انحلال للأخلاق وتدمير لعقول الشباب واستهتار بالقيم والأعراف ….تلك هي ممارسات مقاهي الشيشة بطنجة
جريدة طنجة – لمياء السلاوي (الشيشة وسلبياتها على المجتمع)
الإثنين 14 شتنبر 2015 – 16:26:15
فتيات فـارعــات الطــول، ممشوقات القدّ، مستويات نـاضجـــات، في أتمّ جمالهنّ وأوفر أنوثتهنّ و أخريات مراهقات تكاد تلمح تفاصيل الأنثى فيهن ، خرجن لكشف تضاريس أجسادهنّ لدقائقَ معدودة قبل دخول مقاهي النرجيلة.
تجعلك الظُلمة الحـالكــة داخـلَ العُلْبـة النّهــارية تَظُنّ أنّ الساعـة قَدْ تَجــاوزت منتصَف اللّيْــل بكَثير، رغم أنّ آذان العَصْــر لــم يَمُــرّ عليه إلا دقـــائق معدودة.. دخان «الشيشا» يتصاعد إلى السماء و تتَصاعد معه قهقهات المُرْتــادين.
أضواء خـــافتة تــوحي بـالرُّومــــانسية , دخان يخنق الأنفاس، وهـواء يـأتي بـريــح التُفـاح والتــوت، قَهْقَهــات تَجــوبُ الفَضــاء، عُري وصَخَب، أغــان مشرقيــة تُطرب الآذان، فتيـــات في مُقتبل العمر تتمايلن مع رنات خليجية لهواتفها النقالة، إنها الموضة التي أصبحت تجذب بعض الفتيات بعد انتشار مقاهي الشيشة ذات الطابع المشرقي للمدن الكبرى بالمغرب عموما ، و طنجة على وجه الخصوص، مما خلق فينا الفضول وضرورة معرفة دوافع ارتيادها.
لم تكن “ايمــــان” تعلم أن عاطفتها الجياشة اتجاه عشيقها ستكون سببًا في تَعاسَتِهــا، حيت وَجدت نفسها رهينة ارتياد مقاهي الشيشة، وتحكي ايمان في تصريح لـ”جريدة طنجة ” قائلة: لم يخطر ببالي أن أكون في يوم ما زبونة هذا النوع من المقاهي , فنَجـــاحي في دراستي الجامعية كان هو هدفي الوحيد في الحياة, إلا بعدما تعرفت على شاب أحببته بكل جوارحي, فاعتبر هذا ضعفا مني، وبدأ يطالبني بمرافقته يَوْميأأًا وأقنعني بضرورة تدخين الشيشة معه لإضْفــــاء جو الرومانسية على جلسـاتنــــا الحميمية مستغلا إقامتي مع عمتي بطنجة نظَرًا لتَــواجُد أهلي بمنطقة نائية بعيدة عن الكلية.
وتضيف: كنت مُطيعة له حتّتــى تلقيت صفعة هجرته إلى فرنسا دون علمي، فـــانقطعت عني كل أخباره لأجد نفسي وحيدة مهملة لدراستي ومدمنة للشيشة التي تتطلب مني أكثر من 100 درهم يوميا، رغم ظروفي المادية العسيرة التي لا تسمح لي بذلك، وأمام انعدام فرص الشغل وجدت نفسي في شراك الدعارة قصد الحصول على مصاريف إدماني .
نجلس قرب عاهرات محترفات يتخذن من المقهى المذكورة محطة أولى لبداية مشوار ليليّ طويل لا ينتهي إلا بعد أن تبدأ العلب الليلية بختامسهراتها..
في جانب آخر، جلست فتاة منعزلة، الوحيدة التي تدخّن سيجارة، بدل الشيشة، في انتظار زبون يؤدي ثمنَ مشروبها، ويُنــادي على «رأس» شيشة..
أمعنتُ النّــظَر جَيّـدًا في قنينات الشيشة، لعلي أكتشف سائلا آخرَ يُستعمل فيها بدل الماء، مثل الجعّة أو الويسكي، مثلما يرُوج بقوة عن أغلب المقاهي، وأطلقتُ العنان لحاسة الشمّ، لعلي أكتشف حقيقة هذه المقهى، التي ذاع صيتُها بأنها تضع «الحشيش» بدل «المعسّل»، لكنْ لم أرَ سوى الماء، ولم أشمَّ شيئا غير تفاح وعنب .
