خواطر من وحي السنة الماضية
جريدة طنجة – عزيز كنوني ( العمود الرئيسي )
الجمعة 08 يناير 2016 – 20:19:03
وحتى لا تغيب تلك الصورة البشعة المشينة عن ناظري، استخرجت منها نسخا ، وضعت إحداها على مكتبي وأرسلت بعضها لمن أحب، تضامنا مع ذلك المواطن الذي لا أعرفه، ولكنني أشعر أنه قريب مني، بل أنني “متواطئ” معه نوعا ما، في مشروع وطني عظيم، ألا وهو التنديد بالظلم والاستبداد والحكرة !….
أعترف أن تلك الصورة غيرت الكثير من مفاهيمي بخصوص تطور الوضع الحقوقي ببلدي، بل ورسختني فيما دفعتني تلك الصورة إلى استخلاصه من أفكار وعبر.
ووجدتني أقوم بمراجعة العديد من أفكاري السابقة حول حقوق الإنسان بالمغرب ، وبقراءة جديدة للخطاب الرسمي بهذا الخصوص ، وما نسمع من شعارات ترددها أبواق معلومة ، تمجد السياسة الحقوقية بالمغرب وتفاخر بما تحصل من منجزات في هذا المضمار .
ووجدتني ، في لحظة ، أستعرض في ذاكرتي، آلاف الصور لمشاهد التعنيف الشديد الذي تواجه بها احتجاجات المواطنين في كل مكان، ومنظر الدماء تسيل من رؤوس تعرضت لـ “عملية إنزال شديد” للهراوات، وحالات إغماء وسط النساء، ولن أنسي ما حييت ، صورة تلك المرأة وقد طرحت أرضا، ووضع رجل من القوات العمومية حذاءه على رأسها في عملية تهديد ظاهرة….مشاهد تحز في النفس وتذكر الغافلين بالخطوط الحمراء الثلاثة : النار ، والبحر، والسلطة !!!….
ووجدتني أنزل بعض الخواطر في مذكرتي أن حقوق الانسان لا تحصل حمايتها بترسانات من القوانين والمراسيم فحسب، على أهميتها ومكانتها في المنظومة الحقوقية بوصف عام، ولكن بالممارسة اليومية، خاصة داخل الدوائر الحكومية وصناع القرار والمدبرين للشأن العام، في علاقاتهم مع المواطنين الذين “يجب” أن يحاطوا بما “يجب” في حقهم من التوقير والاحترام، لأنهم في نهاية المطاف، أصحاب رأس المال، والباقي…أجراء، في مزرعة الشعب !!!…..
ثورةُ الشّموع
تساءلت، أين أضع “حراك” أهالي طنجة، طلبا للقصاص من شركة “أجنبية” رغم أنف بعض المسؤولين، لا تحترم التزاماتها فيما وكل إليها أمر تدبيره من شؤون عامة ترتبط بالماء والكهرباء.
نزول الآلاف من المواطنين إلى الشارع، بين ليلة وأخرى، وبدون مقدمات ، أمر مثير للاستغراب في بلد لا يتساهل مع هواة النزول إلى الشارع والتظاهر على الطرقات العمومية….
ومن العجب أيضا أن محركي تلك الاحتجاجات نزلوا من أحياء هامشية ألصقت بها، ومنذ القديم، شبهة الفوضى والغوغائية، وقادوا الحراك إلى وسط المدينة، وإلى ساحة الأمم، مرورا بالأحياء الراقية، والأحياء التجارية، دون أن يصدر منهم ما يوحي بوجود نية في الفوضى والشغب.
والمثير أيضا للإعجاب، أن جموع الشعب بالآلاف، تحركت من كل أركان المدينة، دون تأطير حزبي أو سياسي أو نقابي …..ما يوحي بأن أهالي طنجة “خرجوا عن سيطرة الهيئات السياسية والنقابية، القديم منها والجديد، وبأن “رسالة” على الأنترنيت، من يضع كلمات، قادرة على الإتيان بالمعجزات !!!…
أليس في هذا ما يبرر خوف الحكام الفاشلين من الصحافة، وما يدفعهم إلى اختراع “الحبائل” لتكميمها أو بــ”تصفيتها”تحت وزر أحكام ثقيلة بالسجن والغرامات ؟
إنها الكلمة. تحيى الكلمة !
