من إيجابيات الديمقراطية المغربية أنها تتطور وفق تطور المجتمع والرغبة الوطنية في تحديث الأنظمة الانتخابية، حتى تساير المد الإيديولوجي للفكر السياسي المغربي وتستجيب لمنطق التطور الحاصل في الأنظمة الديمقراطية المعتمدة، عالميا.
وهكذا، وبعد مشاورات اتسمت أحيانا بالحدة، التي باشرتها وزارة الداخلية مع الأحزاب السياسية الممثلة بالبرلمان، والتي توقفت منذ أكتوبر الماضي، بسبب تباين المواقف بخصوص قضايا اعتبرتها هذه الأحزاب أساسية، كالقاسم الانتخابي الذي على أساسه توزع المقاعد البرلمانية، بعد الاقتراع، ولائحتي النساء والشباب، ومشاركة مغاربة العالم، صادق المجلس الوزاري على أربعة مشاريع قوانين منظمة للانتخابات التشريعية والمحلية والجهوية المقبلة، تهدف إلى تأطير العمليات الانتخابية المزمع تنظيمها قبل نهاية السنة الحالية.
وحسب بيان الديوان الملكي، فإن مشاريع القوانين الأربعة تهدف إلى “تطوير قواعد النظام الانتخابي، وتقوية الضمانات الانتخابية، وضبط قواعد استفادة الأحزاب السياسية من الدعم المالي العمومي، وتعزيز الشفافية المالية للحملات الانتخابية للمرشحين“.
ولعل من أهم التعديلات المقترحة في هذا الباب ، مقترح شطر اللائحة الوطنية للنساء شطرين، لائحة وطنية تتضمن ستين مقعدا للنساء ولائحة جهوية تتضمن ثلاثين مقعدا للشباب. وكانت لائحة الشباب من المواضيع الشائكة التي واجهت الأحزاب السياسية، بين المطالبين بإلغائها واعتبارها نوعا من الريع السياسي، لكونها لا تخضع للمفاهيم الدستورية بخصوص انتخاب ممثلي الشعب بالبرلمان، خاصة وبعض القيادات الحزبية استغلتها لفرض عناصر من المقربين، أبناء أو زوجات على هذه اللائحة، وبين من اعتبرها ألية للدفع بالشباب للمساهمة في العمل النيابي والرفع من جودته، في غياب تبن حزبي للشباب والدفع بهم إلى الواجهة السياسية ليحتلوا المكانة التي يستحقون في برلمان بلد جل سكانه من الشباب وجل قياداته الحزبية من “المتهالكة أهواؤهم” وقدراتهم على الإبداع، خارج “المشاكسات” السياسية التي ملها المواطنون ومناضلو تلك الأحزاب بوجه خاص !,
ومن بين أهم التعديلات المقترحة، التنصيص على حالة “التنافي” بين صفة نائب أو مستشار بالبرلمان ورئاسة مجالس الجماعات التي يفوق عدد سكانها ثلاثمائة ألف نسمة. وهو مقترح جيد للغاية، لأن وجود برلماني متحزب على رأس بلديات كبرى بإمكانيات مادية ومعنوية هائلة، لا يضمن التدبير الجيد لشؤون البلدية كما لا يضمن قيام “النائب البرلماني – العمدة“، بمهامه كممثل للأمة. ثمّ إنه لا يوجد من يضمن عدم تسخير “النائب – العمدة” لإمكانيات بلديته لخدمة أغراض سياسيه للحزب الذي ينتمي إليه، وهو ما حصل بالفعل، وتوجد متابعات قضائية بهذا الخصوص.
وعلى مستوى مجلس المستشارين حافظت التعديلات المقترحة على حق المنظمات المهنية للمشغلين الأكثر تمثيلية في فريق عمل برلماني خاص.
أما مجالس الجماعات المحلية، فإن أبرز التعديلات المقترحة تهم ضبط مسطرة الترشح لمجالس العمالات والأقاليم مع ضمانة تخصيص ثلث المقاعد للنساء في كل عمالة أو إقليم، والرفع من عدد المقاعد المخصصة للنساء في المجالس الجماعية الخاضعة لنمط الاقتراع باللائحة ، من خلال الرفع من عدد سكان تلك الجماعات من 35 إلى 50 ألف نسمة.
التعديلات المقترحة على القانون التنظيمي للانتخابات، أخذت أيضا بعين الاعتبار مطالب الأحزاب السياسية بالرفع من الدعم العمومي الذي تتوصل به سنويا، من أجل التخفيف من “ثقل مسؤولياتها المالية في تحمل أعباء تنظيم وتأطير المواطنين“، واقترحت الرفع من مبلغ هذا الدعم لتمكينها من تحسين أدائها واستقطاب كفاءات شابة للعمل بداخلها في مجالات التفكير والتحليل والتنظير.
ولعل من بين أهم التعديلات المقترحة على القانون التنظيمي للانتخابات، تعديلات تهم تخليق العمل النيابي عبر محاربة ما تسميه الأحزاب السياسية بعملية “الترحال” بحيث ينص المشروع على تجريد كل برلماني من صفة العضوية بالبرلمان إذا ما تخلى خلال مدة انتدابه على الانتماء إلى الحزب السياسي الذي ترشح باسمه أو عن الفريق أو المجموعة النيابية التي ينتمي إليها، بحيث صار في إمكان الحزب الذي ترشح باسمه تقديم ملتمس إلى رئيس مجلس النواب أو مجلس المستشارين بشأن إحالة طلب التجريد إلى المحكمة الدستورية.
وبطبيعة الحال، فإن التعديلات المقترحة على القانون التنظيمي للانتخابات لن تكون نهائية إلا بعد مصادقة البرلمان عليها، وهي عملية لا يبدو أنها ستكون سهلة، بعد أن تسربت مجموعة من الملاحظات والمآخذ عليها، من داخل الأحزاب ذاتها أو من طرف المتتبعين، بخصوص القضايا “الكبرى” التي كانت موضوع خلافات بين الأحزاب، وأثارت الكثير من الجدل داخل تلك الأحزاب التي ستواجه قضايا “شائكة” خلال زمن مناقشة التعديلات المقترحة على قانون الانتخابات، من باب مقاربة النتائج أو حساب المقاعد ، خارج النقاش السياسي بخصوص العروض السياسية لهذه الأحزاب التي تشتغل على منطق “الربح“، ربح الأصوات والمقاعد، خارج كل نقاش سياسي عميق بشأن تصورات قياداتها ومنظريها بخصوص عمل الولاية المقبلة التي يأمل الشعب أن تكون “فارقة” ومؤسسة لمرحلة سياسية جديدة يستعيد الشعب خلالها ثقته في السياسة ويتصالح مع السياسيين ويسترجع تفاؤله بحكومة قادرة على صنع الأمل داخل نفوس أتعبتها الوعود والتصريحات “العنترية” التي سرعان ما تتبخر في الهواء… ويبقى الأمل. الذي لا يمكن للإنسان أن يعيش بدونه، وحيث ما توجد حياة، فإن هناك أمل وتفاؤل…!
فلننتظر، إذا، جلسات مناقشة تلك التعديلات التي صادق عليها المجلس الوزاري بفاس، لنستبين معالم الخارطة السياسية للولاية التشريعية المقبلة، سواء على مستوى مجلسي البرلمان، أو مجالس الجهة، أو المجالس البلدية، أو مجالس العمالات والأقاليم أو الغرف المهنية، التي ستفرزها الانتخابات العامة القبلة، التي سيدعى إليها الشعب المغربي قبل نهاية العام الحال.
عزيز كنوني