محمد بن عبد السلام الطريباق
جريدة طنجة – شاكر المساوي (المقاوم محمد بن ع.السلام الطريباق)
الثلاثاء 12 ماي 2015 – 12:44:12
بسم الله الرحمن الرحيم.
“تَبـارك الذي بيده الملك و هو على كل شيء قدير، الذي خلق الموت و الحياة
ليبلوكم أيكم أحسن عملا، و هو العزيز الغفور” صدق الله العظيم.
انتقل إلى عَفْوِ الله ورحمته، مساء يوم الاثنين 4 ماي 2015، المقاوم محمد بن ع السلام الطريبق عن سن تناهز ثمانية وثمانين سنة، ولهذا تتقدم كل من النيابة الإقليمية للمندوبية السامية لقدماء المقاومين وأعضاء جيش التحرير بطنجة، وأسرة المقاومة و جيش التحرير بطنجة بأحر التعازي إلى أسرته الكريمة، وأقربائه من عائلات أزماني والعاطفي والشعيري والداودي، وكافة أصدقائه ومجايليه، داعين الله عز وجل أن يسكن الفقيد فسيح جنانه، ويرزق ذويه الصبر والسلوان.
المحتد:
هو محمد بن عبد السلام بن علي الطريبق(1885م) و عائشة الحسن خيرون (1900م)، ولد في 24 شتنبر 1927، بمنزل والده بحي القصبة حيث يقطن حتى الآن، كان والده طالبا ( فقيها) حافظا لكتاب الله، كان له أخ واحد، وشقيقتين.
النشأة و التكوين:
تربى المقاوم محمد الطريباق في أحضان العائلة بحي القصبة بمدينة طنجة، التحق بالمدرسة القرآنية ( الكتاب) و هو في سن الخامسة سنة 1932، وامتد مقامه العلمي بهذا الكتاب (جامع الكحواشي) إلى سنة 1940 م.
فقد التحق بمدرسة الفرنسية ذات التكوين المزدوج (فرنسي/عربي)،و كانت تسمى لدى أهل المدينة بـ: “L’école arabo francaise fils des notables ». و يتذكر صاحب الشهادة أن من أبرز الأسماء التي تكونت في هذه المدرسة الأستاذ عبد الرحمان اليوسفي، وع الرحمان أنكاي، ومحمد العربي الفحصي، وإدريس الفلاح…
كما يتذكر بعض ممن تتلمذ و زملاؤه على دروسهم في أقسام هذه المدرسة، كالأستاذ المختار البارودي، و الأستاذ جعفر بنعثمان، الذي كان يدرس اللغة العربية، و الأستاذ محمد الحداد الذي كان يدرس الدين، كما كان من أعمدة هذه المدرسة العلامة عبد الله كنون و الفقيه الغسال.
في 21 يونيو 1944 حصل على الشهادة الابتدائية من هذه المدرسة، كما أنه في صيف هذه السنة (1944) أوحى له مدير المدرسة المدعو بـ: ponse بالالتحاق بالأكاديمية العسكرية الفرنسية بمدينة مكناس، وإذاك وجهه إلى القنصلية الفرنسية بطنجة بموجب رسالة مكتوبة، وهو ما حصل فعلا حيث وقع التزاما للالتحاق بالاكاديمية المذكورة بالقنصلية الفرنسية تحت الرقم 60، وتمت هنالك مطالبته بالالتحاق أيضا بالقنصلية الأنفة في شهر شتنبر من نفس السنة لمنحه تذكرة السفر إلى مدينة مكناس لولوج الأكاديمية العسكرية تلك، ومن زملائه اللذين إلتحقوا بالأكاديمية الآنفة، الفوج الأول، يذكر الجنرال ع القادر بن خرابة تحت رقم 64، والجنرال الحاتمي تحت رقم 69.
غير أن المعني بعد توقيعه للالتزام المذكور أعلاه، أحس بالندم بعد أن عادت به الذاكرة إلى بداية السنة (1944)، ليتذكر الأحداث القريبة التي واكبت تقديم وثيقة المطالبة بالاستقلال، وما صنعه وما يزال الفرنسيون بالمغاربة، ليتراجع عن الفكرة اتقاء لشر الاصطفاف في ذيل الطابور العسكري الفرنسي، و الاضطرار لمواجهة بني جلدته و إخوته الوطنيين تحت سطوة الأوامر العسكرية و ضوابطها، غير أنه كان عليه التفكير في طريقة لتحلل من الالتزام الذي أمضاه.
