الياس العماري .. حياته في سطور.. من بائع للخضراوات إلى رئيس لجهة طنجة-تطوان-الحسيمة
جريدة طنجة – لمياء السلاوي (.الياس العماري.)
الثلاثاء 29 شتنبر 2015 – 10:48:21
كان للجغرافيا دَوْر حــاسم في كِتـابة الـتّـاريخ الذي صَنعهُ هَذا الرّجُــل لنفسه،دُونَ أن نغفل جـــانبي الصدفة و الحظ اللّــذان لازَمــاهُ طيلَةَ مشواره السياسي،حتى أجمع الكل أن شخصية إلياس العماري لا تتكرر في الزمان مرتين، هو الذي كان طموحه في صباه لا يتجاوز أن يصبح يوما مجرد دركي ببذلة زرقاء داكنة و مسدس في جيبه، في إشارة واضحة لحبه و ميوله للسلطة منذ نعومة أظافره، فحلمه لم يكن بريئا أبدا وافتتانه بـ”الجدارمية” هو محصلة مجموعة من التراكمات في لاوعي هذا الطفل الصغير، أنتجها العنف الرمزي و المادي الذي كان يمارسه جهاز الدرك الذي يخشاه سكان القرى و المداشر أكثر مما يخشون الله، وهو تكريس لسلوكيات مازالت موشومة إلى حد الآن بالذاكرة الجماعية للمغاربة و أهل الريف بالخصوص. فبدأت أحلام هذا الفتى تكبر يوما بعد يوم،حتى تأتى له أن يحيط بالسلطة من جميع جوانبها و أن يجمع ما لم يجمع لأحد من قبله، فوصف على أنه مفرد في صيغة الجمع، لاسيما و أنه شق طريقه بعصامية قل نظيرها في وقتنا الحالي فاقتحم عالم السياسة والديبلوماسية و الإعلام والمال و الأعمال و الرياضة،فكان حيث ما مر يترك توقيعه و بصمته و يخلفأعداء أكثر مما يكسب أصدقاء.
بعد انقطاعه عن الدِّراسة في المَرْحَلــة الإعدادية أضحى يَحْملُ وزْرًا كَبيرًا على أكْتــافهِ، فسعى إلي تكوين نفسه بعصامية بعيدا عن حجرات الدرس، فكانت هجرته إلي الرباط وارتماؤه بين أحضان الطلبة القاعديين بادرة خير عليه، فقد استلهم منهم الكثير فتعلم على أيديهم أول أبجديات الماركسية اللنينية، ظل متنقلا من قلعة إلى أخرى بين قلاع الماركسية في المغرب من الرباط الى فاس فوجدة، لا تحركه إلا الأفكار و المبادئ التي آمن بها غير متردد في نصرة رفاقه في كل ربوع المغرب كلما تطلب منه الأمر ذلك، كان دائم الحرص على حضور مؤتمراتهم و أمسياتهم و حلقياتهم متنقلا من أقصى المغرب إلي أدناه، حتى ولو كلفه ذلك المبيت في العراء ،أو في غرفة مكدسة بالرفاق بعضهم فوق بعض. تشبع بالفكر الاشتراكي اليساري حتى اختلط بكريات دمه ،فاستمر على هذا الحال عقدا من الزمن، عانى خلالها من البؤس و الفقر و قصر ذات اليد، كان بالكاد يجني قوت يومه كبائع للخضروات بـحي “القامرة” الشعبي.
ذات صباح أدرك أن جدار برلين سقط منذ زمن، و اكتشف أن الاشتراكية مجرد تجربة سوفياتية فاشلة تجاوزها التاريخ فأدرك أن الرأسمالية هي نهاية التاريخ، كانت القطيعة مع أيدولوجية اليسار التي لم تجلب عليه إلا الويلات و الإحباط و اليأس و الهزيمة ،فما حاجته إلى كل هذ اللغط الفكري، و أفكار شيوعية مثالية لم تطبق يوما في العالم و لن يتأتى لها أن تطبق أبد الدهر ،أحرق كل كتب ماركس ولنين و رمى ما تبقى منها في واد النكور، و مزق كل صورهم التي كان يعلقها على جدران بيته و كذلك البيانات التي كان يصدرها هو و رفاقه والتي تجاوز عددها الألف دون أن تحسن من وضعيته قيد أنملة ،فمزقها جميعها في تأكيد على نهاية مرحلة لم يعد يهمه أرشيفها كسر المنجل بالمطرقة ورمى الاثنين في سلة المهملات بكل ما يحملانه من رمزية اشتراكية و يسارية، في رسالة مفادها أن المكان الطبيعي للاشتراكية هو مزبلة التاريخ، و استبدل معطف لينين الرث وقميص غيفارا الذي كان يلبسه بمناسبة ومن دون مناسبة وقبعة تروتسكي والكوفية ،ببذلة زرقاء أنيقة من نوع ” زارا ” بكل ماتحمله من دلالات بورجوازية ووضع ربطة عنق حمراء نكاية برفاقه اللذين مازالوا على عهد ماركس ولينين ،و استبدل حذاءه المثقوب تحت قدميه من كثرة ما كابد في الحياة، بآخر جديد فقط تلميعه يكلفه مايعادل أجرة يوم عامل بسيط، و انتقل من حي القامرة الشعبي إلى فيلا فخمة بحي الرياض إلى جانب الألبة و علية القوم بعيدا عن الضجيج، فاشترى لنفسه سيارة فخمة حتى تكتمل صورة انتقاله الطبقي بعد ان كان يتنقل بين أحياء الرباط “سالت” في الطوبيس قبل أن ينعم الله عليه.
