مؤلم أن “تهاجم” بصرَك صورُ أطفال من بلدك، في عمر الزهور، وهم يواجهون “الموت الأبيض” كل يوم، بل كل ساعة و لحظة، وهم يصارعون البرد، والثلوج ، والفيضانات الجارفة، في سعيهم الدائم، إما لما يسمي ب“المدرسة” في قمم جبال الريف والأطلاسات الثلاثة، أو حين يسعون بحثا عن كلا لمواشيهم، أو جرعات ماء يطفون بها ظمأهم وظمأ أهلهم وأقاربهم، أو تجرفهم فيضانات طوفانية تتفجر من بين الصخور، تباغثهم، ترعبهم، تشل حركتهم حتى لا تبقى ذرة امل في النجاة سوى أن تلحقهم رحمة الله.
مؤلم أيضا مشهدُ نساء حوامل، في حالات الوضع، وهن محمولات على “محامل” الأموات، يرفعها على أكتافهم متطوعون من أهل القرية “المنكوبة“، وهم “يغامرون” بأنفسهم وبمن تحويه محاملهم، بين الثلوج والفيضانات الجارفة، أملا في الوصول إلى “الشانطيي” حيث يمكن أن “يعثروا” على “فاعل خير” يتطوع إما لنقل الحوامل إلى ما يسمي بالمراكز الصحية، حين توجد، أو على الأقل، أن يشعر تلك المراكز بوجود خطر يتهدد مواطنات صعب عليهن الوضع في ظروف “إنسانية” وهن يواجهن “الموت الأبيض.!
إنهم مواطنون “ضحايا” إهمال مسؤول لمسؤولياته في فك العزلة عن قرى في “قرون” الجبال، تغزوها الثلوج عند كل فصل شتاء، ويغمرها طوفان الفيضانات المتفجرة في الوديان، حين تتفجر الأوادية لتتحول ….إلى محيطات غاضبة، قاهرة….قاتلة!….
مشاهد ليست مفاجئة ولا مباغثة، بل هي حالات دورية تعود مع كل فصل شتاء، لتشهد سكان الجبال والوديان أن لا نفع في مسؤولي هذا الزمان، ولا أمل في منتخبي هذه الأيام، وأنهم، عند كل دورة من دورات السنة، يجدون أنفسهم “بيد فارغة ويد ليس فيها شيء“، سوى الوعود….والكلمات….
كلماتٌ، كلماتٌ، كلمات….. . !
ثلجٌ وبردُ قارس وعزلةُ وفواجع….. هذا كل حظ أهل الجبال والسهول والوديان مع فصل الشتاء الذي يحسبون له ألف حساب، بينما “ينعم” “المتنفعون” بكل خيرات الحياة، التي يوفرها لهم “مغربهم النافع” من مال ونفوذ، ورفه مسكن، ورغد عيش، ودفء في البيت والقلب، واطمئنان على الأهل والولد الذين يجدون، كل صباح سيارة بسائق ينقلهم في دفء تام ،إلى المدرسة ويعيدهم إلى” إقامة بابا” والحال أن تلك الإقامة والسيارة والسائق هي في ملك الشعب، ولكنهم يتصرفون فيها “تصرف المالك في ملكه” كما يقول فقهاء التوثيق.
وفي الضفة المقابلة، “البعيدة“، المهمشة، مواطنون من درجات “غير مصنفة” أو غير قابلة للتصنيف، يصارعون الموت الأبيض لحظة بلحظة، بحثا عن مسلك يوصل أبناءهم، وهم عراة إلا من أسمال لا تقيهم شر البرد، وحفاة إلا من “شيء” ملفوف حول قاعدة القدمين، يسير بهم ويسيرون به مسافات بين خمسة وعشرة كيلومترات قبل الوصول إلى ما يمكن تسميته بـ “المدرسة” وهي في الغالب حجرات طينية حجريةـ مهترئة، بلا تدفئة واقية، حتى أن طفلا من أزيلال، لم يجد من مخرج لحالته وحالة أترابه سوى اللجوء إلى مواقع التواصل الاجتماعي عبر شريط استغاثة يتوسل فيه إلى القلوب الرحيمة، مساعدة سكان منطقته المحاصرة بالثلوج والسيول، عبر مدهم بالملابس والأحذية والأغطية لمواجهة قساوة البرد والثلوج التي فاق ارتفاعها المتر، ما عجل بعزل قريته عن العالم القابل للحياة ! …..
السلطات المحلية تقوم ببعض التدخلات “السطحية“، التي لا تكفي أمام هول الفواجع والكوارث الشتوية، كاستقبال بعض النساء الحوامل والمسنين في دور الرعاية حين توجد، ينما تقوم بتوزيع بعض المساعدات الغذائية. أيضا تتطوع بعض الجمعيات المحلية بتعاون مع عدد من المنظمات الأوروبية إنجليزية وألمانية وهولندية وفرنسية، بتقديم العون لسكان قرى نائية عند كل فصل شتاء أو كوارث طبيعية.
بعض نشطاء الجمعيات الأهلية بالمناطق “المنكوبة“، يلومون الحكومة بسبب لجوئها، سنويا، إلى تدابير يسمونها “ترقيعية” بدلا من سن سياسة قارة من أجل إدماج المناطق الجبلية والقروية ، المهددة سنويا بالبرد والثلج والفياضانات، ما يوقف عجلة الحياة فيها، في النموذج التنموي الوطني بغاية فك العزلة نهائيا عن تلك المناطق التي تعيش سنويا جحيما ويعيش سكانها “خارج التاريخ المغربي“.
ويقول فاعل جمعوي، حسب مصادر إعلامية، إن المناطق الجبلية والقروية تحتاج إلى مخطط تنمية ببرامج مهيكلة، وليس إلى إجراءات ترقيعية، وكأن الكوارث التي نعيشها مباغثة، وليست دورية، ولأننا لسنا “لاجئين” بل مواطنون يحق لنا العيش بكرامة وأمن واطمئنان داخل جغرافية بلدنا الكبير.
عزيز كنوني