نحن في مطلع العام الجديد الذي مازالت فيه بعض المخلوقات الآدمية تتبادل التهاني والأماني في عز أزمة جائحة فيروس كورونا الذي قتل نصف سكان العالم فيما يصر الفيروس اللعين غير مبال بتهاني هؤلاء على تنفيذ شراسته العنيفة بكل ما أوتي من قوة لايمكن تصورها، وفرض سيطرته مقاتلا مستميتا مواظبا بدون كلل ولاملل على حصاده اليومي لمزيد من الأرواح البشرية عبر العالم.. وسيكشف لنا في مرحلته الأخيرة بالدليل والحجة، لا محالة، قوته الشرسة والخبيثة، وأنه أشد وأخطر الفيروسات فتكا في تاريخ البشرية على الإطلاق!! ليس هذا موضوعنا اليوم، لكن الآثار الاجتماعية والاقتصادية للجائحة في سياق الارتباط بذات الموضوع كان لها دور جانبي في التأثير على الوضعية بصفة عامة كما في جميع بلدان العالم ساهم إلى حد ما في بروز اختلالات وأزمات ذات بعد اجتماعي وإنساني!! نتناول في الجزء الأول من موضوع اليوم ظاهرة التسول في بعدها الشمولي العام دون توظيف أو اعتبارا الجائحة خلفية أو مرتكزا أساسيا لآفة التسول على أن نكمل الحديث بشأن استفحال الظاهرة ضمن الجزء الثاني لاحقا ..
لا يختلف اثنان في أن ظاهرة التسول والتأمل جيدا في أبعادها الاجتماعية والإنسانية الخطيرة معضلة من معضلات المجتمع المغربي.. تعددت الأسباب والآفة واحدة.. ولعل من أسباب هذه الآفة الفقر في أسفل درجاته!! وقبح الله الفقر الذي يؤدي في كثير من الأحيان إلى التفكك والتشرذم الأسري على مستوى العديد من الأسر المغربية، ضمنها فئات واسعة من المجتمع تعاني من ظروف صعبة للغاية وبكيفية خاصة تلك التي تئن تحت وطأة أسوأ مشاكل الحرمان والإقصاء والتهميش والبطالة، وعلاقة كل ذلك بالهجرة من البوادي والنزوح الجماعي إلى المدن وغيرها من الأسباب..!! لكن ونحن نذكر بالأبعاد الخطيرة لاستفحال ظاهرة التسول، نسعى من منطلق تقييم شمولي ومن موقع مسوؤلياتنا جميعا إلى وضع الأصبع على مكامن الخلل ودعوة المجتمع المدني إلى التأمل في هذا الواقع بأبعاده الاجتماعية والإنسانية والأخلاقية..!! وإذا كانت الجهات المسؤولة ومعها الجماعات والمجالس المنتخبة تتحمل جانبا كبيرا من المسؤولية في ما آلت إليه وضعية التسول والمتسولين المنتشرين أفرادا وجماعات بشكل مرعب في طول البلاد وعرضها، فإن المسؤولية المنوطة بكثير من الجمعيات ذات التوجه الخيري والإنساني تستوجب إيلاء هذه الظاهرة ما تستحقه من اهتمام عبر مواقف جادة ومسؤولة تقتضي تكثيف الجهود اللازمة وتفعيل البرامج والتوجهات على أرض الواقع نحو الحد على الأقل من الظاهرة وتداعياتها التي تنخر جسم المجتمع أخلاقيا وإجتماعيا..!! لانقاش في أن التسول يعطل التنمية ويعرقل التطور والتوجهات الايجابية وكل مايدفع نحو البناء والنماء والتأهيل والإنتاج..
خلال فترة إقامتي بمدينة الناظور -الصيف الماضي- والتي امتدت إلى أجل غير مسمى «خارج إرادتي الشخصية» أي دون إمكانية التحكم في ضبط المدة المرغوب قضاءها بسبب ظروف الجائحة التي أحكمت قبضتها على كل البرامح.. والالتزامات.. والتنقلات.. وما يتبعها من قيود إدارية مشددة للحد من انتشار الفيروس.. خلال هذه الفترة، عاينت جيوشا من المتسولين الضالعين المتضلعين والمحترفين مهنيا ضمنهم متسولون ينتمون إلى مختلف الأجناس والسلالات والأعراق!!- إفريقية وعربية وهلم جرا.. قدموا إلى الناظور لامتهان التسول لأسباب إنسانية «كان الله في عون الجميع»، لكن المشهد العام، ولست مبالغا في القول، لايمكن وصفه لكونهم يشكلون أحزمة من البؤس والتعاطي للتسول باكتساح جميع الفضاءات والسيطرة على بعض المواقف بفعل سلوكات شاذة ومنحرفة لبعضهم، الأمر يقتضي في مثل هذه الحالات التدخل بحزم وجدية من طرف الجهات المسؤولة أمنيا لردع كل فعل مشين تفاديا لما قد ينتج عن بعض السلوكيات غير المنضبطة من مضاعفات قد تلحق ضررا بالآخرين دون الحديث عن آثارها السلبية في المجتمع.. ولم يتدخل مع الأسف من كان بوسعه أن يتدخل !؟
أسوق إليكم نموذجا آخر من مدينة طنجة التي تعيش حالة حصار استثنائي بالنظر إلى حالة الانتشار المرعبة لهؤلاء المتسولين!! مغاربة وأفارقة وسوريين في وضعية انتشار مقلق في الأحياء والأزقة والشوارع آناء الليل وأطراف النهار .. والظاهرة في حجمها وخطورتها تقتضي إنسانيا وأمنيا – لجنة إنقاذ او التفكير في إحداث خلية أزمة لمعالجة الوضع.. فمدينة طنجة والأحياء المجاورة لها أصبحت محاصرة بنماذج بشرية من اللقطاء والغرباء والحشاشين والنشالين والمختلين عقليا والمنحرفين سلوكيا واجتماعيا، وخلف هؤلاء جيش محترف ومنظم من المتسولين والمتسولات..! أين مسوؤلية المجالس المنتخبة من كل هذا..؟ أي دور للسلطات المحلية في معالجة اختلالات المجتمع..؟ وأين جمعيات المجتمع المدني، وبكيفية خاصة تلك التي ترفع شعارات التضامن والتكافل الاجتماعي والاهتمام بالأطفال في وضعيات صعبة من معضلة الانحراف والتسول..؟ من المؤكد أن وضع المخططات والبرامج والتصورات والقدرة على ضبط طبيعة الأحداث ومعالجة اختلالات وأزمات المجتمع هي من صلاحيات واختصاصات السلطات المختصة والمجالس المنتخبة وتضافر جهود مختلف مكونات المجتمع المدني ومسوؤلية الجميع.. حتى أكون منصفا. أؤكد مرة أخرى وبغير قليل من الأسى والأسف أن ظاهرة التسول المستفحل على امتداد خريطة الوطن تجاوز الإشكالية وصار معضلة..! هو في مرحلة نزيف وفي درجة متقدمة جدا.. – ها نحن في سنة جديدة.. بكثير من الإصرار والإرادة والثبات والدقة يشق العام الجديد طريقه نحو المستقبل، شأنه في ذلك شأن الأعوام والسنين الخوالي..! ونعني بالمستقبل – القادم من الأيام التي باتت في علم المجهول.. ولاحاجة هنا للتذكير بتداعيات ومضاعفات – آفة التسول على الوضع الاجتماعي الذي بات هو الآخر يؤشر على مزيد من الاختلالات والأزمات والمعضلات .
إدريس كردود

















