“حسنات النظام”
جريدة طنجة – محمد العطلاتي ( التظاهرات بين الأمس والغد)
الأربعاء 29 ابريل 2015 – 10:40:48
و الواقع أن هذه الفترة التاريخية تستحق، في اعتقادي، الحنين إليها، ليس بالنظر إلى ما عرفته من”إيجابيات” أو من “مساوئ”، لأن ذلك قد يعتبر مجرد حكم قيمة فاقد خاصية الارتكاز على أساس موضوعي صلب و سليم، بل بالنظر إلى تحقيق رغبة في إنجاز “نظرة” تكتسي الحد المعقول من “الموضوعية” و التجرد “الملائم” من بعض الأوهام الذاتية.
أتذكر في هذا السياق موسما دراسيا ابتدائيا أواخر السبعينات من القرن الماضي عندما “فوجئنا”، كتلاميذ في قسم عُرِفَ حينها بالمتوسط الثاني، بوجود أفراد من الشرطة يرابطون في بوابة المدرسة، ونحن نهم بمغادرتها.
وجود رجال شرطة في مكان ما ارتبط في ذهننا الفتي البريء على الدوام بوجود خطر داهم، و الخطر في مفهوم الصبية يجسده في المقام الأول “اللصوص” و “قطاع الطرق”، لذلك فإن أول ما تبادر إلينا سؤال بسيط : ما علاقة مدرستنا الابتدائية ب”قطاع الطرق” و “عصابات اللصوص”؟
لكننا اكتشفنا فيما بعد أن مناسبة نزول البوليس ضيفا على بوابة المدرسة كان بسبب دعوة نقابية لإضراب رجال التعليم، و يبدو أن شرطيا كان يقتعد مكان الحارس”المجدوب”، لاحظ “دهشة” التلاميذ فدعانا إليه ليطمئننا قبل أن يدعو لنا بمستقبل أفضل مما كنا عليه.
و لكوني “حيوانا سياسيا”، فقد اكتشفت فيما بعد أن الشرطي كان في وضع لا يملك له تفسيرا منطقيا أو تبريرا مقبولا، لكن اعتبارا لكونه شرطيا تابعا”للنظام”، لا يملك حرية اختيار مواقع تواجده، فقد “عبر” عن موقفه “السياسي” بإعلان تضامنه “الضمني” معنا.
تلك المرحلة من تاريخ المغرب، سأعرف فيما بعد أنها سميت بـ”الإجماع الوطني” و ” المسلسل الديموقراطي” في الخطابات السياسية التي راجت في حينها، و سأفهم، بالضرورة، أن سلوك الشرطي كان بمثابة الصوت المسموع لتلك “المراجعات” التي كان يجريها الحسن الثاني.
رغم ذلك، فقد استمر “النظام”، كما كان يحلو لليسار تسمية نمط الحكم هذا، في “ترهيب” الناس، حتى إنه لم يكن يتردد في منع مظاهرات فاتح ماي، العيد العالمي للعمال، اما “مظاهرات” من طينة أخرى فلم تكن لتتحقق إلا بمناسبة “الاحتفال” بالأعياد الوطنية، و في مقدمتها عيد العرش”المجيد”، عندما “تتنافس” المدارس في إقامة استعراضات أمام منصة يتوسطها عامل الإقليم، باعتباره رمزا من رموز “النظام”، فالمظاهرات “النضالية” كانت ضربا من ضروب الخيال الأدبي، فـ”النظام” بهراواته السمينة، كان مولعا بفرض”النظام” حتى داخل ساحات المدارس”النظامية”.
اليوم يبدو أن الأمور تغيرت نحو وضع مُغـايــر، على الأقل في موضوع “مُعـالَجــة” المُظـاهــرات، في السابق التظاهر “عملا و صفة” لصيقة بالعمال و الطلاب، فلا أحد يملك الجرأة على مقارعة”النظام”، أما الآن فقد أصبحت “المظاهرات” عادة مزمنة في المغرب الجديد، إلى درجة أصبحت معها “مجهولة الفاعل”، بعدما اختلط، كما يبدو، الحابل بالنابل.
لقد استطاع “النظام” احتواء الوضع دون خسائر معلومة تُذكر، و الدليل على صحة ذلك أنه بعد أن كان يتخوف من مخلفات “المظاهرات”، صار لا يعبأ بتكاثرها و تناسلها، بل إنه قد يكون مستفيدا من هذا الوضع و نمو “المد النضالي”، فالأمر قد يُحسب في ميزان “حسنات النظام”.