لم ينجح رئيس الحكومة في إقناع مجلس المستشارين وعموم المواطنين بشأن عملية التلقيح التي طبعها الكثير من الارتباك والغموض والتخبط، ما دعم حملة التشكيك في قدرة الحكومة على الوفاء بالتزاماتها، وأيضا في سلامة اللقاحات التي يروج الحديث بشأنها، منذ بداية دجنبر من السنة الماضية، دون أن يظهر لها أثر إلى الآن !.
بل إن الصمت الذي التزمت به وزارة الصحة بخصوص اللقاح، ضاعف من ريبة المتشككين وأضاف نوعا من المصداقية على ادعاءات العديد من المواقع المتشككة، والتي تبنتها فئات واسعة من المواطنين الذين صاروا يرفضون التلقيح بالرغم من بعض التطمينات من جهات خاصة، حاولت بعث الثقة في نفوس “المتمردين” الذين ينظرون بعين الشك والريبة والاحتياط إلى العملية برمتها.
السبب الرئيسي، برأي الملاحظين المختصين ، هو تبني وزارة الصحة، طريق الغموض والتحفظ، في موضوع اللقاح الذي كان يجب أن يكون مجالا مفتوحا على عموم المواطنين، وإحجامُ الحكومة على تبني خطة حكيمة للتواصل المباشر مع المواطنين في هذا الشأن، خاصة وفكرة “المؤامرة” الدولية طغت على البيانات الوافدة من جهات متعددة عبر العالم، والتي تتبناها دوما مواقع التواصل الاجتماعي، بين المدعين بأن الأمر يتعلق بزرع شفرات ميكروسكوبية في جسم الإنسان قصد مراقبته طيلة حياته أو تعديل علمي للجينات الوراثية البشرية بغاية التأثير على سلوك البشر. وطبعا فإن استقالة مديرين رئيسيين في مختبر صناعة اللقاح الصيني بمختبرات مدينة “ووهان“، زادت من شكوك وتحفظ المغاربة خاصة بعد أن أعلن المغرب تزوده بهذا اللقاح، بل واتفاقه مع الصينيين على إنتاج لقاح “سينوفارم” والإعلان عن فشل تجارب سريرية لهذا اللقاح بالبرازيل.
ومما زاد الطين بلة، تصدي بعض الخبراء المغاربة لعملية التلقيـح والتشكيك في سلامتها في وقت ركنت فيه وزارة الصحة لـ “السبات الشتوي” بعد أن ملأت الأرض صراخا بأن المغرب سيكون من بين الدول العشر الأولى التي ستشهد انطلاق عملية التلقيح الجماعي، وبعد أن أعلن وزير الصحة، منتصف غشت الماضي عن تعاقد المغرب مع المختبر الصيني المصنع للقاح “سينوفارم” من أجل التزود بهذا اللقاح بمقادير كافية، بل وأيضا بإنتاج هذا اللقاح بالمغرب شريطة مشاركة المغرب في التجارب السريرية ، حيث “تطوع” ستمائة مغربي لذلك، دون أن يتوصل المغرب للآن بنتائج الاختبارات التي خضع لها المغاربة المتطوعون.
ومعلوم أنه خلال الاجتماع الحكومي في غشت الماضي تم الإعلان عن اقتناء المغرب 65 مليون جرعة من هذا اللقاح من أجل تطعيم 25 مليون من المغاربة. ولحد الآن يجهل مصيرُ هذا العقد وموعد وصول الطلب وانطلاق الحملة.
ولاحقا، تم الإعلان، رسميا، عن نعاقد المغرب مع الجهات المصنعة للقاح “استرازينيكا – أوكسفورد” الذي أصبح أول لقاح تم الترخيص له بالمغرب. ولا زال المغرب ينتظر ومعه ملايين المغاربة من “عشاق الفرجة” الحكومية !….
ومع ما صاحب هذا الوضع من انتقادات حادة للحكومة ومن لغط وسخرية على مواقع التواصل الاجتماعي، غالبا ما يكون وزير الصحة المستهدفَ الرئيسي منها ، بسبب “صيامه” عن الكلام المباح فيما يخص نوع وموعد اللقاح، فإن العثماني لم ير فائدة، كما يبدو، من توضيح ما يجب توضيحه للمواطنين فيما يخص الجائحة وسبل التخلص منها كما يفعل المسؤولون في بلاد الجوار القريب والبعيد، والأفارقة منهم، بوجه خاص، الأمر الذي اضطر البرلمان لبرمجة جلسة مساءلة ومكاشفة “على شرف” رئيس الحكومة الذي مثل، الثلاثاء الماضي أمام مجلس المستشارين ليدلي بأقوال لم تحمل جديدا، ولم تشف غليلا، ولم تقدم توضيحا يحمل جوابا مقنعا عن استفسارات المواطنين ولا دليلا على صحة موقف الحكومة من الجائحة واللقاح معا !.
