أمل عكاشة
في خطوة جريئة، أصدرت وزارتا الداخلية وإعداد التراب الوطني والتعمير والإسكان وسياسة المدينة، دورية مشتركة تقضي بموافاة المصالح المركزية، داخل أجل أقصاه 20 من غشت الجاري، باقتراحات تعيين مراقبي التعمير، كما ألزمت نفس الدورية، بموافاة المصالح المركزية بتقارير حول مختلف الإشكاليات التي تعترض التفعيل الأمثل لمنظومة مراقبة وزجر مخالفات التعمير والبناء، مع إرفاقها باقتراحات من أجل تجاوز الإشكاليات المثارة.
وتأتي هذه الخطوة، التي ترمي إلى تعيين مراقبين في مجال التعمير والبناء وتنسيق وتتبع عمليات المراقبة، في إطار استكمال تنزيل منظومة مراقبة وزجر مخالفات التعمير والبناء، بما يمكن من تحقيق الأهداف والغايات المبررة لإصدارها.
وتبرز أهمية الدورية المذكورة، عند استحضار أهمية المراقبة في تكريس وجوب الحرص على اتساق البناء والتعمير مع المقتضيات التشريعية والتنظيمية الجاري بها العمل، وانطلاقا من تعدد المهام الوظيفية لرجال السلطة، فضلا عما أنيط بهم من اختصاصات في هذا المجال بصفتهم ضباطا للشرطة القضائية، فقد نص المشرع على تعيين مراقبي التعمير تخول لهم الصفة الضبطية، ويمنحون صلاحيات مهمة في مجال مراقبة وزجر المخالفات، تتمثل في صلاحية إصدار أوامر فورية بإيقاف الأشغال وحجز المعدات وأدوات ومواد البناء وإغلاق الأوراش ووضع الأختام عليها، وبإنهاء المخالفات.
وتوضح الدورية، أنه يتعين على المراقبين القيام إما تلقائيا أو بعد إبلاغهم من طرف الجهات المختصة قانونا، بمهام المراقبة بكيفية دائمة ويقظة داخل النطاق الترابي المحدد لهم في قرار تعيينهم، والعمل على مراقبة أوراش المشاريع بكيفية مستمرة، لضبط المخالفات في مجال التعمير والبناء في إبانها، واتخاذ الإجراءات اللازمة في حق المخالفين، وذلك وفق نماذج الوثائق المتعلقة بمراقبة وزجر المخالفات في ميدان التعمير والبناء.
اعتبارا لتعدد المراقبين في مجال التعمير والبناء داخل النفوذ الترابي المحدد في نطاق تدخلهم بين ضباط الشرطة القضائية (القائد والباشا) الذين يزاولون مهام مراقبة وزجر مخالفات التعمير والبناء داخل مجال اختصاصهم الترابي، وبين مراقبي التعمير التابعين للوالي أو العامل أو للمفتشيات الجهوية للتعمير والهندسة المعمارية وإعداد التراب الوطني، وتمهيدا لإرساء منظومة رقمية مندمجة لكيفية إعمال وتنسيق وتتبع عمليات مراقبة وزجر مخالفات التعمير والبناء، فإنه يبقى من الرئيسي والملح وضع آلية تنسيقية لعمل المراقبة وكذا تيسير توحيد منهجيتها بما يضمن فعاليتها ونجاعتها من جهة، وتحصينها من موجبات زيغها عن جادة القوانين والأنظمة المؤطرة لها من جهة ثانية، وذلك من خلال اعتبار قسم التعمير بالعمالة أو الإقليم، الوحدة الإدارية الأكثر أهلية لتنسيق عمليات مراقبة وزجر مخالفات التعمير والبناء، تحت إشراف السيد الكاتب العام للعمالة أو للإقليم.
وإلى جانب هواجس التنسيق، تطرقت الدورية إلى رهان توحيد المنهجية في مراقبة وزجر مخالفات التعمير والبناء، وفي ذلك، أعدت وزارة الداخلية، دليلا عمليا من أجل توضيح كيفية الإعمال القانوني لمنظومة مراقبة وزجر المخالفات في مجال التعمير والبناء، بما يمكنهم من إعمال مختلف الصلاحيات الموكولة إليهم في هذا المجال في اتفاق واتساق مع المقتضيات القانونية والتنظيمية والإجرائية.
وللإشارة، فإن الدليل المذكور قد تطرق بشكل مفصل لمفهوم المخالفة في مجال التعمير والبناء ولمختلف الجهات المتدخلة في معاينتها، كما عالج بشكل دقيق وعملي المسطرة الواجب اتباعها منذ معاينة المخالفات إلى حين تطهيرها بشكل تام، وفق مبدأي الالتقائية والديمومة، كما أجاب الدليل على مجموع الإشكاليات العملية التي تم طرحها للنقاش من طرف رجال السلطة الممارسين أثناء تلقيهم للتكوين القانوني التخصصي في مجال التعمير والبناء..
يبدو بوضوح، عزم المصالح المركزية تنزيل المقتضيات المتعلقة بمراقبة مخالفات التعمير، بما يتطلب من استكمال للأجهزة وتبسيط للمساطر وتوحيدها.. في أفق القضاء على الفساد الذي استفحل في قطاع البناء والتعمير، ولكن يبقى السؤال، هل المقاربة الضبطية الزجرية كافية لتحقيق المبتغى؟ أم أن المعضلة تحتاج مقاربة شاملة وبنيوية؟