انتخابات :‬ ‫لا ديمقراطية حقيقية مع الجهل والفقر

‬أعرضتُ، هذه السنة، عن الكتابة في موضوع الانتخابات، ليس لأن الموضوع لا يعنيني أو لا يهمني، فلطالما شاركت في الاستشارات الشعبية منذُ الستينات، مُنـاضلاً، ومُترشحـًا، ومَسْؤولاً أيّـام عَملي رئيسًا للقسم الإداري بالكتـابة الـعامة لعَمــالة طنْجَــة، وهـي المصلحة المسؤولة إداريــًا عن إعداد الانتخابات المهنية والتشريعية، آنذاك ، وأشرفت على المكتب المركزي يـــوم الاقتراع وا لفَرْز و الإعــلان عن النتـائـــج.‬

‫ذلك أن “المسخ” الذي رافق الإعلان عن نتَـائج الانتخـابـــات الجماعية الأخيرة ، وقد كنت حديث العودة إلى طنجة من مهمة صحافية وديبلوماسية في دولة أوروبية، دامت خمســًا وعشرين سنة، جعلَنـي لا أرتـاح للانتخـابـــات ولا أثـق بهــا، خــــاصة وقد حضرت عمليات انتخابية رئاسية وتشريعية وجماعية، سنوات 1996 و2001 2005 و 2006…انتخب خلالها السيد “جورج سمبايو” رئيسا للجمهورية لولايتين ،وانتقل الحكم بسببها من اليمين إلى اليسار ثم عاد لليمين.

ولتَحـالُــف اليمين والــوسط. ورغم الحمــاس القوي الذي طبعَ حَملات الخُصــوم المُتَنـــافسين من اليمين والوسط واليسار، فإن الانتخـابـــات وتشكيل مكاتب المجالس مرت في ظروف عادية متحضرة، لم تشهد لا مواجهات مسلحة، ولا مجابهات عدوانية ولا طعونا قضائية، بل إن الحزب الخاسر سارع إلى تهنئة الحزب الناجح بمجرد الإعلان عن النتائج، وعــادَ الجميع إلى قواعده لتبدأ معركة البناء، أو لمتابعة العمل السياسي، لأن الفوز أو الخسارة في السياسة ليس نهــاية العالم. هكذا تعتقد الشعوب المتحضرة.‬

أما عندنا، فإنه بمجرد خــُروج حزب الاستقلال من الحكومة في 8 يوليـــوز 2013، تحول المشهد السياسي الحزبي المغربي إلى حلبة صراع رخيص، لا يتورع فيه الفرقاء ، وخاصة زُعَمـــاء العدالة والتنمية والأصالة والمعاصرة، على تبادل الضَربـــات تحت الحـــزام، وعن التنابز بالألقاب المشينة، القبيحة وأحيانا السوقية، وعن توجيه اتهامات لبعضهم البعض، بـ “الصعلكة” والمفيوزية‪ ‬، والزنامة، بل والخيانة والتخابر مع الخارج، وهي أمور تعتبر من الكبائر في قاموس السياسة، عند قوم يعلمون ‪!‬

والملاحظ أن حِدّةَ المُواجَهـــات بين الحـــزبين، لم تمنع من إبرام تَعـاقُدات وتَحــالُفــات علــى مستوى الجماعات المحلية، بهدف “تقسيم الكعكة”، وهو ما تم اللّجــوءُ إليه بمُناسَبة الانتخابات المهنية الأخيرة وما يتم التداول بشأنه في ما يخص انتخابات 4 شتنبر المقبل. وهو ما يعني أيضا أن “الخطوط الحمراء” التي يتحدث عنها الحزبان الغريمان، خطوط وهمية ليس إلا.

وبالرغم من ان الحكومة والطبقة السياسية يلتقيان عند ضرورة تحقيق نزاهة الانتخـابـــات، عبر تخليق الحياة السياسية والامتناع عن شراء الأصوات والذمم، وتقديم الرشاوى والهدايا، وإقـــامة الولائم والذبائح، كما دأب عليه المترشحون في السابق من العمليات الانتخابية، و بــالرَّغْم من تعليمات الداخلية الصارمة بحياد الإدارة الحياد التام، فإن دار لقمان لا تزال على حالها، إن لم تكن قد ازدادت سوء او تدهورا.

وتكفي نظرة على الصحافة اليومية، والصحافة الاليكترونية، ليتأكد المواطن من أن “ديناصورات الانتخابات ” يتحدون القرارات والتهديدات بالمتابعات و “الرقم الأخضر”، وينخرطون في “لعبتهم المفضلة”، لا فرق بين يمين ويسار ووسط ‪!‬ ….

استعمال المال الحرام والحلال، لازمة كل الخطب السياسية، خلال الحملة الانتخابية الراهنة، لا يخلو من ذكرها خطاب زعيم من زعماء آخر الزمان، يرمى بها في وجه “رفقائه” في الزّعـامــة ، من بـاب الاحتـــراز، ربما، ليبـرر بذلك فَشله غدًا، والحـــال أن تبـادُل التُّهَـم بشِراء الذِمَم، “سلعة رائجة” بين معظم المترشحين .

حتى أن الشكايات التي وقع تقديمها إلى اللّجنة الحُكومية لتتبع الانتخـابـــات، بلغت إلى غاية 25 غشت الجاري، 128، تم حفظ 83 منها وتقرر تحريك المُتـابَعة في ثلاث شكايات ، بينما أسقط الرقم الأخضر رئيس بلدية تولال، الاستقلالي، قالت جريدة أخبار اليوم إنه اعتقل متلبسا بتلقي رشوة .