ولحسن الصدف، ففي ذات الصيف، سيستدعيه مدير الشركة التي كان يشتغل بها والده وشقيقه البكر، الذي (شقيقه) توفي في شهر يونيو (1944)، حيث طالبه بالاشتغال في الشركة إلى جانب والده خلفا لشقيقه المتوفى، وإذاك صرح له بأنه ملتزم مع الفرنسيين للالتحاق بالمدرسة العسكرية الفرنسية بمكناس، ليرد عليه مدير الشركة بأنه من سيتكلف بإعفائه من هذا الالتزام، ليحرر له أحد الأطباء الإسبان بالمدينة شهادة طبية تفيد عجز واله عن العمل، وأن الابن (محمد الطريبق) هو المتكفل بوالده وعائلته، ولما ذهب بها إلى القنصلية الفرنسية، واعتذر عن الذهاب إلى المدرسة العسكرية للسبب المذكور في هذه الشهادة، خاطبه أحد الفرنسيين هناك بأنه محظوظ ما دام في منطقة طنجة الدولية، ولو كان غير ذلك لاقتيد إلى المحكمة العسكرية بسبب التحلل من الالتزام.
العمل الوطني:
كانت بداية العمل الوطني بالنسبة للمقاوم محمد بن عبد السلام الطريبق، أو لنقل، أن المنبع الذي استمد منه الرجل الحس الوطني، كان هو العمل الكشفي، فقد انخرط في هذا اللون من العمل مبكرا، و هو ابن الثالثة عشرة ربيعا، إذ انضم إلى الكشاف الإسلامي الطنجي-فرع الشروق- سنة 1940، و من ثم سيؤسس فرع طليعة الهلال الأحمر بالكشفية المذكورة حوالي سنة 1944 م.
أما البداية الحقيقية للعمل الوطني، و الانخراط المباشر في العمل الوطني، فكان وراءها التعرف على السيد عبد الرحمان انكاي، و الذي ألهمه كثيرا في العمل الوطني، بل و أن الرجل حسب شهادة المقاوم محمد الطريبق كان أحد أعمدة العمل الوطني و المقاومة بمدينة طنجة.
ففي سنة 1944 التقى المقاوم محمد الطريبق بالوطني عبد الرحمان أنكاي بمقهى طنجيس (tinjis) بالسوق الداخل، وهنالك اتفقا على العمل بالتنسيق مع بعضهما البعض، وفي إحدى المرات اصطحبه ع الرحمان أنكاي إلى منزل علال الفاسي بشارع سالفادور (salvador) حسان بمحيط القصبة، فوجد هناك مناضلين يقومون بأداء القسم على المصحف الكريم، وإذاك سأل المعني(المقاوم محمد الطريبق) المرحوم علال الفاسي عن الأمر، وهل هو بدوره مدعو لذلك؟ فأجابه المرحوم الفاسي علال بأنه ليس معنيا بأداء القسم، لأنه رجل ثقة، إذ قال له بالحرف بالدارجة المغربية : (أنت أولدي محلف خلوق)
أما في سنة 1947، التي عرفت الزيارة التاريخية لجلالة السلطان سيدي محمد بن يوسف(محمد الخامس) رفقة الأمير مولاي الحسن ولي العهد آنذاك، و الأميرة للاعائشة، قام بكتابة ملصق أضمنه العبارة التالية باللغة الفرنسية:
«nous voulons que la souveraineté doit revenir à son unique et légitime représentant le sultan sidi Mohamed Ben youssef ».
كما كان يقوم حينئذ، برسم أعلام الجمهورية الفرنسية، التي كانت تحوي شعار الثورة الفرنسية الشهير: liberté, égalité, frate
ité، الذي يشطب عليه ويعلق بما بلي: ça n’existe pas chez nous
وكان يساعده في تثبيت المنشورات أحد أبناء المنطقة المدعو الشريف، و الذي كان يشتغل مع دور السينما في توزيع و تثبيت إعلانات الأفلام التي كانت تعرض في هذه القاعات، كما كان لأخته فاطمة المزدادة سنة 1933، دور يكمن في إعداد العجين الذي يستعملانه في تثبيت الملصقات المذكورة على الجدران.
من 20 غشت 1953 إلى 16 نونبر 1955:
في مرحلة نفي السلطان الشرعي سيدي محمد بن يوسف (20 غشت 1953م)، كان السيد محمد الطريبق يشتغل في شركة اسبانية تسمى « Société marocaine des pêches et conserves du Maroc » ، والمعروفة لدى أهل المنطقة بـ:”المضربة”، و هي كلمة عربية “المزربة”، كانت تطلق على صيادي سمك “التون” “thon” ، و يقع مقرها على مقربة من ميناء المدينة (طنجة)، وكان على علاقة بوسيط( سمسار) يدعى المراكشي، وكان الأخير يتوسط للسيد محمد الطريبق في شراء السلاح من المهربين الأوروبيين، و قد قام فعلا بشراء عدة أسلحة بوساطة الشخص المذكور.
