1931 : وثيقة “مطالب الأمة المغربية” بالشمال
1943: وثيقة الجبهة القومية الوطنية بالشمال
1944: وثيقة الحزب الوطني ومستقلين
1944:وثيقة حركة القوميين
أول حركة وطنية منظمة بالمغرب قامت في تطوان سنة 1930
تحل بعد غد، الاثنين، الذكرى السابعة و والسبعون لـ ” وثيقة الاستقلال” التي تقدم بها الحزب الوطني (الاستقلال) وجماعة من الوطنيين المستقلين، إلى جلالة السلطان محمد بن يوسف وإلى الإقامة العامة الفرنسية بالرباط وإلى ممثلي بعض الدول الأجنبية.
ولم تكن هذه الوثيقة الأولى أو الفريدة التي طالبت باستقلال المغرب ووحدة ترابه على عهد الحماية الأجنبية بالمغرب ، إذ إنها تأتي الثالثة في الترتيب الزمني مقارنة مع مجموعة المذكرات الوطنية المطالبة بالاستقلال بعد و”ثيقة مطالب الأمة المغربية” بتطوان سنة 1931 ووثيقة ، “الجبهة القومية الوطنية بالشمال” التي قدمها بصفة مشتركة حزب الإصلاح الوطني ( عبد الخالق الطريس) وحزب الوحدة المغربية (الشيخ محمد المكي الناصري)، بعد تنامي الشعور الوطني في المنطقة الخليفية بضرورة رد الاعتبار للمقاومة المسلحة المغربية بقيادة الأمير محمد بن عبد الكريم الخطابي التي تكالب عليها الاستعمار الفرنسي والإسباني وحلفاؤهما، لتنتهي الثورة باستسلام “أسد الريف” ونفيه في سنة 1926 كما أن وثيقة “الحزب الوطني” تأتي قبل وثيقة حركة القوميين (الشورى والاستقلال) بيومين.
وللأمانة، فقد كان لمدينة تطوان السبق في بعث الروح الوطنية والوعي الوطني ، ليس فحسب في المنطقة الخليفية، بل وأيضا في المنطقة السلطانية التي كان الكثير من شبابها ومثقفيها يتابعون العمل الوطني بالشمال الذي تجلى، مبكرا، في قيام أول حركة وطنية منظمة، سنة 1930، تحت رئاسة الفقيه الصفار والتي كانت قيادتها مكونة من الحاج عبد السلام بنونة ومحمد داود وأحمد غيلان، ومحمد طنان، ومحمد بنونة، والتهامي الوزاني وغيرهم من الوطنيين الأفذاذ. وتميزت تطوان مبكرا بجو ثقافي رفيع بفضل ارتباط مثقفيها بالأوساط الثقافية في بلاد المشرق خاصة مصر وفلسطين والعراق وسوريا ، ووصول العديد من صحف ومجلات مصر إلى مثقفي هذه المدينة التي عمل أهلها على إنشاء المدارس والأندية الثقافية الأهلية، وتشجيع الفنون وإصدار الصحف والمجلات السياسية والثقافية، وتحرير المرأة التطوانية التي ساهمت بقدر كبير في تحقيق النهضة الثقافية والفكرية والعلمية ليس فحسب في تطوان، بل وأيضا في سائر مدن الشمال وكانت بذلك قدوة للمرأة المغربية في المنطقة “السلطانية”..
وتميزت مرحلة الأربعينات بتأسيس حزب الإصلاح الوطني بتطوان على يد كوكبة من الوطنيين بالشمال برئاسة الزعم عبد الخالق الطريس في 18 ديسمبر 1936 قبل قيام حزب الحركة القومية للزعيم محمد بن الحسن الوزاني (1937) التي تحولت سنة 1946 إلى حزب الشورى والاستقلال، و الحزب الوطني ، حزب الاستقلال فيما بعد) بزعامة علال الفاسي (1944).
وللتاريخ نذكر بأن الذين أشرفوا على إعداد وتقديم وثيقة 11 يناير 1944 وهم من خيرة رجال الوطنية المغربية ، أصروا على إقصاء منافسيهم من الحركة القومية. ويروي المرحوم عبد الهادي بوطالب أحد قادة حزب الشورى والاستقلال أنه بالرغم من وجود زعيمي الحزبين ، علال الفاسي ومحمد الحسن الوزاني، في المنفي، فإن بوطالب أبعد من التوقيع عل وثيقة المطالبة بالاستقلال حتى ولو بصفته الشخصية، ودون الإشارة للحزب الذي ينتمي إليه.
