ظهر اليوم في الوسط المصري نوع جديد من الزواج، يعرف باسم «البارت تايم» أي الزواج المؤقت، وقد أثار جدلا واسعا في مصر وعلى مواقع التواصل خلال الشهور الماضية، وهذا المصطلح الجديد للزواج يتناقض مع المعنى الأصلي الوارد في الكتاب والسنة، إذ يهدف إلى أن يكون الزواج محدد وقت المبيت يُشترط عليه في العقد وباتفاق الطرفين، وقد اصطلح عليه بالإنجليزية «Part-time»، وترجمته بالعربية تعني «الزواج الجزئي» ويراد به الفرصة للأرامل والمطلقات من الزواج الثاني للتخلص من وحدة الانفصال؛ ابتدعه المحامي المصري أحمد مهران المتخصص في قضايا الأسرة وبادر إلى توضيح هذا الزواج بمقطع فيديو مصور نشره على مواقع التواصل سوسيال ميديا، بعنوان مفهوم زواج البارتايم، موضحا فيه أن يتزوج الرجل بزوجة ثانية بشرط أن يكون المبيت معها يوما واحدا في الأسبوع، وبين مضمون اقتراحه قائلا : «البارتايم هذا الزواج موجود ومطبق في مصر وغيرها من البلدان العربية دون أن يكون معروفا بالإسم بين الناس رغم تعاملهم به، نافيا أن يكون زواج البارتايم هو زواج المسيار أو زواج المتعة، كما أنه ليس بزواج عرفي ولا يمت بصلة إلى الزنا، ذاكرا أن الغاية من الإقدام على هذه المبادرة ترجع أساسا لكون المجتمع المصري طغت عليه ظاهرة النساء المطلقات بشكل كثير، وهناك حالات طلاق تتم كل دقيقتين، ومعظم النساء المطلقات لا يتجاوزن سن الثلاثين، وعلى هذا الأساس أطلقت هذه المبادرة لكي تكون هناك فرصة لزواج المطلقات من رجال متزوجين ميسورين ماديا، واعتبر أن نجاح هذا النوع من الزواج مشروط بعدم مخالفته لشرط العدل بين الزوجتين الأولى والثانية؛ معتبرا أن هذا الزواج يقوم على إرادة الطرفين بالتراضي والإيجاب والقبول.
لكن إدارة الإفتاء المصرية تدخلت بعدما أثار هذا الزواج جدلا واسعا في الوسط المصري، وأفتت بأن إضافة بُند المبيت يكون فيه يوم واحد في الأسبوع إلى عقد الزواج يؤدي إلى بطلانه، وحذرت من مغبة هذا النوع من الدعوات بما لها من زعزعة للقيم وإحداث البلبلة في المجتمع.
ورغم هذا الموقع الذي اتخذته دار الإفتاء التي تحظى بمكانة عند المصريين برفضها لهذا النوع من الزواج وبطلانه، خرج الدكتور أحمد كريمة أستاذ القانون بفقه المقارن بجامعة الأزهر عن صمته، معربا من خلال مداخلته الهاتفية مع الإعلام المصري في حوار حول زواج «البارتايم»، فقال : «شروط الزواج في الشريعة تتمثل في توفر الرضا بين الطرفين والإشهاد وتسمية الصداق، فإذا توافرت هذه الشروط يبقى الزواج شرعيا ويترتب عليه حقوق مشتركة من التوارث والمعاشرة بالمعروف والاستمتاع على الوجه المشروط، وأن المرأة إذا ارتضت أن تكون زوجة ثانية وقبلت أن لا يوفر لها الزوج سكنا أو لا يبيت لديها، ففي هذه الحالة فالزواج مباح، ولكن لا يجب أن يعمم هذا الزواج، لأن ليس كل الأسر تقبل بهذا الزواج».
وختم حواره بأنه لا يستطيع أن يحرم زواج، البارتايم، أو يجرمه، طالما استوفى عقد الزواج الشروط والأركان الأساسية، وأكد على أن هذا الزواج ليس بزواج المتعة، لأن هذا الأخير يكون محدد المدة بشهر أو شهرين أو أكثر، وفي هذه الحالة يكون الزواج باطلا.
وبهذا يكون الدكتور أحمد كريمة من شيوخ الأزهر قد أباح هذا النوع من الزواج ودخل في خلاف محتدم مع دار الإفتاء التي صرحت بعدم جوازه، والابتعاد عنه حسبما نشرته في موقعها على «التويتر»، لأنه لا ينبغي الانسياق وراء دعوات حداثة المصطلحات في عقد الزواج التي ازدادت في الآونة الأخيرة والتي يكمن في طياتها حب الظهور والشهرة وزعزعة القيم، وأكدت في صياغة منتاقضة ما ذهب إليه أستاذ الأزهر حيث اعتبرت أن الزواج الشرعي هو ما يكون القصد منه الدوام والاستمرار وعدم التأقيت لزمن معين، وإلا كان زواجا محرما لا يترتب عليه آثار الزواج الشرعي.