ومرة جاءه السيد المراكشي عارضا عليه شراء ست و ثلاثين مسدسا كانت في حوزة مهرب أجنبي، و قد عرض عليه السيد الطريبق مبلغ 3000 بسيطة اسبانية لكل مسدس، فيما طالبه المراكشي بمبلغ 3500 بسيطة كمقابل، و توقفت المفاوضات في هذا الحد دون توافق، وبعد انصراف كل منهما لحاله، لاحظ السيد الطريبق لقاءا بين المراكشي ورجل آخر، و بعد فراقهما، أيضا، اتصل بالأخير الذي كان هو ع القادر اعبيدة، فاستفسره عن الأول، و عن سلاح كان ينوي بيعه له(للسيد الطريبق)، وهنا صرح له السيد ع القادر اعبيدة بأن السلاح من جلب أحد النصرانيين، وأنه (اعبيدة) هو المكلف ببيعه،و قد أوصى المراكشي على أساس بيعه بمبلغ 3000 بسيطة، فيما كان الأخير يبالغ في الثمن لفائدته.
و في سنة 1954، يقول السيد محمد الطريبق، بأنه اتصل به السيد ع القادر اعبيدة يخبره بوجود قارب من سلاح لدى أجنبي، ليسارع إلى ربط الاتصال بالسيد ع العزيز العميري بمدينة تطوان، و قد تكلف هذا الأخير بشراء السلاح المذكور على حساب وطني مدينة تطوان، ثم إيفاد القارب إلى الحسيمة لفائدة الوطنيين هناك، و هو الأمر الذي تكلف به المقاوم عبد العزيز العميري.
خلاصة القول بهذا الصدد، هو أن الرجل اشتغل ضمن الشعبة التي أسسها عبد الرحمان اليوسفي سنة 1953، وهي تتكون أولا من : إبراهيم بنسعيد الذي كانت له مهام جباية التبرعات المالية لشراء السلاح، والمدني المكوري الذي كان يلقب بالمصوري، وكان بدوره يقوم بجمع المال وتسليمه للمناضل بنسعيد، وعبد السلام الكبداني الذي كان مكلفا بنقل السلاح إلى خارج مدينة طنجة، وكان للرجل (الطريباق) في هذه الشعبة مهام البحث عن السلاح وشرائه، نظرا لعمله بمناء طنجة آنذاك، ويسلمه للمكلف بنقله، وكان عمل كل عنصر من هذه العناصر محاطا بالسرية التامة، تفاديا لافتضاح الأمر.
وبعد رحيل الأستاذ ع الرحمان اليوسفي إلى مكتب المقاومة بمدريد، خلفه الدكتور ع اللطيف بنجلون في تسيير الخلية، وكان التواصل بين الإثنين يتم بعيادة الدكتور بنجلون.
ومن أعمال المقاوم فتحه لخطي إثنين سيدي اليماني وأصيلة أولا، بتنسيق مع السيد المختار البقالي وع السلام الصنهاجي، والقصر الكبير ثانيا، بتعاون مع الشاوي الذي كان مجندا بالجيش الإسباني.
العمل الوطني و العمل المضاد:
في خضم تمخضات العمل الوطني، أسماء و أسماء، أشخاص ملطخة أيديهم بنجاسة التجسس و العمالة للاستعمار، إنهم أذناب الذل و الهوان، و لقد كانوا كثرا حسب رأي صاحب الشهادة، و منهم من كان يندس بين صفوف الوطنيين و المقاومين، بل منهم من ادعى صفة المقاومة و النضال الوطني، وما هم إلا أذناب الاستعمار، استمالهم المال عن الوطن، يحكي المقاوم محمد الطريباق صاحب هذه الشهادة، و قد عانى من مضايقاتهم هو و أصحابه كثيرا.
يبقى المقاوم محمد بن عبد السلام الطريباق أحد أبرز مقاومي و مناضلي مدينة طنجة، إنه اسم يذكر على لسان كل من جايله و عاصره، و معروف عنه عمله الوطني رفقة زملاء و مناضلين أمثال: عبد الرحمن انكاي، وعبد السلام الصنهاجي، وعبد السلام الكبداني، والعربي غيلان، وبنعزوز علال الرحيوي، وبنعيسى الغازي، والبغدادي عبد المالك، وإبراهيم بنسعيد والمدني المكوري…الخ.
______________
بقلم : شاكر المساوي : النائب الإقليمي للمندوبية السامية
لقدماء المقاومين وأعضاء جيش التحرير بطنجة