تفطن إلياس العماري باكرا إلى أهمية العمل الجمعوي فأسس أسطولا من الجمعيات تنشط في جميع الميادين و المجالات منها ماهو اجتماعي، انساني، سياسي، رياضي و فني، و وثقافي .. متادخلة بعضها مع بعض تتوزع مابين الرباط و طنجة و الريف و تحمل كلها بصمة إلياس العماري فجعل منها اداة يتقرب بها من الساكنة و في نفس الوقت جواز مرور لدى .الجهات العليا في البلاد ..
على سبيل المثال لا الحصر نورد هنا بعضا من جوانب هذا : الاسطول الذي لا يتسع المقام لسرده كله:
جمعية ” اريد ” و هي جمعية ناشطة بالعاصمة الرباط جمعية مستقلة ذاتيا و بميزانية ضخمة تجمع مختلف نخب الريف بالرباط ،جمعية الصداقة بين الشعوب او جمعية العمل الديبلوماسي السري او جمعية الظل للأجهزة و هو مايكتنفه غموض تام من مصادر تمويلها حيث ارتبط اسم الرجل بكبار الساسة في العالم و بالخصوص أمريكااللاتنية، و كاتالونيا و لقبايل في الجزائر.
جمعية ” ثويزا “التي أنشئت في طنجة لاحتواءأمازيغ المدينة وخاصة الريفيون منهم ذوو الرساميل الكبيرة ، وفي الريف انشأ جمعية ضحايا الغازات السامة وهي التي اثارت جدلا واسعا تجاوز الحدود المغربية الى الجارة الاسبانية و التي انقسمت حولها الى مؤيد و معارض بما يخدم اجندتها الانتخابية مما اوشك على تشكيل ازمة ديبلوماسية بين المغرب و اسبانيا كادت أن تعصف بجمعيته، ليصبح بذلك الناطق الرسمي باسم مطالب الجمعية، وعلى رأسها مطالبة الحكومة الاسبانية بالاعتراف الرسمي بجرائمها بالريف و التعويض عن الأضرار التي لحقتها جراء استعمالها لغاز الخرذل المحرم استعماله دوليا، و حتى يكسب ود اسبانيا من جهة اخرى انشأ جمعية تعنى بالذاكرة المشتركة و المستقبل لكل من اسبانيا و المغرب.
وبعيدا عن السياسة انشأ مؤسسة مهرجان الحسيمة المتوسطي فجلب له فنانين كبارو غزا عالم الرياضة وهو الذي لم يكن يوما لا لاعبا و لا مدربا و لا حتى مشجعا فتولى رئاسة فريق شباب الريف الحسيمي استطاع خلالها الفريق التحول من مجرد فريق مغمور يلعب في أسفل درجات الهواة الى فريق بالقسم الممتاز ينافس الكبار، فأغدق عليه بدعم مادي لم يتوفر لأشهر الأندية، و بحث له عن مصادر تمويل تضمن له الاستمرارية فتعاقد مع شركات العقار العمران والاتصال و صناعة الأغذية لاحتضان الفريق مقابل الاشهار .
إشعاعه لم يقتصر على ما هو وطني بل تعداه إلى ماهو دولي حيث اقتحم حقلا ظل طيلة عقود حكرا على آل الفاسي، انه حقل الديبلوماسية الموازية، و صار الياس بمثابة كريستوف كولومبوس الذي أعاد اكتشاف أمريكا الجنوبية التي ظلت علاقة المغرب مع هذه الدول جد محتشمة ،ربما ماضيه اليساري ومعرفته بأدبيات حكمها الشمولي هو ما ساعد الياس على اختراق هذه القلاع، ففتح معها حوارا ذو شجون لثني هاته الدول عن الاعتراف بالبوليزاريو،كذلك حرك أسطوله لكاطالونيا في اطار نفس المهمة وما ساعده اكثر في هذه الفتوحات هي جمعية الصداقة بين الشعوب التي استطاع من خلالها اقتحام الجزائر من بابها الخلفي .عبر حكومة لقبايل، ليردلها الصاع صاعين نتيجة تأييدها للبوليزاريو
قرب الرجل من القصر و حميميته مع كبار رجال السلطة جعلت منه رجلا فوق العادة،شن حربا ضروسا بلا هوادة مع كل من يختلف معه او يجرؤعلى انتقاده مستغلا جهاز القضاء الذي لا يعصي له أمرا، في تصفية حسابات خصومه السياسيين، صراعاته تطول و لا تقصرسواء مع أبناء منطقته “الريف” او مع بقية الاحزاب الاخرى، فكان أول ضحاياه مصطفى المنصوري، ابن منطقته الريف الذي أبى أن يذوب في حزب البام ويسخر حزب الأحرار في خدمة مشروعهم الحزبي،فكان له أن دفع ثمن عناده غاليا ليجرد من رئاسة حزب الحمامة لفائدة مزوارو من رئاسة البرلمان فكان بذلك عبرة لكل من سولت له نفسه أن يعصي لهذا الوافد الجديد أمرا.
