في غرفة وحيدة فوق السطوح ،وسط جبل من القنينات البلاستيكة الفارغة،والأواني المرتمية،عرفت النور شيماء فوق فراش ملطخ بالدماء،وآهات أم لم تتشافى بعد من آثار الكباد ،وتأتي هذه المولودة لتضاف لتاريخ ثلاثة إخوة،لا تميز منهم إلا الرأس والأعين !
ألف مبروك أم شيماء…
الجيران يطرقون الباب،فمنهم من يحمل كأس سكر،ومنهم من يقدم صحنا من المرق ،ومنهم من يضع 5 دراهيم فوق المولودة…
تهاليل ،فرح، وآلام جروح جسدية،وآلام معنوية،لا يشعر بها إلا من عاشها!
إيه،ثم إيه يازمان! أم شيماء ابنة العز والأصل والنسب! تعيش في هذه الظروف؟!
أم شيماء التي عشقت ابن الحارس، وأحبته ،وكان حلمها الوحيد أن تتزوجه.وبالفعل ،عارضت رغبة أهلها، وفرت مع ابن الحارس لتتزوج به!
لم تكن تملك إلا بعض الحلي من الذهب التي تتزين بها في يدها وعنقها…وضع ابن الحارس لايسمح بتوفير سكن! ما العمل؟ بيته في منزل أم شيماء (لأنه ابن الحارس).
اضطرت أم شيماء لبيع بعض الحلي، لتوفير سكن ملائم، ثم تم عقد القران، وبدأت الحياة الزوجية طريقها نحو سعادة مجهولة العوالم!
لم يتمكن ابن الحارس من الحصول على عمل، مما جعل الزوجة تلجأ تدريجيا لبيع ما تملك من الحلي.
مع المولود الأول ، حيث كان من المفروض، أن يطيرا بالفرح ويخبرا أهلهما، ويستدعيانهما لحفل العقيقة، تفاجأ الزوجة بطرق الباب من طرف صاحب البيت:
“آخر إنذار ،إما أن تسلموني مالي ،وهو السومة الكرائية لعشرة أشهر،أو تفرغوا بيتي! غدا ،لا أريد أن أراكم هنا!…”
“ماذا يحدث؟ ماذا يقول صاحب المنزل؟ولكن يازوجي كنت أعطيك مبلغ الكراء كل شهر؟ أين ذهب المال؟ ماذا فعلت به؟ أخبرني؟ ماذا سنفعل الآن؟ والعقيقة؟ وأمي؟ وأبي؟؟؟؟”
تنهار المسكينة وتغيب عن الوعي، ولا يوقظها بعد ساعات من الزمن، إلا بكاء طفلها!
في الصباح ،يخبرها زوجها بعد مقدمه،أنه وجد غرفة فوق السطوح،بثمن جد مناسب. تتحسر، ويزداد حالها تعاسة وبؤسا عندما يسألها خلع آخر ماتبقى لديها من حلي لكي يقوم ببيعه.!
فوق السطوح، تنام أميرة القصور، مع فارس أحلام، خان عهدها، وتنكر لفضلها، وصار وحشا ضاريا.
الجوع والألم، وبكاء الطفل …الزوج صار يتغيب عن البيت لأسابيع بحجة أنه يبحث عن العمل! المسكينة تطرق باب جيرانها مرة، وتقترض من التاجر،مرة أخرى…وصارت خادمة في البيوت بدوريات نهارية! هي، الفتاة التي كانت تسهر على راحتها خادمات يقدمن لها كل ماتحتاجه ويقمن بخدمتها بكل ما تريد.اليوم خادمة في البيوت، سعيدة ، لأنها أخيرا تمكنت من توفير الأكل لها ولطفلها، وكم كانت فرحتها عندما اشترت لإبنها كأس ياغور!!! وعند كل ملعقة تضعها في فمه، تبكي وتبكي، ثم تضحك،وتضحك…تذكرت كيف أنها كانت تمتنع عن تناول أنواع متعددة من الياغور عندما تقدمها لها أمها. اليوم ،تريده وطفلها يتلهف عليه …ولا تستطيع توفيره. المهم ،سوف تتغير الأوضاع بإذن الله.هذا هو يقين أم شيماء،لذلك لم تقم بطرد زوجها أبدا، واستمرت في عملها،بل وساعدته في مشروع كان قد بدأه، وحوله إلى غرفة فوق السطوح.
