«قربلة » بالبرلمان : جَلسةُ ” مُسافَهَة ” ! ..
جريدة طنجة – عزيز گنوني
الجمعة 08 ماي 2015 – 11:18:17
كلمة «السفاهة » كانت إذن، سبب إحداث «قربلة » تحت قبة البرلمان بعد أن شرع رئيس الحكومة في الرد على اعتراضات المعارضة بشأن السياسات المالية والاجتماعية للحكومة وخطر ارتفاع المديونية، في إطار جلسة «مساءلة » حول السياسات العامة للحكومة،
التي تمحورت حول تقليص المديونية واسترجاع توازن الميزانية. وكما هو معلوم، فإن للسفاهة مدلولان : عربي نجده في «لسان العرب » و «مختار الصحاح » و «المعجم الوسيط » ، وفي غيرها من أمهات كتب فقه اللغة، ومعنى مغربي نجده في كلام «قاع المدينة » وقاموس الحلايقية !….
المعنى العربي يدل على الطيش والجهل والوقاحة والخدع، أما معنى السفيه عند العامة فهو رجل حديد اللسان سليطه، بذيء الكلام فاحشه ، خبيث الكلام ، فاسده ، شكس، بائس، لا ينضبط بخلق ولا ينعم بتربية ، جبلة في جبلة )بفتح الجيم وسكون الباء(، منافق مخادع كذاب مستفز ، والعياذ بالله !!!…..
فـأي الصنفين من هذا التعريف اللّغوي يمكن، في نظركم، أن يُبَّـررَ المُواجهات «السوقية » بين المعارضة والأغلبية، خلال جلسة «المسافهة » الثلاثاء الماضي تحـت قبة البرلمان والتي قال عنها رئيس البرلمان، الطالب العلمي، إنه سلوك «بدائي لا يمت للنقاش الحضاري بصلة وتجاوز لقوانين المؤسسة التشريعية التي توافقت الفرق البرلمانية لوضعها كقانون داخلي للمجلس .»
و يَبْدو أن الذي حدث كان «النقطة التي أفاضت الكأس » بعد كل هذه الحملات النارية التي تواجه بها أحزاب المعارضة حكومة عبد الإله بنكيران منذ نشأتها نتيجة اختيار شعبي ديمقراطي لا جدال فيه، زكاه جلالة الملك عملا بمقتضيات الدستور.
و معلوم أن حملات أحزاب المعارضة ضد الحكومة ازدادت حدة منذ الصيغة الثانية، بعد الاتهامات الخطيرة التي وجهها «زعيم » حزب الاستقلال، شباط، والذي رمى رئيس الحكومة بخدمة «أجندات خارجية »، لفائدة منظمات إرهابية عالمية، بعد محاولة إلصاق صفة
«الإخوانية » بحزب العدالة والتنمية، إلى غير ذلك من الكلام الجارح الذي توجهه يوميا لرئيس
الحكومة قيادات المعارضة.
حقيقة إن أداء حُكومة بنكيران يَشوبه الكثير من العُيــوب، وينم في كثير من الأحيان، عن عَدم إلْمــام عَميـق بــأسرار تدبير الشأن العام، و هـــو أمر طبيعي، اعتبارا لآنها التجربة الأولى لهذا الحزب الذي اختــاره الشعب، أو أغلبية المصوتين ممن «عزفوا عن العزوف »، وتوجهوا إلى صناديق الاقتراع أملا في التغيير، هذا التغيير الذي لا يمكن أن يأتي دفعة واحدة، لأن إرث خمسين سنة من الارتجال والتبذير جعل أبسط الحلول صعبة ومكلفة. وبالتالي فقد لوحظ أن مجهودا بذل من أجل الدفع بمسلسل الإصلاح إلى الأمام، خاصة في المجال الاجتماعي والاقتصادي والمالي.
وحيث إن لكل مخطط إصلاح ثمنه وتكلفته، فإن التدابير التي اتخذت، على محدوديتها شكلا ومضمونا، توحي بأن شيئا ما بدأ يتغير في المغرب. وأنه لو تضافرت جهود الجميع، معارضة وأغلبية، لتم تحقيق منجزات أكبر وأوسع وأنفع.
بعض مآخذ المعارضة صائبة جدا، ودقيقة جدا، ولكنها تفقد أهميتها حين يتم لفها بغطاء السياسة السياسوية، التي لا تأخذ الأمور بعين الواقع ، في حين أن المشاكل قائمة ومعروفة ويتم نقاشها على الساحة العامة منذ عشرات السنين، في ما يخص المجالات الاجتماعية، خاصة، ولكن الوصول إلى الحلول لا يتم في ثلاث سنوات أو خمس أو عشر… وسيكون من الإجحاف أن نطالب من الحكومة، أي حكومة، أن تحقق في ظرف وجيز، ما عجزت عنه إحدى وثلاثون حكومة منذ حكومة المرحوم مبارك البكاي الأولى !!…… ليس في هذا الكلام ما يمكن اعتباره مناصرة لحكومة بنكيران أو للعدالة والتنمية، بقدر ما هو شجب للممارسات الرديئة التي تطبع عمل رجال السياسة في بلدنا ، داخل البرلمان أو خارجه.
ولعل حكاية «السفه » ليست غريبة على البرلمان والبرلمانيين، فالسفه بالمعنى العربي ترجمته أقوال وأفعال وممارسات عدد من «ممثلي الأمة »، في تدخلات كان العديد منهم «يتهجاها » بصعوبة، وأيضا عندما تصطاد كاميرات الصحافيين نوابا «نواما » والجلسة قائمة،
أو يلعبون الكارطة الإليكترونية، أو يتغيبون بالمرة عن أداء واجب مدفوع الأجر من جيوب الشعب، أو عندما «كشف » نائب محترم عن «كرشه » التي تغري بالنظر إليها، دون اعتبار لحضور نائبات مستيقظات، أو حين يتم التنابز بالألقاب المشينة بين النواب ….. وخير دليل
على «السفاهة » البرلمانية، تلك «المشادة التاريخية » بالسب والشتم والضرب والعض، التي كان بطلاها «زعيم » حزب الاستقلال، شباط، وأحد نواب مدينة فاس ! …. واللائحة طويلة.
من المآخذ على بنكيران نزعه إلى تفسير عمله الحكومي بظواهر غيبية، كأن يدعي أن حكومته تحظى بعطف الله سبحانه وتعالى أو أنها حكومة مباركة، لأن المطر نزل و لأن أثمان النفط انخفضت،،،إلى آخره، والحال أن كل ما في الكون يسير بمشيئة الله وإرادته الربانية، وأن
استعمال رئيس الحكومة للدين يذكرنا بممارسات نصرانية تعود للقرون الوسطى.
المؤسف أن تنقلب جلسة مساءلة إلى جلسة «مسافهة » شاهدها الشعب المغربي وتتبعها وأخذ فكرة أخرى عن مستوى سياسيينا وقادة أحزابنا أغلبية ومعارضة وعن الحكومة التي يديرها حزب بالخلفية المعلومة.
فهل سيتعظ المنتخبون )بكسر الخاء طبعا(،في المرة القادمة ويدققوا اختياراتهم حين يتوجهون لصناديق الاقتراع بعد أن تيقنوا أن «السلعة » الحالية في سوق السياسة بائرة باترة
كاسدة فاسدة !
_____________
بقلم : عزيز كنوني
azizguennouni@hotmail.com