هل كان الغصب الشعبي في مدينة الفنيدق عفويا أو متوقعا؟
كل القرائن تدل على أنه كان متوقعا، وبإلحاح، نظرا لأمرين اثنين أولهما عدم وفاء الحكومة بالتزاماتها إزاء سكان هذه المدينة فيما يخص تدارك الأزمة الاقتصادية الناتجة عن قرار إغلاق معبر باب سبتة في ديسمبر 2019،
الأمر الثاني تعثر “المشروع “البديل” الذي أعلنته الحكومة والمتعلق بإنشاء “منطقة تجارية حرة” بهذه المدينة لاستيعاب نشاط “التهريب” وخلق فرص شغل جديدة وقارة لفائدة أهل “كاسطييخوس” ومناطق الجوار، ليتبخر المشروع الذي كان يرجى منه منافسة سلع مدينة سبتة التي هي بالكامل منطقة تجارية حرة، ويتحول إلى “منطقة الأنشطة الاقتصادية” ويسجل تأخيرات متتالية في الإنجاز، درجة اعتقاد الجميع أنه كان فقط للتمويه. بينما تحدثت بعض الأوساط عن “مناورات” تمت بشأن التعاطي مع منح البقع للمستفيدين ، الأمر الذي دفع، كما علم، إلى إرسال لجنة تحقيق في الموضوع,
وحتى يتم “تدارك” الوضع، توقفت بالكامل حركة النشاط التجاري بالمدينة، التي تفتقر إلى كل مقومات الحياة، خارج نشاط التهريب ، فلا فلاحة ولا صناعة ولا حتي بنية تحتية وفوقية توفر شروط الحياة لأهل المدينة.
وهكذا التحقت مدينة الفنيدق بــ “الحراكات” الشعبية التي شهدتها جهات أخرى في المغرب، منذ 2016، في منطقة الريف، وجرادة وتنغير وزاكورة وخريبكة وآسفي وغيرها، تحركات كانت لا تخرج عن التنديد بالتهميش واللامبالاة، والمطالبة بالتنمية وتوفير الخدمات الاجتماعية من تعليم وصحة وشغل وكرامة !
وإذا كان المغاربة عامة وسكان الفنيدق بوجه خاص، لا يعترضون على إغلاق معبر “طاراخال” لما يتسبب فيه ما يسمى بـ “التهريب المعيشي” من خسارات كبيرة للاقتصاد الوطني، فإنهم لا يطالبون بأكثر من مشروع بديل يمكنهم من الحصول على رزقهم اليومي الذي ضاع مع قرار الإغلاق.
والحال أن سكان “كاسطييخوس” لا مسؤولية لهم في وجود هذا التهريب الذي استفاد منه تجار درب عمر بالبيضاء و “دروب عمر” في مدن أخرى، أكثر مما استفاد منه “تجار” الفنيدق الذين كان دورهم يقتصر على “الوساطة” و“حمل” السلع السبتاوية إلى الحيتان الكبار بجهات مختلفة من المغرب، غالبا على ظهر نساء دفعتهم الحاجة إلى حمل رزمات من تلك السلع على ظهورهن ، يعبرن بها “شريط ” “طاراخال” الإسباني، و“يقطعن ” بها صراط “الديوانة” المغربي الذي كان يشهد العجائب والغرائب, ولعل الصمت أبلغ من الكلام حول هذا الموضوع. !!
إن معناة النسوة الحمالات لا تضاهيها معاناة، لما يتحملن من مشاق، بما يتحملن من إهانات إسبانية – مغربية وعذابات جسدية ونفسية، قبل أن يصلن إلى كاسطييخوس ليتسلمن دريهمات لا تتعدى المائة مقابل يومين من “السفر” الشاق، والمبيت في العراء، فوق رمال شاطئ سبتة، في انتظار “الفرج أن ينادي “الوارديا سيفيل” على “الموروس” لمغادرة “التراب الاسباني” على وقع الدفع والركل والشتم. ولا تظنون أن معاملة “الخوت” في “الديوانة المغربية تكون ألطف أو “أشفق” من معاملة الحراس “الكابايا” ! …
وطبيعي أن يرتاح مغاربة “التهريب” المطلوب في كل جهات المغرب ، إيمانا منهم بنهاية معاناتهم مع اولاد السبانيول، وأولاد “المرويكوس” أيضا، بالرغم من أن سلع سبتة مطلوبة بل ومفضلة بشكل غريب من مغاربة الداخل، على سلع الداخل، إلا أن تعثر “المشروع البديل” خيب آمالهم، وعاد بهم إلى التفكير المتشائم بمستقبلهم، وأنهم بقوا عرضة للضياع والتهميش, ولعل هذا من بين أسباب “الغضبة الشعبية ” التي دفعتهم إلى النزول إلى الشارع لأعلان غضبهم، والمطالبة بحقوقهم كمواطبين سواسية أما مشاريع التنمية مع غيرهم من مدن التجهيزات الوفيرة والعيش الرغيد.
والسؤال: إن قرار الحكومة إغلاق معبري سبتة ومليلية قرار تفرضه المصلحة الوطنية العليا وهو قرار سيادة وطنية، ربما شكل بداية الطريق نحو استرجاع المغرب ما هو مغربي من ترابه التاريخي، ولكن، لماذا لم تتخذ الحكومة لنفسها مهلة سنة أو سنتين قبيل الإغلاق ، تدبر خلالها قضية “المشروع البديل” الذي يجب أن يكون في مستوى وحجم متطلبات السكان المعنيين ، مباشرة، بنهاية النشاط التجاري مع المدينتين ، حتى إذا دخل قرار الحكومة محل التنفيذ، انتقل المعنيون إلى “البديل“، ويتم ذلك دون هزات أو انتفاضات أو تشنجات.
وبعد المواجهات التي اعتبرت “خطيرة” بين سكان الفنيدق والقوات العمومية، خلال الاحتجاجات الشعبية التي شهدتها هذه المدينة، عقد اجتماع بمقر عمالة المضيق – الفنيدق برئاسة والي الجهة، وذلك لإعطاء” الانطلاقة الرسمية” للبرنامج المتعلق “ببلورة وتفعيل آليات الدعم والمواكبة من أجل تحسين قابلية التشغيل وتحفيز ريادة الأعمال للفئات الهشة، خاصة النساء والشباب“
عزيز كنوني