بين من يقول أن العيد هذه السنة مميز ويشهد حوادث غير مسبوقة، وبين من يعتبر أنه لا يخرج عن إطار المألوف.. تقصت رابطة الدفاع عن حقوق المستهلكين، من خلال زيارة ميدانية لسوق الماشية المتواجد بمنطقة الحراريين بطنجة، مجموعة من الملاحظات والتنبيهات والانتقادات.. عسى ولعل يتم الأخذ بها بعين الاعتبار في مستقبل الأعياد.
وتعتبر الرابطة أنه كما هو حال كل سنة يطلق المسؤولون تصريحات واعدة ومطمئنة حول الأجواء التي سيمر فيها العيد، سواء من حيث وفرة العرض وجودته، وواقعية الأسعار التي تتناسب مع القدرة الشرائية للمستهلكين، ثم توفير شروط الضمان والمراقبة والسلامة من الأمراض، لكن الواقع يقول عكس ذلك ويناقض تلك الصورة الوردية، إذ لا يمكن القفز على نوعية المشاكل التي تثار كل سنة، وفي مقدمتها الغلاء الفاحش، وتدخل السماسرة والوسطاء وتحكمهم شبه المطلق في السوق، وإسهامهم في عزوف المستهلك عن اقتناء أضحية العيد، كل سنة نعيش نسخة طبق الأصل دون نقص أو زيادة كأننا أمام عملية ممنهجة لاستدامة المشاكل ومعاناة المستهلكين مع شعيرة مقدسة تفرض تدليل الصعاب والعقبات أمام المغاربة.
كما رأت هيئة حماية المستهلك أن التاريخ يعيد نفسه، بدءًا من الإعلان عن فتح سوق مؤقت مؤدى عنه من طرف باعة الماشية الذين يطلب منهم أداء ثمن كراء مربعات مشيدة فوق عقار للخواص ووسط العراء وغير مناسبة لفائدة شركة نجهل طبيعة العلاقة التي تربطها بالجماعة بصفة أن هاته الأخيرة هي الوصية عن الأسواق، وغياب شبه كلي لكل التدابير التي يجب أن ترافق السوق طيلة مدة تواجده.
وتأسفت في هذا الصدد، عن أن الجهات المسؤولة لم تستفد من الاختلالات المرتبطة بتجربة السنة الماضية، ولم تعمل على تجاوزها من أجل التخفيف من معاناة الكسابة الذين يتوافدون على السوق وكذلك تحسين الخدمات والتخفيض من الأسعار لفائدة عموم المستهلكين، مقدمة عددا من الملاحظات التي يجب أن تؤخذ بعين الاعتبار في الموسم المقبل، لتلافي الوقوع في الأخطاء المرصودة، وداعية إلى اتخاذ مجموعة من التدابير لفائدة المستهلك فيما يخص عيد الأضحى.
على صعيد الأسواق:
على الرغم من تخصيص الجماعة لمساحة ثلاثة هكتارات لسوق الماشية لهذه السنة، فإن الرابطة وقفت على مجموعة من الملاحظات، حيث يتم الزج بمئات الأشخاص وماشيتهم داخل محيط مكشوف معرض لأشعة الشمس لمدة أكثر من خمسة عشر يوما، من غير أن يتم توفير الشروط المساعدة على الاستقرار وأداء الخدمة الموكولة إليهم في هذه المناسبة الدينية، رغم أن عملية تنظيم السوق قد عُهِدَ بها إلى مُتعهد من القطاع الخاص، والذي عمل على توفير أروقة للبيع قديمة ومتهالكة، كما أنه لم يأخذ التدابير الكافية لتوفير خدمات النظافة والحراسة والتسييج، وتوفير المرافق الصحية وخدمات توفير المياه الصالحة للشرب للمواشي..
وفي ذلك دعت الرابطة إلى اتخاذ القرار النهائي الذي يقضي بترسيم السوق دون رجعة، إذ لا يعقل أن يظل المشكل مطروحا كل سنة، مقترحة ترسيم سوق الماشية الحالي من خلال اقتناء العقار وتوسيع مساحته، وتسييجه ثم تجهيزه، وتحويله إلى سوق أسبوعي لتسهيل عملية تسوق المستهلك، مع إمكانية استغلال مساحاته في خلق فضاءات رياضية خارج الفترة المخصصة للسوق.
