وإذا كنا كذلك لانتوفر على أرقام وبيانات إحصائية حول عدد الخاضعين للعلاج بمراكز الإدمان، فالمؤكد أن آفة المخدرات خلقت جيشا من المدمنين الشباب في طول البلاد وعرضها لم تنفع حملات التحسيس والتوعية رغم محدوديتها ولا وسائل الإعلام المختلفة ولا الفاعلين في الحقل الجمعوي المدني ولا مراكز معالجة الإدمان في الحد من انتشار هذه المشكلة المدمرة لعقول وطاقات الشباب..! غير أن تداعيات ومضاعفات هذه الحالة المفتوحة على كل الاحتمالات تجرنا إلى إماطة اللثام عن ظاهرة أشد خطورة وأشد جرما من الأولى على اعتبار العلاقة القائمة بين المشكلتين -المخدرات والجريمة.. الاسوأ والأعظم بلاء أن ظاهرة التعاطي لكل الموبقات من مخدرات وسلوكات شاذة ومحرمة تبرز جليا خلال شهر رمضان الذي يتحول فيه المدمن إلى مجرم..! ولا أتصور أن هناك خطرا يهدد سلامة وأمن واستقرار المجتمع كما تفعله المخدرات والجريمة.. وعلى سبيل الذكر فإن شهر رمضان من كل سنة تسقط فيه الأرواح وتسفك فيه الدماء بسبب نقص في جرعة المخدر التي يحتاج إليها مخ وجسم المدمن فينتج عن هذه الموبقات القتل في أبشع صوره وفي واضحة النهار بالأحياء الشعبية على وجه التحديد، وهو أمر مرعب جدا ويطرح أكثر من سؤال: إلى أين نسير وما السبيل إلى وضع حد لكل صور القتل البشعة..؟! لانجد تفسيرا لمشهد الاعتداءات بالسيوف والأسلحة البيضاء وظهور عصابات إجرامية تبتز المواطنين بالقوة وتعتدي على أرواح الناس وممتلكاتهم وتعرض حياتهم للخطر..!؟ جرائم خطيرة أبطالها مجرمون محترفون وحشاشون ضالعون في عالم المخدرات والموبقات وما يتبع ذلك من جرائم قتل فضيعة ظلما وعدوانا، مسرحها أحياء وهوامش المدن.. وبمدينة طنجة على وجه الخصوص؟! بالتاكيد فإن الأمر بهذا المستوى من الخطورة يطرح الكثير من التساؤلات تستدعي تدخلات عاجلة لا تحتمل الانتظار حماية للمجتمع من كل أنواع الانحراف المهدد للاستقرار..!!
دعوني أقول لكم أن انتشار ظاهرة إدمان المخدرات بوتيرة تصاعدية في صفوف الشباب والمراهقين في الأحياء المذكورة وما يترتب عن هذه الآفة من آثار سلبية، نفسيا وصحيا واجتماعيا، تحدث في ظل انفلات أمني عاجز عن احتواء الظاهرة رغم كل الجهود المبذولة أمنيا لإيقاف المجرمين والتصدي لانحرافاتهم، وإن كان الأمر يتجاوز الأجهزة الأمنية، لكون الحد من هذه المعضلة تتطلب مقاربات تهم أطرافا وجهات مختلفة معنية بالنازلة.. المؤكد أن مسلسل القتل لن يتوقف إلا إذا توقف الإدمان، ولن يتوقف الإدمان إلا بالوقوف الجاد والحازم على حزمة إجراءات كفيلة بإيجاد حلول سريعة وناجعة لمعضلة البطالة التي يعاني منها الشباب ضمن باقي فئات واسعة من المجتمع.. فالقاتل لا يختار ضحاياه، بل يمارس هواية أو لعبة القتل لسبب يبدو بسيطا وتافها قد تكون فيه أنت أو غيرك مقتولا إلى الأبد.. على الواجهة الأخرى هناك ضحايا من الأطفال يتربص بهم من أجل اغتصابهم وفي كثير من الأحيان يتم قتلهم بلا رحمة ولا شفقة، كما حدث بطنجة وفي غيرها من المدن.. الفاعلون هم مجرمون منحرفون ناقمون على المجتمع يعيشون بيننا، لا نراقب تحركاتهم ولا تعكس مظاهرهم ماتخفي صدورهم ونواياهم، بينما هم يتحينون الفرص لتنفيذ جرائمهم البشعة بطرق وحشية، وبعدها نهتز لهول ما يحدث، لكن بعد وقوع المصيبة! ومهما تكن الأسباب والمسببات والظروف الاجتماعية لهؤلاء المتهورين القاتلين بلارحمة ولاشفقة بسبب انسداد الآفاق أمامهم..
مهما يكن من أمر، فإن الحكومة مطالبة بتحمل مسؤولياتها والعمل بجدية على إيجاد الحلول الاستعجالية لمثل هذه الآفات قبل أن يتفاقم الوضع ويصبح كل مواطن يخرج من بيته حاملا معه سيفا أو سلاحا أبيضا للدفاع المشروع عن نفسه وأبناءه..!! هذه اللامبالاة التي تنهجها الحكومة في تعاملها مع ظاهرة «الجريمة والاعتداءات على المواطنين ظلما وعدوانا» ليست سياسة حكيمة ولاعقلانية، هي فقط سياسة «وقف حمار الشيخ في العقبة» التي واكبنا تفاصيلها ومهازلها على عهد الحكومة السابقة التي رسمت سياسة خاطئة في الكثير من المجالات، وأبانت عن عجزها الواضح في وضع حد لاختلالات المجتمع الاقتصادية والاجتماعية والأمنية وفي عهدها -أي الحكومة السابقة استفحلت مجموعة من الظواهر الاجتماعية بشكل مازال يثير -إلى الآن- الكثير من القلق والمخاوف وعدم الارتياح. وبعيدا عن كل مقاربة أمنية، لابد من تظافر جهود الجميع وفي طليعة الجميع الجهاز الحكومي الذي يتحمل مسؤولية الخروج من نفق الأزمة الاقتصادية المفتوحة على كل الاحتمالات قبل أن تتفاقم هذه الأزمة وتدخل في عنق الزجاجة.. ولن نجد عندئذ المخاطب الحكومي المسؤول بشكل أساسي بعد أن يتوارى عن الأنظار هو وجيشه من الوزراء شأنهم في ذلك شأن الوزراء السابقين منذ استقلال البلد إلى الآن..؟
وبالأمس فقط رحلت حكومة عبد الإله بن كيران التي كانت تدبر الشأن العام ولم تجد أمامها لحظة خروجها من الحكم لا مسؤولا ولا محاسبا!! السؤال أكرمنا وأكرمكم الله من يشرح للمغاربة مفهوم «ربط المسؤولية بالمحاسبة» مسؤولية من؟؟ ومحاسبة من؟؟
إدريس كردود