النباش يحظى بصفة شريك مُتميّز بمؤسسة عبد الهادي التازي (4)
جريدة طنجة – محمد وطاش ( .مؤسسة عبد الهادي التازي. )
الجمعة 17يوليوز 2015 – 15:28:01
• بمباركة وتزكية من رئيس مؤسسة عبد الهادي التازي، الأستاذ يسر التازي، نواصل نشر سلسلة حلقات كتاب « التحليق إلى البيت العتيق «لمؤلفه/الفقيد العزيز المرحوم الدكتور عبد الهادي التازي أمطره الله بشآبيب رحمته، وجعل كل حرف من حروف هذا الكتاب وسائر عطاءاته في ميزان حسناتة.
فقراءة ممتعة.
جـولـة في جدة مع الدكتور أحمد العراقي
في انتظار القيام بعمليات تحـويـــل العملة، ومراجعة لوائح أصحاب الصلات الملكية، كل يقوم بالمهمة التي أسندت إليه، لقد كان من عملي مساعدة السيدين الفاسي و بــادو في التثبت من أسماء الذين يوصلون عادة من لدن ملك المغرب من سكان الحرمين في كل موسم من مواسم الحج، فلقد جرى الأمر منذ القدم على تبليغ عائلات معينة وأفراد معروفين بمبالغ منتظمة من المال، على ما هو معروف في حوالات الأوقاف المغربية القديمة، والمراسيم السلطانية، إن الملوك في المغرب لا ينسون واجبهم في المشرق؛لأنهم مع ذلك المشرق ، يعيشون آناء الليل وأطراف النهار.
وبعد زوال هذا اليوم كنا على موعد مع اللقاء المفيد الذي نظمه سعادة السفير في بيته للاجتماع بعدد من الشخصيات السامية في جدة، كان فيها العالم والأديب.
لقد أتوق للاجتماع بعدد من السادة الأجلاء في المملكة العربية السعودية ممن عرفتهم في مؤتمر الأدباء الذي جرى بـالكــويت على ما أشرت، أمثال الأساتذة عبدالعزيز الرفاعي، أحمد السباعي، أو سمعت بهم أو قـــرأت لهم أمثال الشيخ عبدالقدوس الأنصاري صاحب مجلة (المنهل) وكنت أقرأ له في المجلة المذكورة، وقد بشرنا السيد السفير بأنّنــا على موعد مع هذا الأستاذ ظهر هذا اليوم.
لقد كنت أعرف الأستاذ الشيخ عبدالقدوس في الواقع عن طريق الخلية الوطنية التي كنا ننتمي إليها، والتي كانت تفتح عيوننا على ما ينشره الأستاذ عبدالقدوس.
ما زلت أذكر ـ مع رفاقي في الخلية ـ تهافتنا على استنساخ الجزء الممتاز من مجلة (المنهل) الذي صدر في نهـــاية العام الثاني من حياة المجلة، وبالضبط في شهر شوال وذي القعدة 1357هـ/ نوفمبر ـ ديسمبر 1938م.
حديث في ذلك العدد عن نجاح المنصور على ذي النفس الزكية، وحديث آخر عن بَساطة قواعد اللغة العربية، وثالث عن كتاب الدكتور طه حسين:”حافظ وشوقي…”
وقد عشنا في هذا العدد مثلا مع بشرى نجاح، سمو الأمير عبد الله الفيصل في اجتياز شهادة الدراسة الابتدائية!!.
فعلا وجدنا أنفسنا في دار السفارة المغربية بجدة مع نخبة مختارة من أهالي المملكة، من رجال العلم والفضل حيث أخذ لنا عدد من الصور التذكارية، لقد اكتشفت في الشيخ الأنصاري زميلا وأخـًا كأنني كنت أعرفه منذ زمن طويل، فقد ظللت ملازما له سواء عند تسجيل الفوائد أو تقديم المَوائد!!.
تبـادلت عدة أحاديث تاريخية وأدبية واجتماعية.
تساءل بعضنا عن (قبر أمنا حواء) في جَدّة؟ وعن موقـع بئـر بيرحـــاء الذي عليه “ما” في الآية الشريفة: {لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون} [سورة آل عمران، آية 92]، حيث دَلّنــا الحــــاضرون على موقع البئر في المدينة المنورة التي نعتزم زيـارتهـــا.
وتساءل بعضنا عن بئر أريس حيث وقع خاتم رسول الله الذي صار إلى عثمان بن عفان، فوقع منه في هذا البئر الذي يحمل عند بعض الناس اسم بئر الخاتم.
وكان حديثا طريفــًا عن الحركة الأدبية في بلادنا وفي المملكة العربية السعودية، مقارنات ومفارقات، لقد كان الشيخ عبدالقدوس من أبرز أركان الحوكة الثقافية في المملكة بما كان يسهم به من فسح المجال في مجلته الوحيدة لسائر رواد الفكر في المملكة وغيرها على هذا العهد.