مشروع بيع العصائر، مشروع صيفي، ينتفخ جيب الأب بالنقوذ، وتلتهب وجنتاه،وترتفع درجة حرارته ،ويبدأ النبض بالجريان…وسط الشارع، أمام الشابات، ومع كل هذه المخلوقات الجميلة…
نعم ،غرور، أنانية، وطمع…لا يرى أم شيماء التي صار لديها اليوم طفل ثاني! لم تعد تجذبه، بل ولا تعجبه! ويتساءل كيف ضحى بكل سنوات حياته من أجلها!!!
” اسمعي أيتها المرأة ،أريد التعدد!”
الكارثة،الرعد،البرق،الطامة الكبرى!!! “هل ما أسمعه صحيح؟ تريد ماذا؟؟؟ التعدد؟؟؟ لماذا؟؟؟”
” لأنني شاب، قوي، لدي مال، وأريد الزواج بامرأة أحبها ، وتحبني، وتلبي كل احتياجاتي…”
” أولست تلك المرأة؟ ألم يكن لدي كل شيء، ومعك ومن أجلك فقدت كل شيء؟ …أنت حتى لا تنفق علي وعلى طفليك؟؟؟ أنا أعمل طيلة اليوم!!!”
” اسكتي…”
ويدفعهانحو السلاليم لتسقط مغشى عنها.
مسكينة ،تستيقظ وسط ضوضاء المرضى بمستشفى عمومي ،لا تعرف كيف، متى، ولا من أتى بها إلى هنا.وتكبر صدمتها عندما ترى رجلها وتخبرها الممرضة بأنها مكسورة.
تتذكر آنذاك ماحدث،وتسأل عن زوجها، فتأخبرها إحدى المريضات بأن الشرطة احتجزته عندما أخبر الجيران بأنه قام بإسقاطك ودفعك من السلاليم.
بالرغم من كل شيء، هاهي تنفي أمام الشرطة الفعل المشين وتأكد أنها تصاب بدوران هو سبب سقوطها.
كانت تتمنى أن يتراجع عن قراره ، ويعودا لعيشهما السعيد مع طفليهما .أحلام تنتهي بواقع مر ينسى فيه الزوج اللئيم بأن فصل الصيف لا يستمر! ويعود لفوق السطوح يعاتب، يسب ويضرب ويطالب بالمال ! ثم يغيب مع خليلاته، ولا يعرف فوق السطوح إلا عندما تصير يداه صفرا.
مع كل هذا وذاك ،تستمر المحبة الولهانة في عشقه، تجد في الحفاظ على زوجها، وخلق أجواء السعادة، بالرغم من تعنيفه لها، خصوصا عندما أصبح مدمنا على المخدرات.
تمر الأيام وتطول فترة الشتاء ،ويتأخر الصيف، فتنفرج ،لتغلق مرة أخرى.
صار الطفلين بالمدرسة، حضور متقطع،تغيب مستمر…إستدعاء الأب ،لا يحضر! تذهب الأم وفي كل مرة تخبر المدير بأنهما لن يكررا الغياب…
بالليل صراخ، وعويل، وضرب، وسب وقذف.
غرفة واحدة! أين يختبئ الأطفال؟
كيف لا يتأثرون؟ متى ينامون؟ هل سيستيقظون في وقت المدرسة؟ وهل راجعوا دروسهم، وأين هي محافظهم؟؟؟
مصير معلوم، وبداية مع سرقة المخدرات من جيب الوالد المحترم.
اليوم الزوجة أم الطفلين، تخبرها طبيبة النساء بأنها حامل.
في الحلقة المقبلة، سوف نتعرف على وقائع هذا الحمل…مولد شيماء…حياة شيماء.
إلى اللقاء.
الأستاذة وفاء بن عبد القادر: رئيسة جمعية كرامة لتنمية المرأة