بغير قليل من الحيرة والاندهاش وبين الخجل والاستغراب تابعنا جميعا في الآونة الأخيرة الأطوار المثيرة لهجرة جماعية ضمن طوابير بشرية ضخمة على شاكلة نزوح داخلي كما لو ان الأمر يتعلق بأزمة لاجئين يبحثون عن الخلاص.!! الهجرة التي نحن بصدد الحديث عنها تضم فئات واسعة من شباب وأطفال ونساء الوطن في اتجاه الثغر المحتل.. موجة من السخرية العارمة الممزوجة بانبهار كبير فوجئنا بها ونحن نتابع في نشرات الأخبار لقنوات فضائية وعبر مواقع التواصل الاجتماعي نقلت إلينا بكثير من الاستغراب والغموض والتناقض مشهد نزوح بشري غير مألوف.. ومهما اختلفنا حول أسباب ودوافع وحيثيات هذا النزوح الجماعي، فإن المشاهد والصور التي استأثرت بالاهتمام العام كانت معبرة، بل هناك ماهو أكثر تعبيرا منها في رحلة ضمت آلآف المغاربة توزعوا بين المشي والسباحة والتسلق..!؟ صور صادمة وكارثية توضح الكثير من المعاني والمقاصد.. تتناسل حولها الأفكار وتتزاحم في العقول بحثا عن جواب سريع يضع حدا لكل التأويلات والتساؤلات المطروحة.. صور صارخة لانجد نظيرا لها سوى في قاموس هجرات القادمين من تخوم وأدغال إفريقيا.. ومهما تعددت أساليب وصور وتفسيرات الهجرة المثيرة التي فوجئنا بها أياما قليلة بعد انتهاء شهر رمضان، فلا يمكن تحت أي ذريعة من الذرائع أن ندين جيشا بأكمله غالبيتهم شباب لا يتوفر على وسيلة لكسب لقمة العيش في وطنه..!؟
دعوني أقول لكم أن الهجرة التي انطلقت من مدينة الفنيدق الشمالية في ظروف استثنائية، أي في زمن الجائحة وبشكل جماعي بحثا عن الكرامة قبل لقمة العيش، إنما تحمل الحكومة مسؤولية سياستها وبرامجها واختياراتها اللامسؤولة؟! هي إدانة شعبية واسعة للبرامج الحكومية التي لم تحقق من النتائج ما يبعث على الأمل ويفتح آلافاق لهؤلاء المهاجرين الغاضبين..!؟ وعلى الحكومة، أمام هذه المؤشرات غير الإيجابية، أن تمعن النظر وتتأمل جيدا في مشهد هؤلاء النازحين علها تهتدي إلى الأسباب والدوافع والنتائج.. على الحكومة ان تقدم في ضوء قراءتها لأسباب المغامرة تقييما وتشخيصا واقعيا لسياستها في مجال التشغيل الذي يعتبر فشله جزءا من فشل التدبير الحكومي للشأن العام..؟! على الحكومة أن تقرأ في موسم حصادها القريب جدا نتائج وخلاصات سياستها المرتبكة في مكافحة البطالة؟! ولا يمكن تفسير الفشل إلا بكونه وجها من وجوه عجز الحكومة وعدم قدرتها على توفير فرص الشغل لأبنائها..!! فإشكالية التشغيل ومعضلة البطالة وجهان لعملة واحدة..!؟ وعلى الحكومة الحالية، على غرار باقي حكومات العالم التي تؤمن بقيم الديموقراطية والعدالة والشفافية، أن تقر وتعترف بفشل سياستها وعشوائية اختياراتها قبل انتهاء ولايتها!؟
ملف التشغيل الفارغ في الحكومة السابقة والحالية يطفو إلى السطح في هذه النازلة ويفرض نفسه بقوة، باعتباره أكثر المجالات أهمية وحيوية، إذ لم تتمكن الحكومة من النجاح في فك شفراته عبر إجراءات وسياسة وخطط واقعية كفيلة بإخراج البلاد من أزمة البطالة؟! وبسبب ذلك ازدادت الضغوط الاقتصادية والاجتماعية التي خلفت آثارا سلبية انعكست بشكل جلي على الوضعية الاقتصادية والاجتماعية وعلى الشباب المعطل بصفة عامة؟! وبالرغم من كل التفسيرات التي أحيطت بالهجرة الجماعية المبنية على خلفيات معينة لها علاقة بالتوتر المغربي الإسباني بعد استقبال هذا الأخير لزعيم مليشيات البوليساريو بجواز سفر وهوية مزورة.. بالرغم من كل التأويلات دعونا نقول الحقيقة ولاشيء غير الحقيقة لنؤكد على أن ليس للوضعية الحالية إلا وجه واحد، وأن ما يزيد على أربع سنوات ونصف من عمر الحكومة برزت فيها الصورة بشكل أوضح للمواطن المغربي.. مضمونها تردي الوضع الاقتصادي.. واستفحال البطالة.. واتساع دائرة الفقر.. والتسول.. والانحراف الاجتماعي وغياب العدالة الاجتماعية.. وازدياد هموم الشباب.. إلى جانب انتشار ظواهر اجتماعية موغلة في السلبية، تطرقنا إلى الكثير منها بغير قليل من التفصيل في سلسلة مقالات ومواضيع تم نشرها في وقت سابق..
ننهي كلامنا بالقول إن الصورة التي وضعَنا فيها الإعلام الدولي على خلفية الواقعة غنية عن كل تعليق وتأويل وتفسير.. وهجرة الشباب الجماعية بأسبابها ودوافعها وحيثياتها هي نتاج سياسة واختيارات لاتجيب على انتظارات المواطنين ولاتستجيب إطلاقا لتطلعاتهم وآمالهم في العيش الكريم.. وقريبا جدا، أي بعد أقل من أربعة أشهر، سترحل الحكومة غير المأسوف عنها كما رحلت سالفتها وتترك الجمل بما حمل.. ونهاية الحكاية هي بداية لحكاية جديدة.
إدريس كردود