حتى لا يصير ميثاق المدينة جعجعة بلا طحين…
تشهد مدينة طنجة، يوم الأحد، انْطلاق فَعاليات الإعلان الـرّمـزي عن الشُروع في تَنْزيل ميثاق المدينة، ستَحتضنها أربع سَاحات عُموميّة ، تتـوزع على المُقاطعـات الأربع لمدينة طنجة. وهو الميثاق الذي أراده و وضعوه من فعاليات مدينة، سياسية، اقتصادية والمصالح الإدارية ثم الجماعة الحضرية، أن يكون تعاقُـدًا أخلاقيًـا بين جميـع هـاته المكـوّنـات، يتماشى مع طموح الساكنة المجسد لروح مشروع طنجة الكبرى، من أجل الرقي بالمدينة إلى مَصاف كُبريات الحواضر العالمية…
يجب الاعتراف أن هاته المبادرة تستحق التنويه، باعتبارها الأولى من نوعها على المستوى الوطني، وأيضا لكونها تضع اللبنات الأولى لوضع خارطة طريق تروم تأهيل المدينة وتطويرها، عبر إعمال مقاربة تشاركية بين جميع مكونات المدينة وساكنتها…
الميثاق يُراهن على جعل المدينة فضاء آمنا للساكنة وللزوار، وضامنة لجودة حياتهم بجميع فئاتهم، وخاصة منهم ذوي الاحتياجات الخاصة. مثلما يراهن أيضا على نبذ كل مظاهر و أشكال التمييز والعنصرية والكراهية، والالتزام بمبدأ الإنصاف والمساواة واحترام حقوق الإنسان…
الميثاق يلزم جميع المتعاقدين عليه بالحرص على تدبير شؤون المدينة وفقا لمبادئ القانون والحكامة الجيدة، والديمقراطية التشاركية، والمشاركة المواطنة، والمحافظة على الملك العمومي، وإدارة شفافة للمرافق العمومية، وإدماج البعد البيئي في النسيج المقاولاتي بالمدينة. وبمقتضاه أيضا يلتزم الساكنة بالحِفاظِ على حُسْن تَـدبير بيئتهـم ، و نظافـة محيطهم، والاعتناء بجمالية ورونق المدينة، وفق مبادئ التنمية المستدامة…
و لضمان حد أدنى من ضوابط التنزيل السليم لبنود هذا الميثاق، التزم المتعاقدون على إحداث هيئة مستقلة مشتركة مع جمعيات المجتمع المدني والمصالح الإدارية، والقطاع الخاص والجماعة الحضرية، تعنى بتتبع وتنزيل وتقييم مقتضيات الميثاق ودليله التفصيلي. كما تلتزم الجماعة الحضرية بالمصادقة على الميثاق بقرار جماعي، وبإصدار مقرر لإحداث “دار ميثاق طنجة” وبتوفير الإمكانات اللازمة لاشتغاله.
