ينسب البعض للفاروق عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- قوله “لو كان الفقر رجلا لقتلته”، في حين ينسبه آخرون لسيدنا علي بن أبي طالب كرم الله وجهه.
ولو هنا حرف امتناع، أي امتناع الجواب لامتناع الشرط كما يقول أهل اللغة، فلا الفقر رجل، ولا عمر أو علي سيقتلانه.
الوضع الذي نحن عليه الآن، يدعو للقلق، الارتفاع المتواصل في الأسعار بات يخنق المواطن المغربي بكل طبقاته، عدا الطبقة الغنية بطبيعة الحال.
يخبرنا علماء وباحثو الثورات والانتفاضات أن الفقراء لا يقومون بثورة ولا يدشنونها، ربما يلحقون بها، ولكنهم لا يبدؤونها، هم قد يتمردون وينتفضون ولكنهم لا يثورون، وشتان ما بين الثورة والتمرد، فالثورة في معناها العام والواسع هي حراك شعبي كبير يستهدف تغييرا جذريا وكليا للنظام السياسي بشخوصه ومؤسساته وقيمه وممارساته واستبداله بنظام آخر أكثر تمثيلا وعدلا، فيما التمرد هو حالة انفجار لفئات وطبقات معينة نتيجة لتراكم حالة الغضب والإحباط.
وعليه، فإن الدول الفقيرة نادرا ما تشهد ثورات، ولكنها في أغلب الأحوال تشهد انفجارات وانتفاضات شعبية بهدف تحسين الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية.
وحسب جاك غولدستون عالم الاجتماع السياسي الأميركي والأستاذ بجامعة جورج مايسون، فإن الفقر وحده لا يؤدي إلى قيام الثورات، ويستدل على ذلك بأن الثورات التي حدثت خلال القرون الثلاثة الأخيرة كانت في بلدان متوسطة الدخل وليست فقيرة.
الثورة الأميركية عام 1775 قام بها المستوطنون الأميركيون الذين كانوا أفضل حالا من الفلاحيين الأوروبيين، و الثورة الفرنسية 1789 قام بها عمال وفلاحون كانوا أفضل حالا اقتصاديا واجتماعيا من نظرائهم الروس الذين جرت ثورة في بلادهم بعد ذلك بـ100 عام.
لكن، لماذا لا يثور الفقراء رغم فقرهم وعوزهم واحتياجهم الشديد؟ هنا نجد إجابات عديدة، منها أنه لا يستطيع الفقراء -سواء العمال أو الفلاحون- أن يقوموا بالإطاحة بحكومات تمتلك جيوشا نظامية عازمة على الدفاع عن أنظمتها مهما كان الثمن، فالثورات تحدث -في أغلب الحالات- عندما يقع انقسام أو انشقاق بين النخب الداعمة للنظام وليس الفقراء هم من يستطيعون تعبئة المواطنين من أجل الثورة.
أيضا، فإن الفقراء لا يمتلكون الموارد الكافية -سواء المادية أو المعنوية- لتشكيل قوة ثورية يمكنها العمل والتخطيط للتغيير،وأحيانا يفسر البعض الفقر باعتباره قدرا دينيا أو أمرا طبيعيا يجب تحمله والصبر عليه، لذلك فالفقر لا يؤدي إلى ثورات وإنما إلى تمرد شعبي، وكما أشرنا سابقا فإن التمرد هو انفجار مجتمعي يحدث نتيجة للاحتقان والغضب المتراكم، وبالتالي لا يوجد مشروع سياسي واضح خلف التمرد.
لكن إذا كان الفقر لا يدفع الناس للثورة فما الذي يدفعهم إذن؟
الحرمان النسبي وليس الفقر هو الذي قد يدفع إلى قيام الثورة وحدوث التغيير، فالشعور بعدم المساواة وانعدام الفرص -سواء في الدول الغنية أو الدول متوسطة الدخل- هو الذي يدفع باتجاه التفكير في الثورة، وذلك من أجل تغيير موازين القوى السياسية وتحقيق العدالة الاجتماعية، ويصبح الأمر أكثر إلحاحا عندما يدرك المواطنون أولا أن فقرهم ليس قدرا حتميا لأن بلادهم فقيرة ولكن نتيجة للسياسات الحكومية الفاشلة والفاسدة، وثانيا لأن هناك فئات وطبقات أخرى لا تعاني الفقر، بل تحتكر الثروات والموارد على حساب بقية المجتمع، وبكلمات أخرى، فإن فقرهم هو بفعل فاعل وليس أمرا قدَريا.
يحذّر البعض أحيانا مما تسمى “ثورة الجياع” التي قد تحدث نتيجة للفقر الذي يضرب البلاد والعباد، وهم هنا يخلطون -ربما بدون قصد- بين التمرد والانفجار الشعبي وبين الثورة، فالجوعى لا يثورون، وإنما يتمردون وينتفضون، ليس لإنهاء فقرهم بشكل حقيقي ومؤسسي، وإنما من أجل الحصول على مكاسب اقتصادية واجتماعية مؤقتة، وذلك دون تجاوزها بالضرورة باتجاه تغيير للنظام الذي يتسبب في فقرهم ومعاناتهم.
اذا كان المتظاهرون قبل سنوات في تونس والمغرب وليبيا ومصر واليمن وسورية هم من النخبة السياسية والطبقة الوسطى، فان “ثوار الجوع” هم من الطبقة المسحوقة المعدمة، الأمر الذي يجعل خطرهم اكبر، فماذا يمكن للإنسان المحروم من لقمة العيش أن يخسر؟، وهو يرى قطط الفساد السمان تنعم وأسرها برغد العيش، والقصور الفخمة والسيارات الفارهة.
حالة الاستفزاز التي تعاني منها معظم الشعوب العربية و منها المغرب، لا تأتي فقط من تدهور الأوضاع المعيشية وكسر ظهر المواطن بالضرائب، وإنما أيضا من فجور الأثرياء المقربين من دوائر السلطة، الذين لا يشعرون، بل وغير مستعدين أن يشعروا، بآلام المواطن وظروفه الصعبة، وتقديمه ككبش فداء لفشل سياساتهم وحكوماتهم.
ثورة الجياع ربما تكون قادمة وبأسرع ما يتوقع الكثيرون، فلم تعد الديمقراطية والحريات هي قمة الأولويات للأغلبية الساحقة من المسحوقين، في الوقت الراهن على الأقل، لقمة الخبز المخبوزة بالكرامة وعزة النفس، ثم بعد ذلك تأتي المطالب المشروعة الأخرى، فالديمقراطية “ترف” مؤجل بالنسبة للجائع والعاطل عن العمل الذي لا يجد رغيف الخبز لأطفاله ناهيك عن الدواء والخدمات الصحية والتعليمية في بلد يسوده الفساد الحكومي و التغول الطبقي.
لمياء السلاوي