دخل في مناوشات مع نجيب الوزاني رئيس حزب العهد الذي كان من بين المؤسسين لحزب الاصالة و المعاصرة، والذي تفطن باكرا لما يطبخه الياس في الخفاء ليفر بجلده و يعاود تأسيس حزبه “العهد” ليصبح هذه المرة عهدا ديموقراطيا بعد أن كان مجرد عهد…. ، تواصلت الشتائم و الاتهامات بين رفيقي الأمس أعداء اليوم، فاتهم الياس نجيب الوزاني بالوقوف وراء تشويه صورته لدى الراي العام و أن الشعارات التي ترفع ضده في مظاهرات 20 فبراير، ترفعها جهات محسوبة على نجيب الوزاني، الذي بدوره يحاول في كل مناسبة أتيحت له التحذير من هول هذا التسونامي الذي يأتي على الاخضر و اليابس، والحرب بين الرجلين مفتوحة على مصراعيها بلغت ذروتها مع قرب الاستحقاقات الانتخابية والتي سعي من خلالها الياس بسط نفوذه على المنطقة المستعصية عليه لتستمرسياسة الكيل و الكيل بمكيالين بين الرجلين.
يبدو ان الياس العماري اصبح شماعة تعلق عليها الأحزاب اخفاقاتها و خيباتها ،فتح معه حزب العدالة و التنمية على لسان أمينه العام عبد الاله بنكيران، حربا ضروسا أعادت الى الأذهان حروب داحس و الغبراء وصلت الى وصف هذا الاخير لالياس العماري ب”السلكوط” واتهمه بالوقوف وراء اعتقال قيادات بارزة في العدالة و التنمية، اهمها اعتقال جامع المعتصم، نائب عمدة سلا ورئيس مقاطعة تابريكت،فاتهمه الياس من جانبه بمحاولة اغتياله،لتستمر هذه الحرب/المسرحية التي تعكس المستوى المتدني الذي وصل اليه الساسة في المغرب ،ليدخل الجميع بعد ذلك في هدنة بعد عقد الصلح بينهما لا سيم و نحن في الاشهر الحرم التي يحرم فيها القتال..كذلك نال حظه من البوليميك مع حزب الاستقلال على لسان عمدة فاس شباط الذي وصفه بالشيطان المارد متهما اياهبالإتجار في المخدرات، فاكتفى الياس بالتهديد الى اللجوء للقضاء ليطلع علينا شباط و ينفي تصريحاته من جديد.
عداوات الرجل تمتد في زمان لا متناهي و ما هذا الا غيض من فيض.
رصد الياس العماري و هو يتردد مؤخرا على جامعات فرنسا بغية الحصول على شهادة جامعية عليا يغني بها سيرته الذاتية ويرتقي بها طبقيا و فكريا و أكاديميا وسط النخب الفاسية.
جهاز واحد بقي خارج أحلام طفولته وهو جهاز الدرك و الجيش، و قد فهم الدرس جيدا عندما ذهب الى العيون في عز احداث ” اكديمايزيك ” و تعرضه للتوقيف من طرف سرية الدرك بعدما ر صد و هو يقوم بتحركات فردية ، ليتم بعد ذلك اخلاء سبيله بعد تحريك الهواتف من الرباط،يبدو ان حلم الياس ان يصبح دركيا لم يكتب له ان يتحقق بعد.
في كل مرحلة تسعى فيها الدولة الى ايجاد شخصية تجذب نحوها الجماهير و يتم من خلالها تخدير الشعب فترة من الزمن،أو ما يعرف ب” لعبة الامم “،ومن خلال الأحداث الاخيرة يتضح ان صنم الريف لهذه المرحلة ،و عراب المنطقة ماهو الا الياس العمري، الذي يتسم تعامله مع مسقط رأسه الريف بازدواجية مكشوفة، فهو مع المنتصر يطبل و يزمر، ومع الجلاد ضد الضحية،يبارك للجلاد ويبكي مع الضحية.