تصوروا أن بالمغرب، رجالٌ يعنفون في بيت الأسرة، من طرف زوجاتهم، بطبيعة الحال، ليس معنى ذلك أن مثل هذه الحالات لا تحصل، ولكنها، إن حصلت، فلا تكون إلا ضعفا عاطفيا، أو من باب الغيرة التي هي تعبير إنساني عن الحب. وإذا خرج الأمر عن هذا النطاق، وجب البحث في أسباب هذه الحالة التي يمكن أن تكون حالة مرضية، لأن الزوجة، عادة، شديدة الارتباط بعشها وزواجها وأولادها وتقاليد المجتمع الذي توجد به، درجة تحملها للكثير من أذي الزوج مقابل استمرار الارتباط الأسري.
مندوب التخطيط، الذي غالبا ما تتعرض تقاريره في شتى مجالات الحياة العامة، لانتقادات حادة من طرف المعنيين بتلك التقارير، وأيضا من طرف بعض وزراء الحكومة والمنظمات السياسة والمهنية، طلع مؤخرا بتقرير حول العنف الذي يتعرض له الرجال بالمغرب. وجاء ببيانات أراد بها إقناع من هم بحاجة لاقتناع، بأن أزيد من نصف رجال المغرب “على الأقل“، تعرضوا للعنف سواء بالمناطق الحضرية أو القروية وأن العنف ينتشر بين الشباب والكهول والشيوخ عزابا ومتزوجين، على أن يبقى بيت الزوجية وكرا للعنف من طرف الزوجة، أو الزوجة السابقة،
أو الخطيبة، أو الصاحبة، وذلك بنسبة 31 بالمائة.
تقرير المندوب الحليمي عن العنف ضد الرجال، جاء بعد تقرير سابق عن العنف ضد النساء بالمغرب، ما يدعو للريبة في الغاية من هذا التقرير الذي نددت به منظمات نسائية وازنة، منها “فيدرالية رابطة حقوق النساء” التي نددت بتقرير مندوبية الحليمي حول ارتفاع معدلات العنف الزوجي وعبرت عن استيائها من نتائج هذا التقرير الذي أهم عينة مكونة من 3000 رجل، صرحوا بتعرضهم لنوع من أنواع العنف على يد الشريكة، وتساءلت عن سبب قيام المندوبية بهذا التحقيق خلال فترة الجائحة التي ذاقت فيها النساء الأمرين على امتداد دول العالم. تسببت في الكثير من المتاعب للنساء، ليس فقط بالمغرب، بل وأيضا، عبرالعالم.
وانتقدت الفيدرالية أسلوب هذه الدراسة، ومدى احترامها لمعايير ومنهجية البحث العلمي في صياغتها وقيامها على مفاهيم عنف النوع المبني على الجنس الذي يستهدف أساسا النساء والقائم على الهيمنة الذكورية، وعلاقات النوع في المنظومة العائلية وعلى المكانة الدونية للمرأة في شتى المجالات.
واعتبرت الفيدرالية أن هذه الدراسة تنم عن خلل كبير على مستوى المفاهيم والمنهجية وعدم وضوح الرؤية في تعريف العنف المبني على أساس النوع “الذي يعتبر انتهاكا لحقوق الأنسان وحرمانا تعسفيا للنساء من التمتع بحرياتهن الأساسية” !
كما اعتبرت أن تسجيل بعض مظاهر الخلافات والنزاعات التي تقع داخل
بيت الزوجية ، سوء من باب الغيرة أو الغضب،في خانة العنف الممارس على الرجل، ينم عن خلط واضح في مفاهيم الدراسة المنهجية المعتمدة من المندوبية.
من جهتها عبرت الجمعية المغربية لنساء المغرب، وهي مؤسسة استشارية معتمدة لدى المجلس الاقتصادي والاجتماعي للأمم المتحدة، عن انزعاجها الكبير من تقرير مندوبية التخطيط حول انتشار ظاهرة العنف ضد الرجال بالمغرب “جعلت هذه الظاهرة متقاربة مع العنف الذي تتعرض له النساء“، وهو أمر غير مقبول علميا ومنهجيا، لأن العنف الممارس ضد النساء هو انتهاك لحقوق الأنسان وتمييز على أساس الجنس واعتداء على حرية وكرامة النساء. واعتبرت الجمعية أن نتائج دراسة مندوبية التخطيط “تجعل المغرب “استثناء عالميا“، حيث إن انتشار العنف ضد الرجال “مشابه أو ربما يتجاوز العنف الذي تتعرض له النساء !
واعتبرت الجمعية أن ما وضعته المندوبية في خانة العنف ضد الرجال داخل بيت الزوجية إنما هي حالات مجتمعية مرتبطة بعلاقات الأزواج العادية من غضب أو خصومة أوغيرة. وهي حالات عادية داخل بيت الأسرة، لا يمكن اعتبارها نوعا من أنواع العنف ضد الرجال.
سمية أمغار