ومع أن سير هذه الجلسة كان يطبعه نوع من التشنج المتوقع، إلا أن العثماني انتبه إلى ضرورة الحفاظ على رباطة الجأش، وعدم الانفعال أمام انتقادات بعض المستشارين الذين شنوا حملة “عشواء” على الحكومة، حدّ المطالبة باستقالتها ، جماعيا، لفشلها في تدبير الأزمة.
بمَ ردّ العثماني على مساءلة المستشارين في تلك الجلسة التي كان الكثير من المواطنين ينتظرون أن تحمل لهم أجوبة مقنعة، بل ومريحة تخرجهم من حيرتهم أمام التناقضات التي طبعت تدبير الحكومة لملف اللقاحات ؟ !.
لا شيء يمكن اعتماده في هذا الشأن، عدا أن “دولة” الرئيس حاول فتح مسلك لقلوبنا وعواطفنا حين صرح بأن تأخر اطلاق حملة التلقيح ناتج عن حرص الحكومة على “التحقق” من كون هذه اللقاحات “فعالة” و“أمنة” !
وأن المغرب “جاهز” ماديا ولوجتيكيا” لإنجاح العملية. ولكنه أضاف أن مسؤولية تأخير وصول اللقاح ناتج عن صعوبات تواجه المصنعين المطالبين بتوفير عشرة مليارات من جرعات اللقاح لتغطية حاجيات العالم..
إلا أن إشارة العثماني إلى قضية استغلال بعض مصنعي اللقاح للحاجة إلى منتوجاتهم عبر العالم، ، دخلوا في “مضاربات” تجارية ضاعفت ست مرات من ثمن هذه اللقاحات، الأمر الذي ترك لدى المواطنين لمغاربة الانطباع بأن “سومة” البضاعة فاقت قدرات خزائن المملكة، ولذا وجب “انتظار أيام أفضل” !!!….
ولكنه “تدارك” الأمر، ووعد المغاربة بأن حملة التلقيح ستنطلق بمجرد ما تصل “الطائرة” المعدلة والمعدة لنقل اللقاح من الهند أو من السند أو من أية “طيرّة” تنتج تلك “الجرعات السحرية” لمقاومة “الفيروس اللعين” وكافة سلالاته المقيتة، حاضرا ومستقبلا.
وحتى يقطع ” اليقين بالشك“، قال إن الحكومة ليست لها فكرة عن موعد وصول اللقاح، وبالتالي عن موعد اطلاق حملة التلقيح “ولكننا “جاهزون” يضيف الرئيس، إلا أنه ليس في مقدور الحكومة أن تفعل أي شيء، ما دام أن “السلعة ما زال ما جاتش” ولكننا مستعدون “نخلصو، ونوزعو، ونخزنو“. وإلى أن تحمل لنا الحكومة “بشرى” وصول اللقاح، ما علينا إلا أن نتابع أخبار البلدان العربية والإفريقية التي شرعت، فعلا، في تلقيح مواطنيها ضد الجائحة، التي اجتاحت الكون، بواسطة كائن حي بجينات، أصغر من صغير، حيث يصل قطره 80 مانومتر، وطوله جوالي 1400 مانومتر، (المانومتر وحدة قياس تساوي جزءا من مليار المتر) لا يرى إلا بالمجهر الإليكتروني ولا يعيش ويتطور إلا داخل خلايا “مضيفة”
هذا “المخلوق” العجيب الذي لا يرى إلا بالمجهر الإليكتروني أذهل البشر في كل أرجاء المعمور، وأحدث بالكون، في أيام، كل هذا الدمار والخراب ، وتسبب في موت ملايين البشر!، لا شك ليذكر الأقوياء المتغطرسين من حكام الدنيا المعتدين بقوة المال والنفوذ، أن مخلوقا أصغر من صغير وأحقر من حقير، يملك من القوة والفتك ما لا يملكون، ومن الشدة والبأس ما لا يمتلكون ومن قوة البطش والفتك والإبادة ما يفوق قدرتهم ويتعدى سلطانهم.
ذلك هو الكوفيد 19، وما سيلحق به مما سيفرخ من سلالات، وقانا الله جميعا شرورها وهدى حكام الأمم والشعوب حتى يتعظوا مما يروا من برهان على أن القوة لله الواحد القهار وإنما هم مستأمنون على خلق الله إلى حين….إلى يوم “الفزع الأكبر” !!!….
عزيز كنوني