرا لحوار إعلامي وطني يشكل لونا من ألوان الإصرار على تثبيت دعائم حقيقة الهوية،وحقيقة الأصالة والحداثة.
كتابات محمد أديب السلاوي بكل معاني العمل الصحافي،والبحث،والكتابة تبقى إبحارا معرفيا في حبر الاختلاف،ويبقى كلامه يجوب في كل مصنفاته عوالم بحر الحقيقة المحملة بقوة وعمق ورؤية الأشياء بمواضيع محملة بدلالات المغرب،بعيدا عن الإغراء الحضاري المزيّف،وبعيدا عن الكلام الذي يفقد قوة الكلام حين يتخلى عن الدور الحقيقي للصحافة،كتابات لا تزيح بصرها عن المغرب،ولا تنفصل عن سؤال الكائن والذي ينبغي أن يكون ،ويتحقّق،لأنها تفضل الإصغاء إلى كلام الواقع.
يكتب محمد أديب السلاوي بأسلوبه الصحافي الممتع انطباعات يحولها إلى مواضيع ،ويحول المواضيع إلى بحوث،ويحوّل البحوث إلى طروحات غير عصية على الإدراك،لأن دلالاتها غير مبهمة حين ترصد حركية المشهد الثقافي المغربي،وتتعرض للقضايا المغربية الحساسة التي تتعلق بالفساد السياسي،وإرهاب السلطة،وتاريخ الأحزاب السياسية،إنه فيما يكتب نجده محللا سياسيا،ونجده كاتبا اجتماعيا،ونجده ناقدا أدبيا يملك القدرة على قراءة الظواهر ،وله القدرة على التوثيق،وله القدرة على بناء الخطابات التي تدافع عن حرية الرأي، بمواقف تنافح على حرية الصحافة،وتتصدى بجرأة للقضايا المسكوت عنها في الكتابات الصحافية السريعة.
بهذا صارت كتاباته،ذاكرة الثقافة المغربية،وذاكرة العديد من القضايا السياسية،في أزمنتها المتواترة،وخصوصياتها ، ومعالمها نضجت من ممارسة الفعل الصحافي باقتدار،بعد أن نذر اهتمامه، وحياته، وحبره، لتحصين المعاني الحضارية التي كانت تراهن عليها الحركة الوطنية المغربية،ويراهن عليها الإعلام المغربي،والصحافة المغربية، لتحصين الصحافة من كل المعاني النخرة،والارتقاء بالكتابة إلى بنائها المكتمل بالبحث والتوثيق،وصياغتها التامة،إنه فيما يكتب صار مؤرخا في المسرح حين يتحدث عن المسرح المغربي من البداية إلى الامتداد،يحقّب ما يجب تحقيبه،وفي التشكيل يجلي أهم تجارب التشكيليين وتجاربهم،وفي السياسة وقضايا المجتمع صار في كتاباته صوت المغرب خارج المغرب.
في كتاباته هو مغربي بصيغة العروبة، فهو عربي بصيغة الأصالة،وهو موثق بصيغة الموثق الذي يعود إلى المراجع لدعم رأي أو قضية،ويعود إلى الإحالات توثيقا لما يجب توثيقة والوثوق به،،في كتاباته أيضا هو مؤمن بالتعدد الثقافي بقدر إيمانه بالهوية الوطنية المغربية،فنسيج نصوصه تكونه إحالاته المتعددة على ثقافاته المتعدّدة،والمختلفة،بها يشخص حدود آفاق عمله، فيعتز بالتاريخ،وبالثقافة،وبالتصوف،وبالثقافة المغربية ،ويهتم اهتماما خاصا بحاضر وبمستقبل المغرب.
فشكرا للجمعية التي عملت على تكريم هذا الرجل العظيم ، الجمعية الهادفة التي ترمي الى أعمال خيرية غير ربحية، تعمل تحت شعار الصداقة والتكافل، وتفسح فضاء عضويتها للنساء الشابات النشيطات الملتزمات، وتطمح أن تكون عاملا فعالا في المجالات الحقوقية والثقافية والاجتماعية بالمغرب وبالعالم، إلى جانب باقي مكونات المجتمع المدني.
حفظك الله لنا سيّدي “محمد أديب السلاوي” و أطال الله في عمرك و بارك الله لنا فيك