بالنسبة للمرأة، ماذا يعني تاريخ 8 مارس، وما دلالته المجتمعية؟
تحتفي المرأة بيومها العالمي في يوم 8 مارس من كل عام، وهو يوم له رمزيّة خاصّة في جميع دول العالم وفي وجدان المغاربة خاصة، وهو يوم مرتبط بذلك الامتنان الذي يعبّر عنه المجتمع بجميع تلاوينه للمرأة على تضحياتها الجسيمة وعطاءاتها اللامحدودة، سواءا من داخل البيت، أو في قلب العَمل، أوفي أي واجهة أخرى من واجهات النبل.
وهوكذلك، مناسبة سَنويّة يتجدّد فيها النّقاش حول قضايا المرأة وهمومها وتطلعّاتها، وهي فرصَة استثنائيّة لتثمين مُكتسباتها، وتجديد الهمّة والوعي من أجل المضي في سَبيل تحقيق أهدافها وآمالها.
كيف ترين وضعية المرأة المغربية في المجتمع ؟
أعتقد أن المرأة المغربيّة تحررت إلى حدّ بعيد من عقدة الضحيّة، فلم تعد تعيش في الهامش، لقَد أصبحت تستوعب إلى حد بعيد أدوارها المركزيّة داخل المجتمع، بل أصبحت منخرطة في هذه الأدوار تفكيرا وممارسة، حيث أصبحت المرأة تلعب أدوارا قياديّة ورياديّة على مختلف واجهات المجتمع، السياسية والاجتماعيّة والاقتصادية والثقافية والدينية، بل تقدمت على مثيلاتها في الكثير من الدول العربية والإسلامية، وهذه الإنجازات التي حققتها في مختلف الميادين لم تأت من فراغ بطبيعة الحال وإنما بفضل الدور الرائد والمتميز للإرادة الملكية الرشيدة من أجل إشراك المرأة في ورش التنمية الذي اختارته بلادنا منذ سنوات.
هناك دعوات عدة تدعوإلى تحصين مكتسبات المرأة المغربية، وتفعيل مقتضيات دستور 2011 لتحقيق المساواة، فما هي المكتسبات التي ضمنها هذا الدستور للمرأة؟
أعتقد كما يعتقد بذلك العديد من المُشتغلين في الشأن الأسري ببلادنا، أن دستور 2011 يعتبر خطوة استثنائيّة جريئة في اتجاه تكريس حقوق المرأة على مختلف الواجهات، فالفصل 19 ينصّ بشكل صريح على المساواة بين الرجل والمرأة في كل الحقوق المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية ومنع جميع أشكال التمييز القائمة على الجنس، غير أن هذه المساواة لا يمكُن أخذها هكذا بإطلاق دون مراعاة خصوصيات دستورية أخرى. كما أنها بحاجة إلى حملات تحسيسية لتهيئة وعي جديد يقطع مع النّظرة الدونية للمرأة التي تختزل المرأة في أدوار مَحدودة.
مازالت المرأة في البادية تعاني من التخلف والأعباء الشاقة التي لايشاطرها الرجل أحمالها، فكيف الخروج من هذه الوضعية في ظل انعدام تربية إنسانية وتعليم مواكب؟
أشكركُ على هذا السؤال، هذه إحدى الواجهات الكبرى التي ينبغي أن يتم فتح أوراش إصلاحية عميقة بشأنها، فالمرأة القرويّة تقاوم ما بين سندان الظروف القاسيّة ومطرقة الجهل وانعدام التعليم، لكن في نفس الوقت ينبغي أن نسجل هنا تحسنا ملحوظا فيما يتعلق بوعي نساء العالم القروي في السنوات الأخيرة، فالمرأة القروية حاليا دخلت ميدان التدافع السياسي وتمكنت من فرض وجودها داخل المكاتب الجماعية المنتخبة، بل منهن من تقلد منصب الرئاسة لتدبير الشؤون المحلية لجماعتهن.
تشبه بعض الجمعيات النسائية الحركة النسائية للانعتاق من قيود الهيمنة وكأنها حرب بين الرجال والنساء، فما رأيكم؟
أعتقد أنه يجب علينا التحرر من تقديم معركة تحرير المرأة وكأنها حربُ ضد الرجال، ففي ديننا الحنيف والحمد لله المرأة مكرمة في موقعها والرجل مكرم في موقعه وبينهما علاقة تكاملية مبنية على الود والاحترام والمعاشرة بالمعروف من أجل تقاسم المسؤولية والنهوض معا بتنمية المجتمع. فهناك بون شاسع بين التشريع الإسلامي كمفهوم وبين مجموعة من الأعراف والتقاليد والتي تحتكم في كثير من الأحيان إلى التربية الذكورية في المجتمع والتي أثرت على العديد من الذهنيات. فالمعركة هنا في اعتقادي هي معركة ضد وعي لا يستوعب الدور الحقيقي للمرأة، وقد لا يكون الرّجل وحده من يحمل هذا الفكر، قد تكون المرأة نفسها من يقف هذا الموقف ويعزز من هذا الوضع.
