طياطرو ـ سينما «ألكاسار» ينهار وسط صمت الولاية والجماعة والمركز السينمائي المغربي أربع قاعات سينمائية فقط تنجو من طغيان الأسمنت المسلح ولوبيات البزنسة
جريدة طنجة – عزيز گنوني
الأربعاء 08 أبريل 2015 – 17:08:01
أيامها كان في طنجة سينماـ مسرح، «الكاسار» و «سيرفانتيس» وعروض فنية ، وفرق مسرحية وموسيقية، مغربية ودولية وحركة ثقافية مزدهرة….ووعي متقدم بأهمية الثقافة والفن في تربية الشعب والسمو بأذواقه إلى الأفضل !,,
حَدث هذا في بداية القرن الماضي ، ولم تمض على احتلال المغرب بتواطؤ سلطان فاس، سوى سنة أو سنتين، وكانت طنجة تشهد حركة ثقافية وفكرية مزدهرة تدعمها صحافة حديثة بمختلف اللغات وتجاوب متواصل مع الحركات الفكرية في أوروبا ، عبر إسبانيا وصخرة جبل طارق خاصة، وبفضل وجود جاليات أجنبية متعددة استقرت بهذه المدينة ، الأمر الذي حقق تواصلا عميقا بينها وأهل المدينة ووعيا كبيرا بأهمية التعايش الإنساني داخل مجتمع متميز غدت كلمة «أجنبي» فيه بدون مدلول !..

في تلك الفترة، فتح مسرح سيرفانتيس أبوابه في مدينة طنجة، وتلاه «طياطرو» سينما الكاسار، ثم سينما كابيطول، وكانت القاعتان متقابلتين عند نهاية طريق تطوان وبداية المحج إلى هضبة مرشان….
وإذا كـــان الوضــــع الذي آل إليه مســــرح سيرفانتيس معروفا عند الجميع، بسبب تعنت إسبانيا في تسليم البناية إلى المملكة المغربية، حتى يتم ترميمها من المال العام، إذ لا يجوز قانونا صرف مال الخزينة العامة لإصلاح منشأة أجنبية، وهذا مبدأ عام تعمل به كل الدول، فإن الأمر يختلف بالنسبة لمسرح ـ سينما ألكاسار لأنه ملك لعائلة مغربية يهودية، انتهت إلى بيع القاعة لبلدية طنجة التي وعدت بإصلاحها في نطاق العمل على صيانة الذاكرة الفنية لهذه المدينة.
وقد تداولت بعض المنابر الاعلامية، مؤخرا، تصريحا للعمدة، ــ وهذه التسمية تحتاج إلى تدقيق لغوي وسياسي ــ يعلن فيه أن «الكاسار» يندرج ضمن المنشآت الثقافية المبرمج ترميمها في إطار مخطط «طنجة الكبرى».
والحال أن هذه المعلمة التي واكبت الأحداث الكبرى التي طبعت النصف الأول من القرن الماضي، والتي احتضنت العديد من العروض السينمائية العربية والدولية والتظاهرات السياسية الوطنية لم تقو على الصمود أمام إهمال «الخلف» ولامبالاته وقلة نضجه وتقديره لأهمية ذاكرة المدن في ترسيخ الهوية الوطنية، وعجزه عن معالجة إشكالية بسيطة لا تحتاج إلا إلى بضع أوقيات من الذكاء والحكمة والمسؤولية والحس الوطني.

ويعلم أهل طنجة أنه قبل الكاسار، تفتحت شهية هواة العقار على قاعة الكابيتول التي تعرضت «لاغتيال» علني تحت أنظار السلطات المحلية وأعضاء الجماعات الترابية، حيث تحولت إلى «قيسارية»، ضدا على موهبتها الأصلية، الثقافية والفنية ! ….
ولا شك أن جيل الخمسينات والستينات من أبناء طنجة لا زالوا يذكرون الدور الذي كانت قاعات الكزار والكابتول تضطلع به في إضفاء البهجة والفرح على سكان المدينة ببرمجة آخر الأفلام المصرية أيام الأعياد الدينية والوطنية واحتضان المهرجانات الوطنية وأنشطة تلاميذ المدارس المغربية الحرة….