نظريا الميثاق يضع المدينة على سكة النهوض والتوجه نحو المستقبل، ويمنحها فرصة حقيقية للإقلاع… لكن…
ضروري من هاذ “لكن”…
إنجاح هذا الرهان يبقى مرهونا بتوفير شروط تنزيل بنود الميثاق، وفي مقدمتها انخراط الجميع، وأسطر على كلمة الجميع، لأن الأمر في مبتدأه ومنتهاه سيكون في صالح طنجة وساكنتها وزوارها…
ما سينسف هذا الطموح في مهده، هو إدخال الحسابات السياسية كمحدد في التعاطي مع الميثاق…
مصلحة المدينة تقتضي التّعْبئة لجَعْـل هـذا الميثاق رِهَانـًا لجَميـعِ مُكوّنـات المَدينة، و من يعتقد أن التَعاطي الإيجابي معه سيخدم المصالح الانتخابية لفؤاد العماري وحزبه البام، وبالتالي يجب عرقلة تنزيله. فإنه في حقيقة الأمر لا يحب مدينته، وأي تسويق منه لخطابات المصلحة العامة، ستبقى مجرد شعارات سياسوية، تخدم مصالحه الانتخابية الضيقة…
فؤاد العماري عمدة المدينة، شئنا أم أبينا هو صاحب المبادرة، وتحسب له، وهو من أطلق فكرة إعداد هذا الميثاق…
قد تكون خلفيات انتخابية هي من حكمت مبادرته هاته، لكنها من دون شك مبادرة في صالح المدينة، وأي تخلف أو تخاذل في الالتفاف عليها، لن يكون إلا في صالح العمدة العماري، لأنه من حقه حينذاك أن ينتقد كل الذين يزايدون عليه بشعار “مصلحة المدينة”…
أما الانخراط الجماعي في التنزيل سيجعل من الميثاق رهان مدينة بأكملها وبجميع مكوناتها، وليس مشروعا لجهة بعينها ولو راهنت على ذلك…
مبعث هاته التخوفات برزت خلال التحضيرات التي سبقت إخراج هذا الميثاق، في صيغته النهائية، حيث لوحظ غياب مقصود لمكونات سياسية قوية بمجلس المدينة، فسرها البعض بقرارها عدم التجاوب مع هذا الميثاق، والتعامل معه وكأنه لا يعنيها لا من قريب ولا من بعيد…
وهذا لا يبعث على الارتياح بالتأكيد، و يؤشر على وجود نوايا مقصودة لإفشال هاته المبادرة، وهو ما لن يخدم مصلحة المدينة في شيئ…
إنجاح الميثاق مرهون كذلك بانخراط كافة المصالح الإدارية في تنزيله، كل حسب اختصاصه، و بصفة خاصة رجال الإدارة الترابية، والأجهزة الأمنية…
لن يكتب لهذا الميثاق النجاح إذا تخلف المقدم والشيخ و القائد والباشا والعامل عن القيام بواجباتهم على أكمل وجه، فمسؤولياتهم متشعبة، وصلاحياتهم واسعة، تشمل مختلف مناحي الحياة…
المسؤولون الأمنيون لهم كذلك نصيب وافر من المسؤولية، فهم من يتحملون مسؤولية السهر على حماية أمن وسلامة وطمأنينة الساكنة، والشعور بالأمن من صميم حقوق المواطنين…
ما ينطبق على هؤلاء يحق على جميع المصالح الإدارية…
لن نتقدم خطوة للأمام دون استحضار للمسؤولية، ودون قيام كل مسؤول بواجبه وفقا للقانون…
غير أن القلب النابض لهذا الميثاق، وعليه ينبني نجاح أو فشل هذا الرهان، يبقى هو المواطن. فعلى عاتقه تقع المسؤولية الكبرى في التنزيل السليم لهذا الورش…
لن تنجح مدينة طنجة في منافسة الحواضر العالمية دون إيمان ساكنتها بأهمية مساهمتهم في جمالية مدينتهم، والحفاظ على نظافة بيئتهم، والحرص على حماية الفضاءات العمومية، وإعمال الرقابة على أداء المؤسسات المنتخبة وجميع المصالح والقطاعات الإدارية….
ميثاق المدينة خطوة أولى تستحق الدعم، وتفرض على الجميع التقاط ما يطرحه من إيجابيات…
ميثاق المدينة مبادرة ستضع الجميع أمام المحك…
ستُفرز الغَث من السَّمين…
ستضع شعارات فؤاد العماري أمام اختبار التنفيذ…
مثلما ستضع باقي الفرقاء أمام تحدي التزاماتهم، المعلن عنها جهارا، بدعم أي مبادرة تخدم المصالح العليا للمدينة…
أملنا كبير في أن يشكل هذا الميثاق نقطة تحول نوعي في إدارة شؤون هاته المدينة، وأن لا يصير في نهاية المطاف جعجعة بلا طحين…
•محمد العمراني