ويبدو من التعليقات الواردة حول هذا الحوار الشائك أن الدكتورة سامية خضر أستاذة علم الاجتماع بجامعة عين شمس، علقت بدورها على زواج «البارتايم»: «اتقوا الله في مصر والشباب، وأن ترويج هذه الأمور بين الشباب يهدم الأسر المصرية خاصة وأننا في بلد مسلم ودينا سمح ولا ينبغي الانسياق وراء دعوات حداثة المصطلحات في عقد الزواج التي ازدادت في الوقت الراهن، التي يكمن في طياتها حب الظهور والشهرة وزعزعة القيم مما يحدث البلبلة في المجتمع ويؤثر سلبا على معنى استقرار وتماسك الأسرة التي حرص عليها الدين الإسلامي الحنيف».
وأمام هذا النوع الجديد من الزواج الذي أثار نقاشات واسعة في مصر بين رجال الدين والقانون، وقبل أن نلحقه بالأحكام الشرعية للقول بإجازته أو تحريمه لابد من التطرق لأحكام الزيجات الأخرى السائدة في المجتمعات العربية والإسلامية، وتتعلق بزواج المسيار والمتعة والعرفي.
– الأول زواج المسيار: هو عند الفقهاء زواج شرعي مكتمل الأركان والشروط، وهو يرد على شكلين : إسقاط النفقة والمسكن على الزوج أو وجوب النفقة والمسكن وإسقاط العدل في المبيت بين الزوجتين، بحيث تتنازل الزوجة عن مساواتها للزوجة الأخرى في المبيت. وأكد مجمع البحوث الإسلامية التابع للأزهر على جوازه مادام يتوفر على الشهود والولي وموافقة المرأة عليه برضاها، فهذا زواج صحيح وتترتب عليه كل آثار الزواج الشرعي.
– الثاني زواج المتعة : هو أن يتزوج الرجل المرأة بشيء من المال في لمدة معينة، ينتهي الزواج بانتهائها من غير طلاق وليس فيه وجوب نفقة ولا سكن ولا توارث بينهما، وهذا الزواج غير جائز شرعا.
– الثالث الزواج العرفي : هو أن يكتب الرجل بينه وبين المرأة ورقة يُقر فيها أنها زوجته، ويقوم الإثنان بالإشهاد عليها، فتحتفظ المرأة بنسخة منها وكذلك الزوج الذي يعطي لها شيئا من المال، وهذا النوع باطل لأنه يفتقر للولي ويقوم على السرية وعدم الإعلام.
وبعد هذا العرض الموجز لأنواع الزواج، يبقى السؤال المطروح : ما موقع زواج «البارتايم» منها؟!
من المبادئ الأساسية والقواعد الشرعية في الزواج أنه يعتبر رابطة مقدسة يهدف إلى تحقيق أهداف سامية، وقد نظمه الله سبحانه وتعالى بمقتضى كتابه الكريم وتكفلت الشريعة ببيان الأحكام المتعلقة بالزواج، ونظرا لأهميته وقدسيته، لقد ذهب جانب من الفقه إلى اعتباره عملا تعبديا تُنال به الدرجات عند الله، لا مجرد تصرف قانوني مدني تحكمه الإرادة الحرة فقط. وذهب البعض الآخر إلى اعتباره فرعا مستقلا عن العبادات والمعاملات عندما أدخله ضمن ما اصطلح على تسميته بـ «المناكحات»، وما يؤكد قدسية الزواج الحديث الشريف لرسول الله صلى الله عليه وسلم : «ثلاثة جدهن جد وهزلهن جد، الزواج والطلاق والرجعة».
وبمقتضى هذا الحديث الشريف، فلا يقبل التلاعب والهزل بالزواج، ويجب أن يؤخذ دوما مأخذ الجد والرصانة وهو حكم عام تضمنه قول الرسل الكريم صلى الله عليه وسلم : «إنما الأعمال بالنيات».
وفي هذا الزمن الذي نعيشه، أصبحت أحكام الشريعة تصطدم بشكليات الزواج، ومع ذلك تبقى عبارة عن أحكام دينية راسخة تدخل في إطار علاقة الإنسان بربه.