بين المرأة في الغرب والمرأة في الشرق بون شاسع من الحقوق والواجبات والأوضاع، فهل ستصل المرأة المغربية إلى مستوى المرأة الغربية رغم السلبيات التي تطبع حياة وواقع وسلوكات المرأة الغربية؟
إلى عهد قريب من التاريخ، كانت وضعيّة المرأة الغربيّة أسوأ بكثير مما هي عليه وضعية المرأة في أكثر البلدان تخلفا في العالم العربي، لكن مع وجود الإرادة وانخراط الجميع في مسلسل التحديث، انتقلت وضعية المرأة الغربية بشكل متدرج، إلى أن أصبحت مضرب الأمثال في المرأة التي تتمتع بأكثر الحقوق في مجتمعاتها، أعتقد أن المرأة المغربيّة قد تجاوزت وضعها الأسوء، وسارت تبحث عن الأفضل، ووضعها اليوم داخل مجتمعها أفضل بكثير من وضع نساء أخريات في مجتمعات أخرى، وهذا راجع بالأساس كما أشرت سلفا إلى الإرادة الملكية السامية من أجل إشراك المرأة في ورش التنمية الذي اختارته بلادنا منذ سنوات.
يحتفل العالم في 8 مارس بعيد المرأة، فهل يتذكر المغاربة المرأة مرة كل عام، لينتهي بهم الأمر إلى الاعتراف بأن أوضاعها ليست على ما يرام، وأن حقوقها الإنسانية ليست مكفولة بشكل كامل، وليطالبوا بإنصاف المرأة؟
هذا ليس صحيحا، إنها فرصة استثنائيّة للتأكيد على أن المرأة رقم لا يمكن تجاوزه، فهو احتفاء بالمرأة على تعدد دلالاته بالنسبة لشتى أطياف المجتمع وما تجسده المرأة في وجدانهم من رمزية خاصة، وهو وقفة تأمل لتثمين المكتسبات وتجديد السّعي نحو آمال وطموحات جديدة.
بالنسبة للوضع القانوني للمرأة المغربية، هل هو لصالح المرأة؟ أو بعبارة أخرى، هل أنصفت القوانين المغربية المرأة ؟
لا شك أن المشرّع المغربي أصبح يولي أهميّة بالغة ومركزيّة للمرأة في الأجندة التشريعية على جميع الأصعدة، وبفضل ذلك، حققت المرأة المغربية عددا من المكتسبات على الصّعيد القانوني، وتغيرت نتيجة لذلك وضعيتها داخل المجتمع، حيث أصبح لها وجود فعلي وقانوني مشروع في ميادين سياسية واقتصادية واجتماعية وثقافية..
فمدونة الأسرة، التي تعتبر أهم ما تحقق في مجال إصلاح أوضاع المرأة، أتت بقواعد كثيرة حققت آمال قطاع عريض من النساء، حيث تبنت صياغة قانونية حديثة بدل المفاهيم التي تمس بكرامة وإنسانية المرأة، وجعلت مسؤولية الأسرة تحت رعاية الزوجين. كما جعلت الولاية حقا للمرأة الرشيدة، تمارسه حسب اختيارها ومصلحتها، كما قامت بمساواة المرأة بالرجل بالنسبة لسن الزواج، بتوحيده في ثمان عشرة سنة، كما قامت بتقييد التعدد بحيث لا يأذن القاضي بالتعدد إلا إذا تأكد من إمكانية الزوج في توفير العدل على قدم المساواة مع الزوجة الأولى وأبنائها في جميع جوانب الحياة، بالإضافة إلى توفر الزوج على المبرر الموضوعي الاستثنائي للتعدد، كما أعطت للمرأة الحق في أن تشترط في العقد على زوجها عدم التزوج عليها باعتبار ذلك حقا لها، وجعلت الطلاق حلا لميثاق الزوجية يمارس من قبل الزوج والزوجة كل حسب شروطه الشرعية تحت مراقبة القضاء، وذلك بتقييد الممارسة التعسفية للرجل في الطلاق، كما وسعت من حق المرأة في طلب التطليق، لإخلال الزوج بشرط من شروط عقد الزواج، أوللإضرار بالزوجة مثل عدم الانفاق أوالهجر أوالعنف، وغيرها من مظاهر الضرر، بالاضافة الى الحفاظ على حقوق الطفل بإدراج مقتضيات الاتفاقيات الدولية، التي صادق عليها المغرب، وضمان مصلحة الطفل في الحضانة، بالإضافة إلى إقرار حماية حق الطفل في النسب، كما جاءت بمقتضيات مهمة فيما يتعلق بتدبير الاموال المشتركة بين الزوجين.