ومن طرائف انتخابات الــرابع من شتنبر، التّرحــال الهَجين بين مترشحين يُغيّـــرون أحـــزابهم كما يغيرون جواربهم، بل إنه من مفارقات هذه المرحلة، أن تستعين أحزاب بأصحاب السوابق لتأثيث لوائحها الإنتخابية، بل إن برلمانيا من الحركة الشعبية أصبح، بقدرة قادر، وكيلا للائحة من لوائح حزب التجمع الوطني للأحرار ‪!‬…..

وتداولت الأخبار أن حزب رئيس الحكومة قدم التزكية الانتخابية في إحدى مقاطعات مدينة فاس، لأحد مناضليه، سبق وأن توبع أمام القضاء من أجل انتحال صفة موظف سام في الدولة ..

وها هو زعيم حزب الاستقلال يلعب على ورقة السلفيين ويغازل أصوات العدل والإحسان ويتهم التحالف الحكومي بالنزول بكل ثقله وتسخير الملايير للإطاحة به وبحزبه في فاس.

ولم تخلُ الحملة الانتخابية من مظاهر العنف، منذ انطلاقتها يوم السبت الماضي، تماما كما يحدث في بلدان متخلفة لا تعتمد الحوار وسيلة للإقناع، بل لابد من التشابك بالأيدي وتبادل الضرب والجرح بين أبناء المدينة الواحدة والقبيلة الواحدة وأحيانا العائلة الواحدة. مسألة تخلف ‪!!!‬….

وليقينكم، فقد شهد الحي المحمدي بمدينة الكفاح والنضال والفداء، الدار البيضاء، يوم الثلاثاء، في نطاق الحملة الانتخابية، مواجهات عنيفة، استعملت فيها الأسلحة البيضاء والحجارة بين نشطاء من حزبين داخل التحالف الحكومي الحالي ‪( ! )‬…..أسفرت عن إصابة عدد من المشاركين في الحملة الانتخابية.

وفي قصبة المهدية، بضواحي القنيطرة، هاجم مرشح “مومن” ، بيد مسلحة بسيف من الحجم الكبير، كل من علم بمساندته لمنافسيه في دائرة ترشحه، التي حولها إلى ساحة حرب، محدثا حالة من الخوف والرعب بين مواطنيه.

واللائحة طويلة….
ولابد أن تكون قد بلغتكم أخبــار العُنْف والشغَب الّــذي طبعَ عَملية تكوين مكتب بعض الغرف المهنية، خــاصة غُرفة التّجــارة و الصنـاعـة بـالربـــاط حيث أحدث انقلاب الاشتراكي على البام وتحالفه مع العدالة والتنمية، حـالــة من الفـــوضى أدت إلى اشتباكات عنيفة وإلى تحطيم عدد من التجهيزات وإتلاف أوراق ومحاضر التصويت وإلى استدعاء سيارة الاسعاف لنقل عضو منتخب إلى المستشفى ‪!!!‬ …

نفس الأجـــواء خيّمَت على “حَفْل” انتِخـاب رئيس الغرفة الجهوية للصنـاعة التقليدية حيث انطلـقَ التَجمُع على إيقــاع مُواجَهــات واشتبـاكـــات عنيفة بين أنصار الأغلبية والمعارضة ، ما تطلب تدخل القوات العمومية.

نفس الأجواء طبَعت عملية انتِخــاب رئيس غُرْفَـــة الصناعة التَّقليدية بجهة مراكش آسفي فجر خلالها أحد الأعضاء الفائزين “فضيحة” رشاوى بقيمة 25 ألف درهم يكون قد تورط فيها بعض الأعضاء مقابل التصويت على مرشح معين لرئاسة الغرفة.

ونحمد الله أن انتخــاب مَكـــاتب الغُــرَف المِهَنية بطَنْجَــة تـم في جَو سَليم، طَبعتهُ تَحــالُفــات منْهَـــا ما هو طبيعي ومنها ما هو ضد الطبيعة، و‪ ‬مهما يكن، فإن الغاية تبرر الوسيلة‪ ‬ ‪!‬….

إلا أن المؤلم في هذا “البازار” الانتخـــابي المغربي، هو تهافت العائلات السياسية الحزبية المغربية على تزكية ،ترشيح آبائهم وأبنائهم وبناتهم، وزوجاتهم، وخؤولهم وخالاتهم وأصهارهم ، يقطعون بذلك الطريق في وجه النخب المفروض في الأحزاب التي تحترم نفسها، رعايتها وإبرازها وتقديمها لتحمل المسؤولية، وفق سنة الحياة التي تفرض تجديد وتشبيب النخب.

جل الأحزاب السياسية المغربية شاركت في هذه اللعبة، حزب الاستقلال، الاتحاد الاشتراكي، التجمع الوطني للأحرار، الاتحاد الدستوري ، العدالة والتنمية…….، وفق ما ورد في عدد الخميس لجريدة المساء الغراء.

من أبرز القيادات المنخرطة في هذه اللعبة، شباط الذي ترشح وكيلا للائحة الجهة ورشح زوجته وزوج ابنته وابنه نوفل. ادريس لشكر، الذي رشح ولده الحسن ، وبنكيران الذي رشح ابنه البكر أسامة وابنته سمية على لائحة النساء. تجدون بيانات بهذا الخصوص في عدد “المساء” المشار إليه أعلاه.

نحن لا نُنــاقش حق كُـل مغـربــي في الترشُح للانتِخـابــات. فهـو حـقّ مضمــون بـالدُسْتــور، ولكن السعي إلى تقديم الأهل والأحْبــاب والأصْهـــار، يُحَــرّم المُنــاضلين وشبيبة الحزب، خـــاصة، من فُرَصِ التكون السياسي وتحمل المسؤولية ويحرم الحزب من شبيبة يعتمد عليها في الاستِمْرار والانْتِشـــار. !!!…..