“…..لا أبالغ إن قلت إنّنـــي نــــادم على السكن في هذا الحي، فعملي يفرض علي البقاء إلى ساعات متأخرة من الليل فيه، وأظل طوال تلك الساعات قلقاً على وضع أسرتي وأطفــــالي، فكيف أرتاح وهناك الكثير من الشبان المراهقين المنفلتين يتجمعون في تلك المقاهي، ولا يبعدون عن أسرتي سوى أقل من كيلومترين؟ علاوة على الاختناق المروري الذي لا يطاق بسبب وقوف السيارات على مدخل الحي بجانب المقاهي، ما يتسبب في فوضى مرورية ربما يذهب ضحيتها الكثير من الأسر وأبنائهم…..” هكذا تحدّث مواطن طنجي يقطن بالقرب من أحد أوكار الشيشة ، و أضاف :لا تتخيلوا وضع هذه المقاهي، وبالتالي وضع الحي عند إقامة مباريات كروية مهمة، إذ يفضل الكثيرون مشاهدتها في هذه المقاهي، ما يجعل الدخول إلى الحي معاناة لا يعلمها إلا الله، إذ عانينا مثل غيرنا الكثير من أهالي الحي من هذه النقطة تحديداً…
وتتنافس المَقـاهــي على جَذْب طَلبـة الجـامعـــات و تلامذة المدارس خِلالَ فَتَـــرات النَّهــار، وذلك على الـرّغْم منْ أنّ بَعْض المَقــاهــي تغلـــق في وقت متأخر من الليل، إلاّ أنّها تكون مستعدة بعد التاسعة صباحاً لاستقبالهم، و الذين تصل ذروة وجودهم في المقهى وقت الظهيرة.
ولا يخفي عدد من الطلبة المتوسط مستواهم المعرفي، إعجابهم بما توفره المقاهي لهم، وأنّ قضاء وقت في المقهى أفضل من الجلوس في الجامعة ، رغم إدراكهم بالمخاطر الصحية المترتبة بسبب “أدخنة الشيشة”، إلاّ أنّ ذلك لا يعنيهم مقابل وجود مكان يتفهم احتياجاتهم، ويمنحهم الحرية، والجلسات المريحة، ويمكّنهم من مشاهدة التلفزيون ومتابعة المباريات التي غالباً ما تكون معادة في الفترة الصباحية.
النـــادل بهذا المقهى لا يتوقف، طلبات متواصلة، وحركة دؤوبة للمجامري، يغير بين الفينة والأخرى الجمر، يوضع على رؤوس القارورات، التي تحتوي على المْعَسْل، خــاصة أن الساعة وصلت إلى الثـــامنة والنصف مساء، و”الطرح” بدأ يسخن، والــــرؤوس بدورها تسخن، شاب عانق رفيقته وقبلها، قبلة خفيفة و خـــاطفة، “خلسة”، دون إثـــارة الانتباه، تمنعت وأنّبته ونبّهته إلى عدم تكْرار فعْلته ثــــانية، رغم أنها أحست بانتعاشة، كما بدا من جسدها، إذ فضحتها قشعريرة بدت واضحة على كل المَناطق العـــارية من جسدها، انتبهت إلى كوننا نمعن النظر إليهــــا، فردّت بنظرة لــــوم وتأنيب، وبدت كأنها تريد أن تنتفض في وجهنــــا، قبل أن تتخلى عن الفكرة، وتكتفي بالقول ، و بلهجة غير محلية : “ديوها في ريوسكم وحدروا عينيكم…“
أكّدَت دراسة علمية حديثة أن تدخين الشيشة أكثر خطرا على الصحة من تدخين السجائر، وأن أعداد الوفيات بسبب التدخين في ازدياد مستمر في العالم، وقال أحد الباحثين، إن الفرق بين تدخين الشيشة والسجائر كبير جداً، وذلك لأن دخان الشيشة يحتوي على كميات أكبر بعشرين ضعفاً من غاز أول أكسيد الكربون المسبب للسرطان،ويحتوي أيضا على نسب أعلى من النيكوتين و القطران من التي تحتويها لفافة التبغ، ووفقا لهذه الدراسة فإن ما يقرب من 5 ملايين شخص يموتون سنوياً من جراء التدخين غالبيتهم من الدول الفقيرة وأن أعداد الوفيات سيرتفع مع حلول عام 2025 ليصل إلى ما يقرب من 10 ملايين حالة وفاة سنوياً .