كما تساءلت هيئة حماية المستهلكين بالمناسبة عن مآل سوق الماشية الذي كان من ضمن مشاريع طنجة الكبرى والذي كان مقترح إحداثه بجوار المجزرة العمومية بمنطقة سيدي احساين؟
جدلية العرض والطلب:
ترى الرابطة أنه على عكس الأسطوانة التي تروج كل سنة حول وجود فائض كبير من الأضاحي استنادا إلى إحصائيات عملية الترقيم التي غطت هذه السنة حوالي (6 ملايين) رأس حسب تصريح وزير الفلاحة، فإن الملاحظ هو تسجيل نقص كبير بين أرقام هذه السنة والسنة الفائتة التي سجلت (8 ملايين) مما يمكن أن يخلق نوعا من الهلع والخوف من عدم وجود العرض الكافي لهذه السنة، خصوصا وأن العيد هذه المرة تزامن مع بداية عملية مرحبا التي تعرف تدفقا كبيرا للجالية المغربية المقيمة بالخارج..
أثر الدعم والاستيراد داخل الأسواق المغربية وانعكاسه على المستهلك:
وبخصوص دعم مربي الماشية، فبعد أن أفادت الوزارة بتواصل دعم الأعلاف وتهيئة المراعي وتعليق الضريبة على القيمة المضافة على بعض الأعلاف، إلى جانب فتح الاستيراد بصفة استثنائية ومؤقتة للمحافظة على القطيع الوطني واستقرار الأثمان عند المستهلك، وذلك عبر إعفاء استيراد الأغنام من الرسوم الجمركية ومنح دعم استيراد الأغنام الموجهة للذبح بمبلغ 500 درهم عن كل رأس، فإن الرابطة تعتبر أن ذلك لم يكن له أي أثر إيجابي على الأثمنة، بل على العكس، فإن الارتفاعات تجاوز كل التوقعات.
وأضافت في نفس السياق أن مستجد الأغنام الأوروبية يشكل منافسة غير شريفة للكساب وكنز وغنيمة للوسطاء والسماسرة والشناقة، معتبرة أنها لن تنعكس إيجابا على جيوب المستهلكين نظرا لغياب الشفافية والتتبع، مسترشدة في ذلك بنتائج عملية استيراد الأبقار التي سُوق لها من الوزارة على أساس أن العملية سوف تخلق التوازن داخل الأسواق من أجل تراجع أثمنة اللحوم إلى سابق عهدها، وهو الأمر الذي كان مجرد امتصاص لغضب المستهلك المغربي حتى تمر العاصفة أو يطبع مع غلاء لم يشهد المغرب له مثيل.
ومن جهة أخرى ترى الرابطة أن التخبط الذي يعرفه موسم بيع الأضاحي واستمرار ارتفاع أثمنة اللحوم لهو دليل قاطع على فشل كل المخططات الحكومية وعلى رأسها المخطط الأخضر.
ولم يفت الهيئة المدافعة عن المستهلكين أن استنكرت الحجم المفرط للوسطاء وعدم خضوعهم لما يكفي من المراقبة، خاصة على مستوى عرض الأكباش والأضاحي، وهو الأمر الذي يذكي المضاربة ويؤدي إلى تعدد المتدخلين في عملية البيع ويضر بمصالح الكسابة والمنتجين، كما يؤثر سلبا على جودة المنتجات بالنظر لتسببه في إطالة مسار قنوات التسويق، ليؤدي في نهاية المطاف إلى ارتفاع سعر بيع الأضاحي للمستهلك النهائي.
وخلصت الرابطة إلى أنه من أجل تجاوز هذه السلبيات المنغصة لفرحة “عواشر” العيد، فإنها تدعو المسؤولين لاستثمار هذه التظاهرة بشكل متوازن يخدم مصالح كل الأطراف المتدخلة والكف عن التعامل مع ملف سوق العيد بصورة موسمية، كما نادت بربط المسؤولية بالمحاسبة من خلال احترام تعليمات الوزارة في ترقيم رؤوس القطيع والاقتصار على العلف الطبيعي والكلأ الجاف، مع تحمل الكساب للمسؤولية في تقديم منتوج في المستوى للمستهلك.
أمل عكاشة