كما جاء دستور 2011 بمنظور جديد للتعامل مع المرأة حيث قام بتكريس مبدأ المناصفة بين الرجال والنساء، وتبعا لذلك، إحداث هيأة المناصفة ومكافحة كل أشكال التمييز، كما تم التنصيص في كثير من الفصول على التمييز الإيجابي لصالح النساء في مجال الولوج إلى الوظائف العمومية والمشاركة في الحياة الإقتصادية والثقافية والإجتماعية، كما أصبح للمرأة الحق في تقديم اقتراحات في مجال التشريع وتقديم عرائض إلى السلطات العمومية ويحق لها أيضا، على غرار الرجل المغربي، سن القوانين، ومبدأ حماية الحقوق والمصالح المشروعة للمواطنين والمواطنات بالخارج، كما يحق للمواطنين والمواطنات المغاربة المقيمين بالخارج المشاركة في الحياة السياسية عبر التصويت والترشح.
كما ينص القانون على مقتضيات من شأنها تشجيع تكافؤ الفرص بين النساء والرجال في ولوج الوظائف الانتخابية إلى غير ذلك من المكتسبات المتقدمة.
أما بالنسبة للتشريع الجنائي المغربي، فقد منع جميع صور الإساءة والعنف ضد المرأة من خلال المقتضيات الموضوعية أوالمسطرية التي تتضمنها القوانين الجنائية المغربية والتي تعززت بصدور العديد من القوانين الخاصة كقانون مكافحة الاتجار بالبشر والقانون المنظم للعمل المنزلي وقد توج ذلك صدور القانون رقم 103-13، وهو من أهم النصوص في الترسانة القانونية المغربية لمحاربة ظاهرة العنف ضد النساء وذلك لتبنيه مقاربة حقوقية وليست زجرية فحسب، وهوقانون بُني على أربعة أبعاد وفق معايير دولية وهي البعد الوقائي والحمائي والزجري والتكفلي.
أخيرا ومن هذا المنبر، ماهي الرسالة التي توجهينها للإعلام عموما لتغيير الصورة النمطية للمرأة؟
إن الصورة النمطية التي تقدمها بعض وسائل الإعلام عن المرأة المغربية تُوقع المتلقي في حيرة كبيرة بين خطاب يدعوإلى مشاركة المرأة في النهوض بالمجتمع وولوج مراكز القرار، وصور إعلانية نمطية تكرس تشييئ ودونية المرأة المغربية.
هذا، مع العلم أننا نتوفر على ميثاق وطني لتحسين صورة المرأة في الإعلام صدر منذ سنوات «ترتكز فلسفته على التعامل مع المرأة ككيان له دوره ومكانته ووظيفته واستقلاليته وليس كجسد أوسلعة أو أداة. من هنا كان من الواجب اليوم العمل على تصحيح تلك الصورة النمطية والسعي إلى تكريس صورة متكاملة عن المرأة المغربية المدركة لحقوقها وواجباتها، والمساهمة في تنمية وطنها، مع وضع ميثاق أخلاقي يحدد مكانة المرأة المغربية ويمنع استغلالها، لأن رسالة الإعلام السمعي البصري لا تقوم على مطلب التسلية والترفيه، وهدر الوقت، بل هي رسالة تربوية حضارية في المقام الأول.
وإذا كانت هناك تجارب ناجحة قدمت صورة مشرقة للمرأة المغربية في بعض القنوات الوطنية ووسائل الإعلام المكتوبة أوالالكترونية، فلا يمكن أن نعتبر ذلك كافيا لمواجهة تحديات الثورة التكنولوجية في زمن «فوضى الفضائيات»، لاسيما أن مواجهة هذه التحديات مرتبط بتقديم عرض إعلامي تنافسي يواجه الغزوالذي يقدم من قبل قنوات تجارية خارجية تعمل على تكريس هذه الصور النمطية السلبية، ويصحح في نفس الوقت صورة المرأة المغربية في الخارج.
كلمة أخيرة :
وفي الختام أتقدم بشكر جزيل لجريدة طنجة على هذا الحوار وأقول بأن الحديث عن حقوق المرأة وتعزيز أدوارها المختلفة يرتبط ارتباطاً مباشراً بتنمية قدراتها، والارتقاء بمستواها العلمي المعرفي، وتهيئة المناخ العام لتأمين إسهامها إسهاماً حقيقياً في كل ميادين التنمية. وفي اعتقادي أنها مسؤولية يقع عبء الاضطلاع بها أولا على المرأة نفسها التي عليها أولا الثقة في قدراتها وتجديد السعي نحوآمال وطموحات جديدة .