ذلك أن الحزب الوطني كان مصرّا على الانفراد بمبادرة الوثيقة ، نظرا للتنافي الحاصل بين فكر علال الفاسي الأصولي وفكر محمد الحسن الوزاني الذي حصل على تكوين سياسي عال ورافق في معاهد فرنسية عليا، كبار السياسيين الأوروبيين مثل مانديس فرانس، وأنطوان بيني وميشيل جوبير وغيرهم، إلى جانب تفوّقه في العلوم الدينية بجامعة القروين. وهذا ما يفسر تصور الزعيم الشوري للنظام السياسي للمغرب الحديث، الذي يرى أنه يجب أن يقوم على مبدأ الديمقراطية، والفصل بين السلطات، وحقوق الانسان، والحرّية، والعدل، والمساواة، وإعطاء المرأة حقوقها كاملة …. وكلها مطالب، لازال الشعب المغربي، كما يبدو، يمنّي نفسه بتحقيقها كاملة، وقد تخطّى عتبة الألفية الثالثة !
وقد انتبه السلطان محمد الخامس رحمه الله، إلى أن في إقصاء حزب الشورى والاستقلال من وثيقة المطالبة بالاستقلال، ما قد يوحي للمستعمرالفرنسي بأن هذه الوثيقة لا تحظى بإجماع الحركة الوطنية والشعب المغربي، فأوعز، مباشرة، إلى قادة حزب الشورى والاستقلال بإعداد وثيقة مماثلة لوثيقة 11 يناير، خلال يومين، وهو ما تم في ظروف استثنائية، حيث أعدّ الحزب وثيقة المطالبة بالاستقلال، تحمل توقيع قيادات الحزب ومكاتبه في مختلف حواضر وبوادي المملكة وسلمها في 13 يناير 1944 إلى جلالة السلطان الذي ارتاح إليها وأعلم بها المقيم العام الفرنسي بالمغرب ، وقد كان هذا الأخير قلل من أهمية وثيقة 11 يناير، واعتبر أنها لا تحظى بإجماع الشعب المغربي ولا تمثّـل جميع التيارات السياسية للمغاربة. كما أقام الحزب اتصالات بشأن تلك الوثيقة مع البعثات الدبلوماسية بطنجة ومع عدد من الأحزاب السياسية الأوروبية.
ومعلوم أن الجبهة القومية الوطنية المغربية التي انضم إليها، فضلا عن مناضلي حزبي الإصلاح الوطني والوحدة المغربية ، عدد من الشخصيات المستقلة من سياسيين ومثقفين وعلماء وأدباء أعلنت في تطوان عن ميثاقها الذي نص على المطالبة بالاستقلال الكامل والوحدة الترابية للمملكة تحت شعار” المغرب كل لا يتجزأ ” و “العرش بالشعب والشعب بالعرش”.“
لعل من أهم الدروس التي يمكن أن نستخلصها من هذه الذكرى أن نؤمن بالوطن، كما آمن به الرواد الأمجاد، أمثال الأمير محمد بن عبد الكلايم الخطابي، وعلال الفاسي ومحمد بن الحسن الوزاني و عبد الخالق الطريس والشيخ محمد المكي الناصري رحمهم الله جميعا، والألاف من المناضلين إلى جانبهم، الذين واجهوا قوة الاستعمار الغاشم، وهم عزل من كل سلاح إلا من إيمانهم بقضية الوطن، وركوبهم مغامرة تحرير الوطن ولم يبخلوا بأرواحهم ودمائهم في معركة النضال من أجل كرامة الوطن.
والعبرة التي يمكن أن نستخلصها من هذه الذكرى، والمغرب يواجه مؤامرات خارجية ضد وحدته الترابية وسيادته على كل أراضيه الوطنية، ومياهه الإقليمية، والمغرب يعتزم فتح ملف مدينتي سبتة ومليلية المحتلتين والجزر التابعة لهما، ، والمغرب يواجه ، أوضاعا داخلية صعبة، من النفاق السياسي ، و التفسخ الحزبي والفساد الإداري، والظلم الاجتماعي، والتفاوت الطبقي، وهيمنة الطبقات “التقليدية” على قدرات الشعب وخيراته، من أجل توزيع عادل للسلطة والثروة، … العبرة أن نعمل على أن تترسخ في أذهاننا عقيدة العمل من أجل التغيير الإيجابي الموصل إلى الإصلاح الشامل، والتشبث بالمبادئ الوطنية والثوابت الروحية والوطنية التي قامت عليها عقيدة النضال الوطني من أجل عزة وكرامة الشعب المغربي.
عزيز كنوني