ومما يثير العجب كذلك، اهتداء المواطنين إلى طريقة فريدة وغير مسبوقة للاحتجاج، بإشعال الشموع وإطفاء مصابيح الانارة العمومية. وفي ذلك إدانة صريحة للدولة والحكومة بكامل مؤسساتها وللمجالس المنتخبة بسبب تهاون الجميع في حل مشكل اجتماعي بالأساس، يمس قدرات الشعب المعاشية، على ضعفها وهشاشتها بالنسبة للغالبية العظمى من الشعب. أما الذين لا يدفعون ، أو تدفع الدولة عنهم، من جيوبنا طبعا، فهم “لا يحزنون” !….
وقد اختلف المتتبعون من داخل المنابر الاعلامية وطنية ودولية، في تسمية “غضب” أهل طنجة ، فمنهم من اختار “الحركة” ومنهم من فضل “الحراك” وغيرهم آثر “الإنتفاضة” ولكن الكثيرين رأو أن الإسم الأنسب لتظاهرات أهل طنجة هو “ثورة الشموع”, وبهذا الإسم تحدثت عنها معظم المنابر الوطنية والأجنبية أيضا.، شأن القناة التللفيزيونية الصينية CCTV والمجلة الفرنسية الذائعة الصيت Jeune Afrique في أحد أعداد نوفمبر الماضي، وبهذه التسمية أيضا، شكل مغاربة العالم في فرنسا “ائتلافا من أجل دعم “ثورة الشموع” بطنجة بهدف إيصال صوتها إلى أسماع الرأي العام الفرنسي.
ثورة الشموع هذه كانت مرشحة للمزيج من الانتشار عبر وسائل الإعلام الدولية لولا “حلول آخر ساعة” “الترقيعية” التي “أجلت ” المشكل ولم تضع له حلا مرض لأصحاب الثورة !!!…..
زُوج فْرَنك
كثيرون هم من وضعوا قضية “زوج فرنك” في خانة “زلات اللسان” التي يسقط فيها وزراء حكومة بنكيران، حتى لا يمتد بنا البحث إلى الحكومات الإثنتين والثلاثين منذ المبارك البكاي إلى الأبرك عبد الإله بنكيران ا. أليس هم من أقر بعظمة لسانه وفي اكثر من مناسبة بأن “هذه الحكومة” حكومة مباركة، ونضيف نحن بأن بركتها تجلت في تراجع فاتورة المحروقات، ومباشرة الإصلاح الشامل الذي عم بسببه الخير والرخاء والبركات ، عموم الشعب، ولا حول ولا قوة إلا بالله.
“زلات” الوزراء كثيرا ما تبعث على السخرية لدى الرأي العام وتكشف الكثير من “خبايا” الطباع و”النضج” السياسي لدى كبار المسؤولين العموميين. فمن بنكيران في “ديالي اكبر من ديالك” إلى شرفات أفيلال في “زوج فرنك”، مرورا بالوفا في “والله أوباما بباه”، و “المدير وصاحبته”، وحكيمة الحايطي التي ادعت أنها تشتغل 22 ساعة، أي أنها “لاتنام”، وعبد السلام الصديقي الذي ادعى أنه كان في الماضي يسرح الغنم والماعز بجبال الريف إلى أن أصبح يسرح البشر ، يعني نحن المواطنين. ووزير التعليم بلمختار الذي صرح لقناة تليفزيونية فرنسية بأنه ” لا يعرف العربية” ووزير “التفعفيعة” في تعليقه عن مباحثاته مع نظيرته السويدية….وغير هذا كثير.
إلا أن تصريح شرفات أفيلال، التقدمية، ــ ياحسرة ! ــ أزعج الكثيرين، بل واستفز المواطنين لأنه عاكس مطالبهم بإلغاء تقاعد البرلمانيين، على حساب أموال الشعب. زوج فرنك هذه أصبحت “مسخرة” لذي الخاص والعام، لأن فيها استخفاف بقدرات المغاربة على الفهم والتقييم، إذ لا يعقل أن يقارن معاش بثمانية آلاف درهم، يدفع الشعب نصفه ، بزوج فرنك. ولو من باب المزاح.
ولو أن الوزيرة التطوانية تراجعت واعتذرت وسحبت، كما فعل زملاؤها السالف ذكرهم ، بعد أصرارهم على تأكيد أن كلامهم فهم “خارج سياقه”، فإن “زوج فرنك” هذه دخلت السيرة الذاتية للوزيرة الشابة، كما أضيفت إلى معجم حكومة بنكيران، سواء الأولى أو الثانية، جعلها الله “حد البأس”.