ويرى علماء النفس أن فترة المُراهَقـة تمْتـــاز بخَصـائـــص فـــريدة، تميزها عن مراحل العمر الأخرى، وتجعلها مصب أطماع العدو, ففي هذه الفترة تحصل عند الشاب مجموعة من التغيرات الفيزيولوجية والنفسية، التي تقربه من الرجولة الكاملة، فينفتح على عالمٍ جديدٍ من الميول والرغبات، والحاجات الغريزية، التي لم يعرفها في فترة الطفولة ويستغل هذه التغيرات كل من وسوست له نفسه بالإفساد وذلك بنشر أفكار منحرفة, وهكذا ينساق الشاب وراء هذه التضليلات بدافع التلذذ والمرح ، أو حب الاستطلاع، أو تقليد الأقران، أو هروبا من المشاكل والاكتئاب أو إتباع الموضة مندفعاً بسذاجة الطفولة، وبساطة التفكير التي لا تزال رواسبها مؤثرة في تفكيره، وعدم حسابه لعواقب الأمور ومن تلك الانحرافات تدخين الشيشة.
لا نستطيع أن نُسمي تدْخين الشَباب للشِيشة على المقاهي أنّـه ظَـاهِــرة أو حَتَّـى مُـوضـــة؛ بل هو مجرد ابتداع، مثل بدعة ارتداء الألوان اللامعة بخلاف (الموضة) التي تكون أكثر انتشارًا وأطول مدة، وتأخذ شكل الظاهرة وهي ليست أكثر من اتجاه نحو التفرد من قبل هؤلاء الشبان ، حيث يحاولون إعلان أنهم متحررون ، ويفعلون ما يحلو لهم.
انتشرت مقاهي الشيشة بمدينة طنجة بشكل يثير الكثير من التساؤلات عن الحامي القوي لهذه المقاهي التي لم تعد تصلها دوريات الأمن، والحملات التي اعتادت السلطات المحلية القيام بها بتنسيق مع الدوائر الأمنية، يتم فيها حجز القنينات و المعسل، ويستأنف نشاط “التشييش” مباشرة بعد مرور هذه الدوريات، وذلك في إطار “تقريب الفساد من المواطن الطنجي” ، و اليوم، بعد انعدام الدوريات، اطمأن ارباب هذه المقاهي بأن الأمن لن يطرق بابهم ولن يزعج راحتهم.
مع كل هاته المعطيات، أليس من واجب الجميع التحرك من سلطات و مجتمع مدني من أجل التصدّي لهاته الآفة ووقف هذا الخطر الذي يتربص بأبنائنا ؟؟؟ أوليس على المصالح الطبية سواء التابعة للبلدية أو مندوبية الصحة تحمل المسؤولية والتحرك بسرعة وبحزم قويين ، لأنه لاشيء يبرر القتل العمد ” تدخين الشيشة ؟، و من جهة أخرى ، حتى وان كنا نبحث عن وسائل لجلب نوع معين من السياح فيجب علينا مراعاة صحتهم حتى نضمن عودتهم .
إنه أيضا، قانون الكيل بأكثر من مكيال، حين توضع أسماء مقاه بعينها في اللوائح السوداء لإدارة الأمن ومصالح الداخلية، بينما تصدر قرارات الإعفاء والرضا على مقاهي أخرى، فقط لأن أصحابها يعرفون كيف “يشتغلون” دون ضجيج، وكيف “يفهمون” المطلوب منهم بإيماءة من الرأس أو غمزة بالعين.
السلطات المحلية و المسؤولين الأمنيين بطنجة يعيشون في سبات طويل، و يكتفون بدور المتفرج كأن الأمر لا يعنيهم، تاركين الفرصة لهذه الجرثومة الخبيثة، المجال لتتكاثر هنا وهناك، مما يطرح إشكالا حول ازدواجية مهام السلطات المحلية والأمنية بين محاربة مقاهي الشيشة و الترويج لها.
مواضيع ذات صلة :
* مع وجود أكثر من 100 مقهى للشيشة بطنجة، الأمن يداهم محلين إثنين فقط!..
*من يـُوفر الحِماية للوبي الشيشة بطنْجَة .. ؟
*حملة جديدة ضدّ مقاهي الشّيشا