أمل عكاشة
مع توالي التحذيرات ودقات نواقيس الخطر، كان آخرها وصف تقرير التنمية البشرية الصادر مؤخرا، بأننا في زمن اللا يقين، حيث أعلن صراحة أن العالم و“لأول مرة في تاريخ البشرية“، أمام تهديدات وجودية من صنع البشر، وأن الاضطراب العالمي الذي سببته الجائحة لا يعد شيئا مقارنة بما سيشهده العالم إذا حدث انهيار في التنوع البيولوجي.. يتجند العالم، بسياسييه واقتصادييه.. لمواجهة الأخطار الجاثمة.
وفي هذا الإطار، أطلق البنك الأوروبي للاستثمار (EIB)أو ما يطلق عليه ببنك المناخ، مع القرض الفلاحي للمغرب، مهمة للدعم التقني، ترمي إلى الدمج الجيد للمخاطر المناخية في سياسة القرض الفلاحي للمغرب مع التعريف بفرص التمويل لصالح المناخ، ويأتي هذا الدعم في سياق موافقة مجلس إدارة البنك على تمويل جديد بقيمة 15.1 مليار أورو، بهدف تسريع استثمارات القطاع الخاص والعمل المناخي والنقل المستدام والتنمية الحضرية في جميع أنحاء أوروبا وحول العالم.
ويساعد البنك الأوروبي للاستثمار الأنظمة الاقتصادية على الازدهار وتوليد فرص العمل.. بصفته مؤسسة الإقراض الكبرى الأكثر اهتماما بالبيئة، بحيث يوفر قروضا ومشورة من الخبراء استفادت منها آلاف المشاريع في أكثر من 160 بلدا، كما يشجع البنك المشاريع التي تساهم في التنمية المستدامة والقدرة التنافسية والابتكار، بفضل التمويل المبتكر بهدف مواكبة ثورة الطاقة..
وعلى صعيد القرض الفلاحي للمغرب، أفاد بلاغ صادرعنه، أنه من شأن مهمة الدعم، التي ستمتد على 18 شهرا، أن تساعد المجموعة البنكية على تحسين منهجيتها لتقييم المخاطر المادية والانتقالية المرتبطة بالمناخ، إضافة إلى وضع نظام لإعداد التقارير ولنشر مطابق لأفضل الممارسات الدولية.
ويندرج هذا الدعم الجديد، حسب البلاغ ذاته، في إطار الشراكة الموقعة بين المؤسستين في شتنبر 2020، والمتعلقة بتمويل بقيمة 200 مليون أورو لفائدة المقاولات المغربية في قطاعي الفلاحة واقتصاد الأحياء.
ويتوخى من هذا الدعم على الصعيد الوطني، أن يعزز قدرة القرض الفلاحي على الاستعداد الجيد للأخطار المرتبطة بالمناخ، ومسايرة تطور التنظيمات الوطنية والدولية في هذا المجال، إلى جانب تطوير أدوات تحليل محفظة القرض الفلاحي للمغرب في أفق التمويل الأخضر وإعداد دليل إجرائي، من أجل نظام لتقييم وقياس المخاطر.
وسيمكن هذا العمل أيضا، من تدعيم مقاربة القرض الفلاحي في مجال الانتقال الأخضر، واستكمال ترسانة الآليات الموجودة، خاصة نظام تدبير المخاطر البيئية والمناخية.
وقالت أنا بارون، ممثلة البنك الأوروبي للاستثمار بالمغرب في تصريح صحفي؛ “نحن الآن نعيش مرحلة حاسمة في معالجة تغير المناخ وفي بناء نماذج مستدامة وضعيفة الكاربون، وبما أن القطاع المالي يعتبر جزءا من الحل، فإن القرض الفلاحي للمغرب يمكن أن يلعب دورا محوريا في هذا المجال، الأمر الذي سيجعل من شراكتنا معه مربحة للجميع”.
وأضافت أن ” الإدماج الجيد للخطر المناخي، سواء على المستوى المالي أم من حيث فرص السوق، يشكل تجسيدا لخارطة طريق مجموعة البنك الأوروبي للاستثمار في إطار دوره كبنك للمناخ لصالح المملكة المغربية”.
