خاطب الملك الشعب، بلغة الشعب وفهمه الشعب الذي كان ينتظر خطاب ثورة الملك والشعب، ليسترجع ذكريات القومة التاريخية التي أظهرت للعالم مدى قدرة التلاحم بين العرش والشعب، على قهر الأزمات ورفع لتحديات.
الخطاب الملكي عكس روح التضامن بين الملك والشعب خلال مراحل مؤامرة غشت في معركة الكرامة، و انخراط الملك والشعب في معركة الحياة من أجل حماية النفس وهي ثاني “الكليات الشرعية الخمس“، بعد الدين وقبل العقل والنسل والمال. إذ بالنفس تتحقق للإنسان الحياة الانسانية والكرامة والعزة والسلامة من أي أذى (الأمام الشاطبي).
ولذا اعتُبر هذا الخطابُ دعوة إلى الحياة، ومن أجل الحياة في إطار خطة تنتصر للحكمة والتوازن والمسؤولية في مواجهة جائحة متهددة، انتصر المغرب عليها في مراحلها الأولى بفضل رؤبة ملكية حكيمة وتراجع خطوات أما م زحفها المدمر، على مختلف بلدان العالم.
الملك دعا إلى تغليب القيم الأساسية للشعب المغربي في مواجهة سرعة انتشار الوباء، درءا لمزيد من الإصابات والوفيات، وأثار الانتباه إلى أن تفاقم الوضع، لا قدّر الله، سيفضي إلى حجر صحي شامل، بما سيخلفه من آثار اجتماعية ونفسية واقتصادية قاسيةـ على المواطنين وعلى الاقتصاد الوطني. رغم الجهود المبذولة من طرف الدولة للتخفيف من وطأة الجائحة على الفئات المتضررة، فضلا عن توسيع وتقوية أسباب العلاج من الفايروس الذي انتشر، بقوة وبسرعة، في مختلف بقاع العالم.
وتساءل الملك ضمنيا عن أسباب تفاقم الوضع بالمغرب، بعد فترة كان مضرب المثل، على مستوى العالم، في مواجهة الجائحة، ليخلص إلى القول بأن تخفيف الحجر في مختلف الجهات أغرى بعض المواطنين باعتبار أن الوباء انتهي وأن عليهم أن يتخلصوا من التدابير الاحترازية والوقائية.
لكل هؤلاء و لعموم الشعب، وجه الملك نداء تنبيه إلى أن معركة العالم مع الفايروس لم تنته بعد، وأن سلوك بعض المواطنين من المشككين في وجوده و المستخفين بتدابير الوقاية منه ، سلوكٌ غير وطني، ويعاكس جهود الدولة في التصدي للوباء بعد أن جندت الدولة موارد هامة للتصدّي له وبعد أن أطلق الملك خطة غير مسبوقة لأنعاش الاقتصاد الوطني المتضرر من تبعات الجائحة، ومشروعا رائدا لتعميم التغطية الصحية لجميع المغاربة وبعد أن أنشأ صندوقا خاصا لدعم الفئات المتضررة. وهي مبادرات ملكية رائدة، ككل المبادرات الملكية التي يطلقها جلالته لتصحيح التدبير الحكومي للشأن العام، أولتقويم الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية والحياتية للشعب المغربي. ولكن فئات واسعة من المواطنين تشعر بأن لو استطاعت الحكومة أن تبلور تلك المبادرات بكفاءة، وتنزلها على أرض الواقع في وقتها الحقيقي، وبحجمها ومدلولها وبعدها الوطني لكانت مشاكل عديدة، اجتماعية وثقافية واقتصادية وإدارية وبيئية، التي يتضرر منها المواطنون، قد وجدت طريقها إلى الحل المطلوب. ومن هذه القضايا ما لاحظه الرأي العام من ارتباك في تعامل الحكومة مع الجائحة واختلال في تدبير المراحل الأولى، على مستوى التنظيم والاستقبال والعلاج.
ومن كرم أخلاق الملك وتواضعه، أنه لم يُرد أن يختتم خطابه الذي اتسمت بعض فقراته بنوع من القسوة إزاء المستخفين بتدابير الوقاية ، دون التأكيد على أن خطابه لا يحمل معنى من معاني المؤاخذة أو العتاب، وإنما هو بوحٌ صادق بالقلق الذي يشعر به جلالته جرّاء تفاقم الوضع بالبلاد، في حين، يؤمن الملك بقدرة المغاربة على محاصرة الوباء والتقليص من انتشاره ومن الأضرار الخطيرة التي يتسبب فيها للوطن والمواطنين، بشيء من الوعي والتضامن المسؤول والانخراط التام بإيمان وثقة وتفاؤل، في ثورة جديدة للملك والشعب من أجل الحياة.
عزيز كنوني