أمل عكاشة
لم تقدم وزيرة الاقتصاد والمالية مستجدات ظرفية مهمة في عرضها بخصوص الخطوط العريضة لمشروع قانون المالية للسنة القادمة، فالجميع يعلم مسبقا بورش تعميم الحماية الاجتماعية وتأهيل منظومة الصحة الوطنية وإصلاح منظومة التربية والتكوين، وكذلك دعم الاستثمار وتكريس العدالة المجالية.
ولعل الأمر الوحيد الذي يضفي الفضول في عرضها، هو التساؤل عن تصور الحكومة لحل إشكالية ضعف المداخيل التي ستمول كل البرامج والمشاريع المذكورة، خاصة أمام تحديات التضخم وغموض المستقبل الدولي، فضلا عن ارتباك أسواق الطاقة والمواد الأولية والغذائية، ناهيك عن صعوبات الوضع الداخلي المتسم بضعف التساقطات وتراجع القيمة المضافة الفلاحية.
وتبدأ الوزيرة بإعلان تفاؤلها “العجيب”، مصرحة عن توقع نسبة النمو للسنة القادمة في 4%، فيما نسبة التضخم ستنحصر في حدود 2%، أما عجز الميزانية فسيبقى في حدود 4.5 % من الناتج الداخلي الخام. هذا مع العلم أن اقتصاد منطقة الأورو بالكاد يتوقع نموا لن يتعدى 0.5 %، في حين أن توقعات معدل النمو العالمي محصورة في 2.7 %.
فكيف سيمكن ذلك؟ وهل سيتضمن القانون المالي إجراءات ضريبية جديدة؟ هل سيتم أخيرا تفعيل مبادئ الجباية المواطنة ويتم التراجع عن الإعفاءات التي تثقب الوعاء الضريبي؟
تجيب الوزيرة: نعم! إذ يخطط مشروع الميزانية لاستعادة الهوامش المالية من أجل ضمان استدامة الإصلاحات، وذلك من خلال تعبئة كل الموارد المالية المتاحة، عبر تحصيل محكم للجبايات واعتماد آليات تمويل مبتكرة، والحرص على عقلنة نفقات تسيير الإدارة، وتفعيل الإصلاح المتعلق بالصفقات العمومية، والقانون التنظيمي لقانون المالية، وإعادة تقييم المحفظة العامة وتحسين أدائها.
وتضيف في نفس الصدد، أنه اعتبارا لدور النظام الضريبي في رفع التحديات الاقتصادية الراهنة، وتحقيق الأهداف المنشودة في مجال إنعاش الاقتصاد، سيتم تفعيل مقتضيات القانون-الإطار المتعلق بالإصلاح الضريبي، بما يتيح من وضوح الرؤية أمام الفاعلين الاقتصاديين، من خلال إصلاح شامل للضريبة على الشركات، وكذا قطاعي الأبناك والتأمينات، بموازاة مع تخفيف الضغط الضريبي على الأجراء والمتقاعدين من الطبقة المتوسطة.
وتؤكد مرة أخرى، أنه سيتم تمويل الميزانية وفق منظور قائم على تعزيز آليات التضامن، من خلال الرفع التدريجي من نسبة مساهمة الشركات الكبرى، مع إعادة اعتماد المساهمة الاجتماعية للتضامن على الأرباح والدخول برسم السنوات الثلاثة القادمة، حيث إن السياق الاستثنائي يحتم على الجميع المساهمة في تحمل النفقات الموجهة لتمويل الأوراش التنموية لبلادنا.
جميل جدا! هذا أقل ما يمكن قوله عند سماع هذه التصريحات على لسان وزيرة الاقتصاد والمالية أمام قبة البرلمان، ولكن، بعيدا عن التعابير السفسطائية الفضفاضة، ما الذي سيتغير في القانون المالي؟
يتبين من نظرة أولية على مشوع القانون المالي، أن هذا التكافل والتضامن يتجسد أساسا في الانتقال من نسبة 20 إلى 35 بالمئة في الضريبة على الأرباح للشركات التي يساوي أو يفوق ربحها الصافي مئة مليون درهم، ومن 37 إلى 40 بالمئة بالنسبة لمؤسسات الائتمان وبنك المغرب وصندوق الإيداع والتدبير ومقاولات التأمين وإعادة التأمين.
وعند استغراق القراءة والتمحيص في مشروع القانون، يتبين أن هذه النسب لن تطبق إلا عند حلول سنة 2026 ـ سنة الانتخابات ـ إذ سيتم تطبيق الضريبة تصاعديا وبشكل تدريجي، ولن تعرف السنة القادمة إلا نسبا ضئيلة جدا من الزيادة في سعر الضريبة على الشركات الكبرى، ومع الكثير من الاستثناءات.
ونفس الأمر سيطبق على مستوى المقاولات الصغيرة التي يقل أو يساوي ربحها الصافي 300 ألف درهم، فسينتقل سعر الضريبة عل الشركات المطبق عليها من 10 بالمئة إلى 12.5 في السنة القادمة، على أن يصل إلى 15 ثم 17.5 ف20 بالمئة على التوالي خلال سنوات 2024، 2025، 2026.
ويثار في هذا الصدد تساؤل حول الجدوى من تضخيم وترويج أرقام ستبقى في حكم الغيب، فمن المعلوم أن القانون المالي لا يلزم إلا السنة المعني بها (2023)، ولا يمكنه أن يمتد إلى السنوات الأخرى إلا بالاستشراف والتوقع، فكان الأجدر بالوزيرة، أن تحترم عقل المواطن وتقدم بصدق وشفافية إجراءات السنة القادمة، دون التسرّب لفخ الترويج للتطلعات على أنها مكتسبات.
ومن جانب آخر، تعتمد موازنة السنة القادمة على بعض التغييرات المستجدة، وللأسف فإنها لن تطال أغنياء البلاد، المفروض أن تتوجه لهم مطالب التضامن ورفع البأس.. بل سنحتمل جميعا تبعات الزيادة في الضرائب الداخلية على الاستهلاك، التي ستجري على الخصوص على المواد المحتوية على السكر ومنتجات الألبان.
أما حال الإعفاءات الضريبية المعول عليها، التي تقدر ب 29 مليار درهم ـ وهو ما يفوق إجمالي الميزانية المخصصة للصحة والحماية الاجتماعية ـ فيعلن القانون المالي أنه لا تغيير ستعرفه الإعفاءات الدائمة، بل على العكس، يزيد من لائحة المنعّمين بالإعفاءات المؤقتة لتشمل أيضا المنشئات الفندقية وشركات تدبير الإقامات العقارية للإنعاش السياحي والشركات الرياضية.. وكأنها مرافق أساسية يجدر بنا جميعا المساهمة في تكديس أرباحها.
وفي الختام، لا يمكن إنكار أنه شاع على المغرب سخاءه في الإعفاءات الضريبية، خاصة في قطاعي الفلاحة والعقار، وإن كنا لا نتحدث عن الماضي، فاليوم وجب القول أن الإعفاءات تضيّع مبالغ ضخمة وكبيرة جدا على تنمية البلاد خاصة مع الأزمات الحالية، والحق يقال، كنا ننتظر أن يحمل ثقل التحديات والمخاطر أثرا على هذا السخاء، أو على الأقل توجها عقلانيا في التضريب والاقتطاع، يراعي الفوارق الاجتماعية بما يحقق مبدأ التضامن والمساهمة على قدر الاستطاعة، الواردة في الفصلين 39 و40 من الدستور.