ترأست السيدة نزهة بوشارب، وزيرة إعداد التراب الوطني والتعمير والأسكان وسياسة المدينة، الأثنين الماضي، بالرباط، افتتاح لقاء علمي حول “الاستراتيجية المندمجة للتثمين المستدام للقصور والقصبات بالمغرب” وحماية وتطوير مجالها الترابي .
وخلال حفل افتتاح هذا اللقاء التواصلي، ألقت السيدة الوزيرة كلمة تطرقت فيها إلى أهم توجيهات هذه الاستراتيجية التي تهم موضوعا ذا راهنية، ألا وهو تثمين الأنسجة التي تشكلها القصور والقصبات بارتباط وثيق مع تنمية مجالها الواحي ، في الوقت الذي يشهد فيه المغرب تحولات عميقة تتمثل في تنزيل النموذج التنموي الجديد الذي دعا صاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله وأيده إلى بلورته وترجمة مقتضياته ومضامينه إلى مبادرات واقعية تحد من الفوارق المجالية والاجتماعية، عبر اعتماد التقائية السياسات العمومية مع جعل الإنسان في صلب هذه السياسات.
وأشارت الوزيرة إلى أنه تنفيذا للتوجيهات الملكية السامية الداعية إلى الحفاظ على التراث المادي واللامادي والتاريخي والثقافي فضلا عن تحسين ظروف عيش المواطنين بمختلف جهات المملكة، وعملا بالمقتضيات الدستورية وكذا بالالتزامات الدولية للمملكة بشأن تحقيق أهداف التنمية المستدامة 2030، ووعيا من وزارة إعداد التراب الوطني والتعمير والإسكان وسياسة المدينة، بالأهمية التي تميز القصور والقصبات كمكون من مكونات المجال السكني التي تأوي مئات الآلاف من الأسر المغربية، لاسيما في الجنوب الشرقي للمملكة، من جهة، ومن جهة أخرى كتراث معماري عريق يجسد عبقرية الإنسان المغربي في التكيف مع مجاله المتسم بقساوة الظروف المناخية وندرة الموارد الطبيعية، لاسيما المالئة، فإن الوزارة تعتبر دوما هذه الأنسجة من أولوياتها، إلى جانب تلك المتعلقة بالمدن العتيقة، ويتجلى ذلك في إحداث برنامج مندمج للتثمين المستدام للقصور والقصبات، وفق الرؤية السديدة لجلالة الملك نصره الله وأيده وفلسفة جلالته الحكيمة التي تضمنتها الرسالة الملكية السامية الموجهة إلى المشاركين في الدورة 23 للجنة التراث العالمي حيث قال جلالته: “غير خاف عليكم وأنتم من صفوة المختصين وكبار الخبراء والدارسين ومن المسؤولين التقنيين الساهرين على تدبير شؤون التراث في أوطانكم أن عراقة الأمم وتجذرها يعودان لما كان للأسلاف من حضور في مسرح التاريخ وما خلفوه من أثار عمرانية وإبداعات فكرية واختراعات علمية وإنجازات حضارية وإذ لا نشك أبدا في أن جميع أبناء البشر أينما وجدوا قد ساهموا بقسط أو بأخر في إرساء صرح هذه الحضارة الإنسانية وفي تدعيم أسسها فإننا لانشك كذلك في أن نضج الشعوب لا يقاس إلا بمستوى شعورها وحسها بأهمية تراثها وبالعناية التي ألت على نفسها أن تخصصها له حفظا وصيانة وتجديدا“.
كما ترجم الخطاب الملكي بمناسبة ذكرى ثورة الملك والشعب، الاعتزاز بالانتماء إلى أمة عريقة في الحضارة وتمتد لأكثر من اثني عشر قرنا بما يحمله هذا الرصيد التاريخي من ثوابت وقيم وملامح وبطولات كانت القصور والقصبات من بين صانعيها.
وأشارت الوزيرة بالمناسبة إلى عدد من منجزات وزارتها في مجال ترميم وتثمين القصور والقصبات، حيث أشارت إلى مواصلة عمليات الترميم ورد الاعتبار، المنجزة منذ تسعينات القرن الماضي والتي شملت 17 عملية ترميم إضافة إلى قيام الوزارة منذ سنة 2015 وبشراكة مع برنامج الأمم المتحدةالانمائي بتنفيذ برنامج إنمائي نموذجي في مجال ترميم القصور والقصبات، يهم 22 قصرا، بغلاف مالي بلغ 248 مليون درهم ويهم هذا البرنامج ثلاث جهات وسبعة أقاليم وعشرين جماعة ترابية. وقد مكن هذا البرنامج من تحسين الظروف الاجتماعية والاقتصادية والسكنة لسكان هذه القصور وضمان تملّك الفاعلين المحليين لتقنيات عملية التثمين المستدام لهذه البنايات العتيقة.