وما زلت أذكر سؤالا وجهته إليه آنذاك، هل كل ما يصل للمجلة قابل للنشر؟! أجاب نعم بالنسبة لمعظم ما يرد علينا، لكن البعض الآخر يكون بحاجة إلى تصليح أو تنقيح، وإننا نسعى إلى أن نشجع الكتاب الناشئين؛ ولهذا فنحن لا نتردد في إدخال التحسينات الضرورية. على ما قد يصلنا مما يحتاج إلى تعديل، لقد أخذ أشياخنا بيدنا ـ يقول الأستاذ عبدالقدوس ـ فلم لا نأخذ نحن بأيدي أبنائنا؟.
وكانت فرصة أن نقدم لزملائنا السعوديين العدد الثامن من مجلة “دعوة الحق” في سنتها الثانية الذي صدر في شهر مايو 1959هـ ذي القعدة 1378هـ، وكان رئيس تحريرها الأستاذ عبد القادر الصحراوي حيث تجاذبنا أطراف الحديث حول مواد المجلة المغربية المذكورة، وكان الحديث عن فعاليات الأسبوع الثقافي الذي دشنه يوم 1959/04/15م ولي العهد الأمير مولاي الحسن محورا لإثارة النقاش عن الحركة السلفية بالمغرب الذي حاضر عنه الأستاذ محمد الفاسي، وعن مقاصد التشريع الإسلامي الذي كتب عنه الأستاذ محمد المنوني، وعن الاسترشاد بروح النصوص قديما وحديثا الذي كنت تناولته في عدد المجلة، وذكرنا الأستاذ محمد المختار السوسي في قصيدته الوطنية أيام النضال الوطني، وقد ظهرت بالعدد المذكور من المجلة قبل قصيدة للشاعر محمد الحلوي (من وحي القرية)، كان عددا حافلا بالموضوعات التي جعلت إخواننا يلحون على أن يبعث إليهم بالمجلة بانتظام، لقد فعلنا خيرا عندما تنبهنا لا صطحاب المجلة معنا، كانت بطاقة تعريف جيدة بالمغرب لا سيما بعد أن قدموا لنا مجلتهم (المنهل).
ولقد توجهت بالسؤال للسيد عمر السقاف حول ما إذا كانت له علاقة بالشيخ السقاف الذي ورد ذكره في بعض حجج الوقف المغربية القديمة وتدخل الشيخ عبدالقدوس ليذكر أن بيت السقاف بيت من حضرموت أصلا، وتساءل هل كان القصد إلى السقاف الذي توفي بمكة أو الذي أدركه أجله بحيدر أباد؟، وقد أيد السيد عمر هذا التدخل مضيفا إليه حديثا جد مفيد عن بيت السقاف ومكانته في العلم والصلاح وسرد عددا غير قليل من المنتسبين لهذه الأسرة.
كانت أمسية ثرية نسبيا، معها غرفنا في فندق قصر الكندرة، لكنا افترقنا على موعد مع الشيخ الأنصاري الذي ألح على أن يرانا في بيته.
وقد زرت أقرباء لي رباطيين من بيت ملين، حيث اطمأننت على أحوالهم.
زيارة سمو الأمير فهد
لقد كنت شخصيا أحمل معي رسالة بتاريخ 1378/11 هـ (1959/02/1م) مرفوعة من وزير التهذيب الوطني الأستاذ عبد الكريم بن جلون إلى صاحب السمو الملكي الأمير فهد بن عبد العزيز وزير المعارف بالمملكة العربية السعودية، كان هذا نص الرسالة:
(السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، عن خير مولانا الإمام دام له العز والتأييد وبعد:
فـاغتنامـًا لفرصة وجود الوفد المغربي الرسمي بالأراضي المقدسة موسم الحج، رأيت أن أعهد لأحد أعضائه الأستاذ عبدالهادي التازي رئيس الفرع الثقافي بوزارة التربية الوطنية بالاتصال بوزارة المعارف السعودية بغية الوقوف في عين المكان على مختلف مظاهر النشاط الثقافي ببلادكم العزيز، ثم على بعض الأماكن التَّـاريخية التي كان لها شأن يذكر في الإسلام، وإني إذ أجُدّد لسموكم تقديري الكبير آمل للمملكة العربية السعودية اطراد التقدم والنَّجـــاح في كنف عاهلها العظيم أبقاه الله ذخرا للإسلام والعروبة).
تم الاستقبال أيضا في الساعة الثانية عشرة أي عند الغروب، وكان استقبالاً مفيدا جدّاً، وقد طلب إليّ سُمو الأمير فهد بن عبد العزيز أن أقــــوم بزيارة خاصة للمملكة للوقوف على الحركة التَّعْليمية بـــالبلاد عن كَثَب.
(يتبع)
الجزء الثالث