فهذه الأحكام تبقى مرتبطة بعقد الزواج تنطلق من الإيجاب والقبول، اللذين يمثلان في واقع الأمر قوام التراضي في الفقه الإسلامي والقانون الوضعي، إضافة إلى شروط جوهرية أخرى تكون متصلة على وجه الخصوص بطرفي ذلك التراضي، فإذا ما اختلت انعدم الوجود الشرعي لعقد الزواج.
فيجب أن يكون كل طرفي العقد معينا بذاته، فلو قال رجل لآخر «زوجني بنتك» فكان لهذا الأخير أكثر من بنت واحدة، فإن الزواج لا ينعقد ولو قبل الأب بالجهل الواضح الذي اتصل بجانب الزوجة. ويجب كذلك أن يكون الزواج منجزا غير معلق على شرط أو مربوط بأجل معين؛ والمعلق على شرط هو ما عُلق إبرامه على شيء مستقبل قد يقع وقد لا يقع، ومثال أن يقول شخص لامرأة تزوجتك إذا نجحت في الامتحان، أو تزوجتك إذا وصل مغربي أو مصري إلى القمر، والعقد المضاف إلى أجل هو ما كانت صيغته مضافة إلى زمن المستقبل، كأن يقول رجل لامرأة : تزوجتك بعد حلول الصيف، أو تزوجتك بعد مرور العام ونصف من اليوم.
وبهذا يكون عقد الزواج، وعلى خلاف باقي العقود المدنية الأخرى، ينفر بطبيعته من أن يعلق على شرط أو يربط بأجل، وهو بذلك لا يقوم إلا منجزا مرتبا لكافة آثاره في الحال.
لكن، ما الحكم عند الاتفاق على وضع شروط أخرى ضمن عقد الزوج؟
إذا كانت القاعدة، كما سبق القول، أن تعليق الزواج على الشرط يجعله باطلا بطلانا مطلقا، فإنه لا مانع يمنع من تضمين عقد الزواج نفسه لبعض الشروط التي لا تنافي نظامه الشرعي، استنادا إلى حديث الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم قال : «إن أحق الشروط أن يوفى له ما استحللتم به الفروج».
وتطبيقا للحديث الشريف الذي يقضي بأن «المسلمون على شروطهم إلا شرطا حرم حلالا أو حلل حراما». يميز في هذا الصدد بين الشروط المنافية لنضام الزواج والشروط التي لا تتنافى معه، إذ بينما تعد الأولى باطلة، وتعتبر كأن لم تكن، تعد الثانية صحيحة، يعمل بها في هذا الإطار.
ومن بين الشروط الصحيحة أن تشترط الزوجة على زوجها في عقد الزواج أن يعجل لها بكل المهر المتفق عليه، وأن لا يضر بها، وأن يشرط عليها الزوج ألا تأخذ إلا جزءا معينا من مهرها مع تأخير ما تبقى منه، كما يجوز للزوجة أن تشترط على زوجها أن لا يسكنها مع أهله وأن تشترط عليه أن تزور أمها العجوز باستمرار وأن تقوم بخدمتها بين فينة وأخرى.
أما الشروط غير الصحيحة، فلا يجوز الاتفاق عليها أو اشتراطها في العقد، وهي أن يشترط الزوج على زوجته أن لا ينفق عليها وأن لا يوفر لها السكن أو هي التي ستقوم بالإنفاق عليه أو كأن تشترط عليه ألا تلد وأن لا يجامعها إلا مرة واحدة في الشهر، أو يشترط هو أن لا يكون المبيت معها إلا مرة واحدة في الأسبوع، أو كأن يرد في العقد على أنه إذا توفي أحدهما لا يرثه الآخر الباقي على قيد الحياة، وهكذا إذا اقترن عقد الزواج بشروط تنافي نظامه الشرعي أو تنافي مقاصده المرجوة، فإنه تؤدي إلى بطلانه حتى ولو استوفى الشروط والأركان، لأن الزواج الشرعي هو ما يكون القصد منه الدوام والاستمرار وليس التجزيء والتأقيت الذي يشترط عليه في العقد.
وزواج «البارتايم» حيث يهدف إلى أن يكون محدد الوقت لمدة معينة يتفق عليها الزوجان لتبقى ملزمة لهما مادام العقد قائما ومستمرا كأن يُشترط على عدم الإقامة معا بمنزل واحد أو على المبيت أن يكون مرة واحدة في الأسبوع أو الشهر. والشروط التي يتفق عليها الطرفان، بالتنصيص عليها في عقد زواج «البارتايم» تجعله زواجا باطلا ولا تترتب عليه آثار الزواج الشرعي، ويتعين رده للبدعة المبتدعة.