كما كان لهذا البرنامج الأثر البالغ في تحسين الإطار السكني لحوالي 22 ألف من سكان هذه القصور وفي دعم وإنعاش الاقتصاد الاجتماعي ، حيث تم، في هذا الإطار، تمويل 26 مشروعا للأنشطة المدرة للدخل لفائدة قرابة ألف مستفيدة ومستفيد كما مكن من إحداث 1200 منصب شغل مباشر وتنشيط الحرف والمهن التقليدية المحلية.
واعتبارا لنتائج هذه التجربة النموذجية ورغبة في تعميمها على باقي القصور والقصبات بمختلف جهات المملكة، عملت الوزارة على بلورة استراتيجية وطنية للتثمين المستدام للقصور والقصبات، معتمدة في ذلك على مقاربة ترابية تشاركية متكاملة، من خلال تعبئة وإشراك السكان، ومختلف الفاعلين المركزيين والترابيين للقطاعات الوزارية المعنية والمنتخبين والمنظمات الغير حكومية بالإضافة إلى الخواص، بغاية تحسين إطار العيش وتوفير التجهيزات الاساسية ودعم الأنشطة الاقتصادية خاصة المدرة للدخل، في مجالات مختلفة كالزراعة والسياحة والتجارة والفنون والحرف اليدوية وغيرها.
ولقد خلصت هذه الاستراتيجية إلى اقتراح مجموعة من التوجيهات الكفيلة بتثمين هذه القصور والقصبات فضلا عن إعداد برنامج خماسي يمتد من سنة 2022 إلى 2026، يقوم على ست توجهات أساسية استراتيجية:
ـ إصلاح الآلية القانونية من أجل استهداف مدروس والتقائية أفضل للتدخلات من خلال خلق إطار مؤسساتي وضمان إدارة البرنامج والتنسيق
ـ إدراج القصور والقصبات ضمن أولويات برامج محاربة السكن غير اللائق قصد تحسين ظروف العيش داخل هذه الأنسجة
ـ اعتبار تأهيل القصور والقصبات من الأولويالت الأساسية في تحقيق التنمية المحلية المستدامة من خلال برنامج تنمية متكامل يأخد في الاعتبار الخصائص التاريخية والبيئية والفنية والاجتماعية والاقتصادية للقصور والقصبات.
ـ احداث دينامية اقتصادية جديدة في مناطق القصور والقصبات من خلال تنويع مصادر إنتاج الثروة
ـ تعبئة الموارد المالية لضمان تمويل التدخلات، فضلا عن إطار جبائي جهوي خاص بغاية تحقيق الأهداف المرسومة من خلال إحداث صندوق خاص بتثمين القصور والقصبات .
ـ تثمين الموارد البشرية المحلية التي تعتبر إحدى ركائز التنمية الشاملة.
وأشارت الوزيرة، من جهة أخرى، إلى أن مجال الاستراتيجية المندمجة للتثمين المستدام للقصور والقصبات يهم 494 قصرا وقصبة مأهولة تتمركز بشكل رئيسي بالجنوب الشرقي للمملكة، وتأوي قرابة 170 ألف نسمة 90 بالمائة منها توجد بالعالم القروي. وقد قدرت التكلفة المالية لتحقيق الاهداف المرسومة في 5،3 مليارات درهم. وسيسمح تنزيل مضامين هذه الاستراتيجية التي ستتم على مرحلتين 2022 – 2026 و 2027 – 2030، من إحداث 530 ألف يوم عمل إلى جانب استثمارات غير مباشرة تناهز 10 مليارات درهم. كما سيسمح بإحداث 790 مشروعا مدرا للدخل باستثمار إجمالي قدره 180 مليون درهم، مع إحداث 4 آلاف منصب شغل مباشر.
واختتمت السيدة الوزيرة كلمتها بالإشارة إلى أن هذه الاستراتيجية تشكل فرصة حقيقية من أجل الرقي بالقصور والقصبات وجعلها قادرة على أن تشكل ركيزة من ركائز التنمية المحلية حيث أن التحدي الرئيسي لتفعيل مخرجاتها يتمثل في تعبئة كل الجهات الفاعلة المعنية بموضوع تثمين القصور والقصبات وتطوير مناطق الواحات.
كما قدمت الوزيرة تشكراتها للمشاركين في هذا اللقاء ولكل الشركاء الذين ساهموا في إخراج هذه الاستراتيجية خاصة برنامج الأمم المتحدة الإنمائي بالمغرب في شخص السيدة مارتن ترير وممثلي مختف القطاعات الوزارية وكذا السادة الولات والعمال والمنتخبين ومنظمات المجتمع المدني والسكان المحليين.