تعرف مدينة طنجة حاليا،عملية إعادة تأهيل كبرى، شملت معظم فضاءاتها العتيقة، ومعالمها الأثرية التي تؤرخ لرصيدها الحضاري المتوسطي والكوني عبر مختلف محطاتها التاريخية.
وقد خلَّفت هذه العملية ارتياحا عميقا لدى سكان هذه المدينة،بعد طول انتظار لمبادرة سامية تعيد الاعتبار لما كان مهددا بالنسيان والإهمال والتلاشي من فضاءات ومعالم،حيث رصدت اعتمادات مالية ضخمة تتوخى زرع بذور الجمال والبهاء،وإعادة التأهيل بكيفية شمولية لهذه المدينة التي يوليها صاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله أهمية قصوى.
والشكر موصول بهذه المناسبة،للسيد محمد مهيدية،والي جهة طنحة تطوان الحسيمة،على مواكبته الميدانية في قلب هذا الورش الضخم،لمعاينة تقنية دقيقة لكل الأعمال التي أنجزت لحد الآن أمام انبهار وإعجاب أبناء المدينة، والمقيمين بها، أو الوافدين عليها،حيث أصبحت تضاهي في بهائها ورونقها أجمل مدن حوض البحر الأبيض المتوسط.
ولا مناص من التوقف عند ترميم وإعادة تأهيل معلمة لها خصوصيتها، من بين معالم مدينة طنجة الشاهدة على ما عرفته من إشعاع حضاري في أزهى مراحلها التاريخية،ونعني بذلك “رياض الإنجليز” المتميز بخصته التي وصفها الدكتور رشيد العفاقي بقوله:
“أودُّ هنا أن أتكلم عن تلك الخصة الكائنة برياض الإنجليز،فوق التلة المشرفة على البلدة القديمة،فقد صممت على طراز الخصات الأندلسية،أنشأت في بداية العقد الثاني من القرن 20م،ويقوم حوضها المرمري على عمود من الرخام،نقشت بدائرته كتابة أعجمية تفيد أنها أنشئت بعد وفاة السير ريجنالد ليستر Sir Rginald Lister،تذكاراله.والسير ريجنالد المذكور عُيِّن مفوضا لبريطانيا بطنجة سنة 1908م،ولبث في هذا المنصب إلى غاية وفاته في طنجة سنة 1912م.وتحتضن الخصة من أعلاها قبة مرفوعة على أربعة أعمدة،جوانبها مثلثة،ومسقفة بألواح خشبية من الداخل،ومن الخارج بالقرميد الأخضر على شاكلة ما نراه في (صحن الريان) بقصر الحمراء بغرناطة،وعلى الرغم من أنها فقدت الكثير من أصالتها وجمالها،إلا أن بعض (حروف الزين) لا تزال بادية على محياها،من ذلك تلك الكتابة الموجودة على الشريط الخشبي للقبة،فقد نقش عليه هاذان البيتان من الشعر لشاعر من القيروان، هو خلف بن أحمد القيرواني :
ألا قل لسكان بيت الحمى هنيئا لكم في الجنان الخلود
أفيضوا علينا من الماء فيضا فنحن عطاش وأنتم ورود”.