ومن جهته صرح نور الدين بوطيب، رئيس مجلس الإدارة الجماعية للقرض الفلاحي بالمغرب، قائلا؛ “أصبح التغيّر المناخي حالا واقعا بالمغرب، فمع معدلات الجفاف الخطيرة، يتأثر القطاع الفلاحي بشكل مباشر.. ولذلك فإننا نعتبر أن من صميم مسؤولياتنا أن نواكب زبناءنا على أفضل وجه لتمكينهم من التأقلم مع تغيّر المناخ، مع تعزيز وسائل تدبير وتخفيف هذه المخاطر.. وبما أن البنك الأوروبي للاستثمار، بنك المناخ، يتوفر على خبرة مهمة في هذا الموضوع، فهو يُعتبر الشريك المثالي من أجل مواصلة وتعميق إنجازات القرض الفلاحي للمغرب في مجال الانتقال الأخضر”.
الرهان على أوروبا والباقين لهم الفتات..
وبما أن المناخ شأن عالمي، فإن البنك “المناخ” يعدد جبهات العمل تصديا للمخاطر البيئية التي أصبحت محققة، خاصة وأن “العالم يمر بأزمة طاقة غير مسبوقة، نتيجة للغزو الروسي لأوكرانيا، مما يجعل العائلات والشركات تواجه خيارات صعبة..” على حد تعبير رئيس المفوضية الأوروبية، في بيان البنك.
ويَعتبر البنك، في هذا الصدد، أن الاستثمار الجديد أمر بالغ الأهمية، من أجل تأمين إمدادات الطاقة النظيفة، ولذلك فهو يتطلع إلى العمل مع الشركاء لتوسيع نطاق إنتاج الهيدروجين الأخضر والطاقات النظيفة.. حيث وافق بنك الاستثمار الأوروبي على استثمارات جديدة واسعة النطاق لتوسيع نطاق توليد وتوزيع الطاقة المتجددة وعلى مبادرات رائدة لتوفير تمويل مبسط للاستثمار التجاري الأخضر والمستدام.
ومن بين المشاريع التي حظيت بدعم البنك نذكر؛ خطط إقراض من أجل تسريع الاستثمار الزراعي في إيطاليا، إلى جانب ضمان حصول المزارعين الشباب في فرنسا على التمويل، فضلا عن تعزيز تمويل التأجير من أجل النقل التجاري المستدام في رومانيا وزيادة الدعم للأعمال التي تقودها النساء في إفريقيا.
كما همّ الدعم، مبادرات التمويل الجديدة التي تستهدف طاقة الرياح، والطاقة الكهروضوئية والطاقة المائية والحرارية الأرضية في فرنسا، والطاقة الشمسية الصغيرة في إيطاليا، ناهيك عن مزارع الرياح كبيرة الحجم في وسط إسبانيا، وأيضا خططا لإدارة النفايات في غرينوبل ومشاريع إعادة التدوير واسعة النطاق في كل من هولندا وبلجيكا.
أما على صعيد معظلة ندرة المياه، فتمت الموافقة على مشاريع جديدة لزيادة الإمداد الآمن بالمياه في ساو تومي، مع رفع مستوى معالجة المياه الجوفية من قبل واحدة من أكبر شركات الإمداد بالمياه في هولندا.
كذلك الأمر بالنسبة للنقل المستدام، حيث أجاز مجلس إدارة البنك تمويل قطارات المترو الجديدة في باريس وصوفيا والسكك الحديدية الإقليمية في ميونيخ وقطارات الترام في كارلسروه، إلى جانب مخطط جديد لتسريع الاستثمار في أساطيل سيارات الأعمال منخفضة الانبعاثات في جميع أنحاء أوروبا.
هكذا ستستفيد المجتمعات في جميع أنحاء أوروبا من استثمارات جديدة مدعومة من قبل بنك الاستثمار الأوروبي، إذ قال فيرنر هوير، رئيس بنك الاستثمار الأوروبى؛ “إن المشاريع الجديدة التي تم الاتفاق عليها وتنفيذها من قبل شركاء التفكير المستقبلي، ستساعد على حماية المجتمعات الضعيفة بشكل أفضل في أوروبا وإفريقيا ومنطقة بحر الكاريبي من تأثير تغير المناخ وتمكين الانتقال العادل في المناطق المتأثرة بشدة من التغييرات الناتجة عن استخدام الطاقة التقليدية”.
وأمام أهمية وراهنية المشاريع والاستثمارات التي يتبناها ويرعاها بنك “المناخ” لا يسعنا إلا التساؤل عن أسباب وخلفيات هزالة وضآلة حصة المغرب منها، التي اكتفت بإنجاز الحصول على دعم تقني من أجل “الدمج الجيد للمخاطر المناخية في سياسة القرض الفلاحي للمغرب مع التعريف بفرص التمويل لصالح المناخ”!.