“الإنسان داعش لأخيه الإنسان”
جريدة طنجة – محمد العطلاتي (أقلام)
الخميس 26 نوفمبر 2015 – 11:07:36
و مع تطـــور الكـائن البشــري، من خـلال مـراحل تاريخية متعاقبة، ابتدع هذا الحيوان الناطق لنفسه، في مواجـهة واقــع التّقتيل المعيش، حيلة لإبقاء الضّحايا أحياء بعد تصفيتهم و إقبــــار جُثــــثهم، وهكذا اعتاد أهالي القتلى و أقـــــاربهم، بعد كل مرسوم من مراسيم الدَّفْن، الإعلان أمام الجُمهــــــور أن القتيل لم يمت حقيقة، بل هو حي لكن”في قلوبنــــا”، وليس في مكان آخر؛ ومع تــوالي الأيــام آمــن الإنسان بهذه “الحيلة البسيكولوجية” و اعتقد فيها بشكل راسخ، فقد ألفى فيها ضالته المنشودة : الحياة الأبدية.
في نهاية الأسبوع المنصرم اهتزت عــــاصمة بلاد الأنوار بفعل تفجيرات مدوية هدت أركان قوس النّصر، وجرت معها إلى المقابر عشرات الضحايا، فالإنسان قد وفّرَ لنفسهِ أسلحة فعــّالة و فتّــاكـــة تغنيه من مشقَّة حَمْل السّيُوف و الرِّماح و التسربل بالدّروع مقابل “حصيلة ضئيلة” و “مـــردود هزيــــل” إذ صار يكفيه التمنطق بحِزام ظريف و خفَيف، و الاندساس وسط جمع من اللّفيف، و بضغطة أصبع على زر واحد ينتقل “الإنسان” و من ساقه سُوء حضه إلى دار الخلود و البقاء.
في حديث بمقهى شعبية، تبادلت أطرافه مع أحد بائعي “المنشطات” حول حادث باريس ” نبهت” محاوري، على سبيل الدعـــابة، أن مرتكبي هذا العمل إنما قاموا بفعلتهم “ابتغـــــاء وجه الله” قبل أن أضيف أنهم فضلا عن ذلك فإنهم يبتغون الالتحـــاق بــــالدار الآخرة مع “الشهداء و الصديقين” في أعلى جنّـــات النّعيــم، لكن “سي عبســرام” أجابني ساخرا و هو يقول :لو كان الأمر ينتهي بهذه النتيجة ،أي الجنّة، لبــــادر جميعنا إلى الاقتداء بهؤلاء و اقتفاء أثر أشلائهم للحـــــاق بهم بالفردوس الأعلى حيث “الحور العين و ما لذ و طاب من المأكل و المشرب.
لقد انتهيت، بعد هذا “النقــــاش”، إلى حقيقة بالية مضمونها أن الإنسان يحب الحياة و يكره الممات، لكني اكتشفت أيضا أن هذا الكائن “العـــــاشق” للحياة مستعد تمام الاستعداد لقتل نفسه و جموعا غفيرة من بني جلدته للظفر بــــالحياة الأبدية و الحور العين الفتية ممن لم يمسسهن إنس من قبل و لا جان.
قبل عقود مضت، وصف الانجليزي توماس هوبز الإنسان بكونه ذئبــــا لأخيه الإنسان، و الحقيقة أنه لو أتيح لهذا الفيلسوف أن يحْيَا مرّة أخرى و يُعاين ما يجري الآن من أعمال يصفها أصحابها بأنها “استشهادية” لبدل مَقولته و لوظف كائنا آخر غير الذئب، فهذا المخلوق لا يقتل نفسه و لا إخوانه، بل يقتل فقط حينما تفرغ معدته من الطعام، أما الآدمي فيقتل من بني آدم أكثر مما يقتل من الجرذان و الدواجن، بل إنه لا يتردد في قتل نفسه أيضا في سبيل الاستمتاع بالحياة الأبدية و الحسنوات البهية!
لو علم “هوبز” بقيام الدولة الاسلامية في العراق و الشام، لعدل أركان “نظريته” حول علاقة الذئب بالإنسان، ليس بداعي الفوارق البيولوجية فحسب، بل بسبب اختلاف معتقدات كلا الجنسين، فالذئب علماني ملحد بطبيعته، أما الإنسان فهو مؤمن بالحياة الأخرى، بل إنه لا يعد الحياة الدنيا غير ممر إجباري نحو الخلود حيث ينتهي القتل بانتهاء موضوعه : “اليهود و النصارى و عامة الكفرة”، فمصير هؤلاء سيكون هو جهنم خالدين فيها أبدا.
أليس الأجدر بطوماس هوبز، غفر الله له و لنا، إذا ما أطل على زمننا هذا أن يقول، “الإنسان داعش لأخيه الإنسان” ؟ .
_____________
بقلم : محمد العطلاتي