جريدة طنجة ـ محمد أديب السلاوي
في السنوات العشر الماضية انعقدت بآسيا وإفريقيا وأمريكا اللاتينية مؤتمرات ولقاءات عديدة لتدارس ظاهرة الفقر وعلاجها، حيث تأكد للعالم أن الآفة خرجت عن مفاهيمها القديمة، وأصبحت تهين قيم الأخلاق وتهين قيم الكرامة الإنسانية، وتعمل على نشر الجريمة والدعارة والخنوع والمذلة والانحراف وكل الموبقات الأخرى … وتأكد للعالم أن الفقر والفساد في عصر العولمة والتكنولوجيا والاتصالات السريعة والمتطورة، أصبح لا يضر فقط بالسلوك الفردي للفقراء، ولكنه أيضا أصبح يهدد أسس المجتمع في كل مكوناته.
السؤال الذي يطرح نفسه بحدة على بلد كالمغرب، الذي يعد من الدول الأكثر فقرا وفسادا، يتساوى ترتيبه مع دول في أسفل الهرم : ماذا عليه أن يفعل اليوم، لمحاربة الفقر والفساد اللذين أصبحا يحيطان به من كل جانب، ويتهدداه من كل الزوايا…؟
ماذا عليه أن يفعل من أجل إنقاذ تنميته و ديمقراطيته وكرامته الإنسانية ؟
هل عليه صياغة إستراتيجية مضادة للفقر؟
أم عليه إعادة النظر في السياسات التي أدت إلى توسيع حالات الفقر و الفساد؟
في نظر العديد من الباحثين المغاربة ، إن ظاهرة الفقر في المغرب ، و ما يرتبط بها من إشكالات ، أهمها و أخطرها إشكالية الفساد، تستلزم العمل بإستراتيجيتين متوازيتين، الأولى وقائية ، و الثانية علاجية حمائية.
1- بالنسبة للإستراتيجية الأولى (الوقائية) يرى الباحثون، ضرورة إعادة توزيع الدخل (مع مراجعة الرواتب و الأجور) و الرفع من وثيرة النمو بالعالم القروي، عن طريق الحد من الهجرة و بناء السدود و التخطيط الاجتماعي و الاقتصادي المحكم، الذي من شأنه إيجاد فرص للشغل و تأمين الصحة و التعليم، و توفير السكن الاجتماعي، و دعم التضامن الاجتماعي، بمعونات عينية و نقدية تقدمها الدولة بصورة مستمرة للأشخاص الذين هم في حالة عوز مع إنشاء مراكز خاصة برعاية الأشخاص المعاقين و المعدمين بالتعاون مع الجماعات المحلية و القطاع الخاص و المجتمع المدني، و هي إستراتيجية نجد أطروحات عديدة عنها في الإعلام الوطني، كما في الدراسات الأكاديمية المغربية.
2 – أما بالنسبة للإستراتيجية الثانية (الحمائية) فيرى الخبراء و الباحثين، بالإضافة إلى مبدأ التضامن الذي تحتاجه الأسر الفقيرة، صياغة إستراتيجية بعيدة المدى، تعتمد نظرة شمولية لمسألة الفقر، تقوم على العلم و الإرادة.
في نظرنا : أن الإمكانات وحدها لا تكفي لضمان معالجة نهائية و تامة لهذه المسألة، و هو ما يعني إعادة الاعتبار للأسرة الفقيرة و لقيمها الرمزية و لتقاليدها العريقة في التضامن، و لن يتأتى ذلك دون منح وضعية قانونية قارة للأسرة المغربية في مدونة الأحوال الشخصية، استنادا على مبادئ المواطنة و حقوق الإنسان، كما هي متعارف عليها دوليا.
معنى ذلك، أن الأمر أضحى يتطلب إعطاء زخم إبداعي جديد للسياسة الاجتماعية الموجهة لفائدة العائلة الفقيرة / الزحم الأول للطفولة أمل الغد، باعتبارها النواة الأكثر تأثرا بالفقر و تداعياته، و أيضا باعتباره النواة الأساسية لتطور المجتمع و ازدهاره، التي تتحمل الوزر الأكبر في تنشئة الطفولة و احتضانها و حمايتها … .
في نظرنا أيضا، لن يتأتى ذلك خارج شروطه الموضوعية، و هي الإعلان عن الميثاق الوطني للأسر، و القيام بدراسات للأنساق التشريعية و التربوية و الاقتصادية و الثقافية المرتبطة بها، مع خلق ديناميكية حقيقية تسعف في اتخاذ تدابير إجرائية و عملية لرعاية الأسرة و النهوض بها ورد اعتبارها.
طبعا، إن مثل هذه الإستراتيجية تتطلب مكونات أساسية :
– التحديد الدقيق لأنواع العائلات الموجودة بالمغرب، و مستوى فقرها و انتمائها الجهوي، من أجل صياغة سياسة تأخذ بعين الاعتبار حاجيات كل نوع عائلي على حدة.
– مد جسور التواصل بين المدرسة و العائلة و بينها وبين الوسط الاجتماعي والثقافي من أجل إعطاء التعليم دوره الوظيفي في مكافحة الفقر بالوسط الاجتماعي.
– تنظيم حملات مكثفة للقضاء على الفساد المالي والإداري والسياسي لمحو الأمية الوظيفية في أوساط النساء بالعالمين القروي والحضري، وتوعيتهن بحقوقهن المدنية من أجل انخراطهن في خطط مكافحة الفقر و الفساد والقضاء عليهما.
– تعميم كل أشكال الضمان الاجتماعي و الصحي، و تحسيس الأسر القروية و الحضرية بأهمية الانخراط في سياسة التخطيط العائلي و التلقيح.
– مساعدة العائلات على الانتقال من نظام الاقتصاد العائلي التقليدي إلى النظام الاقتصادي المنفتح، و العمل على تحويل العائلة إلى مقاولة اقتصادية تقليدية ترتكز أساسا على ذوي القربى، لها القدرة على إيجاد مناصب الشغل لعناصر من خارج العائلة.
– مساعدة العائلات المنقسمة على نفسها للم شتاتها وتثبيتها داخل فضاءاتها الأصلية.
– إشراك المجتمع المدني في صياغة أرضية مشتركة تحدد القضايا العائلية المستعجلة التي يجب تحسين حلولها في أقرب الآجال.
– إشراك “وكالة التنمية الاجتماعية” و”مؤسسة محمد الخامس للتضامن” و”مؤسسة التعاون الوطني” وكافة المؤسسات الإحسانية في صياغة برنامج موحد و شامل لمساعدة الأشخاص الذين هم في حالة تهميش أو في حاجة إلى مساعدات أو إسعاف.
إن المهمة الأساسية لمثل هذه الإستراتيجية هي تقديم أوسع الخدمات وأفضلها للأسر الفقيرة، المنتجة لأطفال الشوارع و الأطفال المتخلى عنهم و خادمات البيوت و الأطفال الكادحين، وهم الأكثر استحقاقا للرعاية الاجتماعية، لاعتبارات اجتماعية و اقتصادية، تهم الأسرة في كل مكوناتها.
وينطلق ذلك في تقديرنا من ثلاثة اعتبارات :
– الأول: اقتصادي، يرتبط بدور القوى البشرية في عملية الإنتاج الاجتماعي.
– الثاني: اجتماعي، و ينبثق من المضامين الاجتماعية لفلسفة الرعاية الاجتماعية التي تقوم عليها سياسات الدولة لتأمين عيش كريم للمواطنين.
– الثالث: سياسي و يقوم على الربط بين هذه الخدمات، وبين حقوق المواطنين في التعليم و الصحة و الشغل و السكن و الرعاية الاجتماعية، على مستوى المواطنين والأسر والجماعات.
إن الحاجات الأساسية للفرد و المجتمع في هذه الإستراتيجية يجب أن تكون هي مجموع المطالب التي تضمن للمواطنين عامة و الفقراء بشكل خاص، مستلزمات الكرامة الإنسانية بكل أبعادها المادية و المعنوية، وتمتد هذه المستلزمات من حاجات البقاء و النمو الجسمي والعقلي، إلى الطمأنينة والمساواة و الإخاء.
إن المغرب اليوم، يتوفر في اعتقادنا على كل آليات التدخل لصياغة هذه الإستراتيجية… ولكنه مازال في حاجة إلى آلية واحدة. ونعني بها إرادة الإصلاح الشامل التي تواجه الفساد والمفسدين، في الإدارات العمومية و الأحزاب، و كافة المؤسسات ذات الصلة بالشأن العام.
[i]افلا تنظرون…؟