المركز السينمائي المغربي سيق وأن أكد أن سينما الكاسار يوجد ضمن ال 250 قاعة سينمائية بمختلف المدن المغربية التي تمت برمجة إصلاحها وترميمها في إطار خطة ترمي إلى تحسيس المواطنين بأهمية الاستثمار في هذا الميدان.
ولكن تلك الوعود «تبخرت» كلها، وبقيت دار لقمان على حالها إلى أن تفاجأنا بانهيار جزء من سقف الكاسار ولم تصدر لا عن الولاية ولا عن الجماعة ما يفيد بوجود مشروع ترميم لتلك القاعة التاريخية، التي لو وجدت في دول تحتفي بتراثها وتعتز بإرثها الحضاري لكان لها شأن آخر…. ولكن فاقد الشيء لا يعطيه !……
لا حاجة إلى التذكير بأن طنجة كانت في طليعة المدن المغربية التي عرفت السينما والمسرح واحتضنت أكبر عدد من قاعات العروض ، منذ بداية القرن الماضي. ومن أشهر القاعات السينمائية التي عرفتها طنجة، فضلا عن الكاسار والكابتول، سينما فوكس بالسوق الداخل الذي خلده شاعر الحمراء محمد بن ابراهيم في قصيدته الفكاهية «المطعم البلدي» !… وسينما «أميريكان»التي كانت بحق تحفة معمارية في طابقين، لتتحول إلى مقاه ومطاعم شعبية، وسينما المغرب التي تحولت إلى عمارة سكنية وسينما موريتانيا التي ظلت، ولعشرات السنين أحسن وأجمل قاعات العروض السينمائية والمسرحية بطنجة والتي لا زالت تقاوم الإفلاس بالرغم من أنها توجد في حالة سيئة، وسينما كويا التي تعرضت للاغلاق وسينما «لوكس» برأس المصلى التي تحولت إلى قيسارية، هي الأخرى وسينما مسرح المبروك الذي أقيمت على أنقاضه عمارة من عدة طوابق !……
لا يمكن أن ننزه السلطات المحلية والمجلس الجماعي عن مسؤولية اغتيال القاعات السينمائية التي هي جزء من ذاكرة المدينة وتحويل معظمها إلى بنايات سكنية أو محلات تجارية، بمباركة المسؤولين عن تدبير شؤون المدينة. فهل يتعلق الأمر بغياب الحس الوطني بالمسؤولية على محو الذاكرة الثقافية لطنجة، والتنكر لمعالم هذه المدينة لانعدام الوعي بأهمية الثقافة كرافعة للنهضة الاقتصادية والاجتماعية …..
أربع قاعات هي كل ما نجا ــ مؤقتا ــ من معاول الهدم وطغيان البزنس: الريف والروكسي وباريس وطارق ونرجو أن ينجح أصحاب هذه القاعات في صراعهم من أجل الوجود والبقاء أطول مدة ممكنة، في غياب أي دعم مادي أو معنوي من الجهات المسؤولة عن الثقافة والإعلام بالمغرب.
والغريب أن المركز السينمائي المغربي ينفق ملايير الدراهم على الاإنتاج السينمائي ، بهدف تطويره وتشجيع القائمين عليه، حتى فاق إنتاج المغرب من الأفلام سنويا، إنتاج مصر العريقة في مجال الإنتاج السينمائي العربي. فلمن، ياترى، ننتج فوق العشرين فيلما سنويا إن لم نهيئ أو نشجع على ترميم القاعات السينمائية الموجودة بالمغرب وندعم فتح قاعات جديدة بمواصفات تقنية حديثة، وإلا فإن صرف تلك الاعتمادات الضخمة على الانتاج السينمائي إنما يشجع على «البيراطاج» الذي يمكننا من الحصول على آخر الأفلام، منسوخة على قرص مدمج يعرضه «الفراشة» على قارعة الطريق مقابل خمسة دراهم، في أحسن الأحوال ، مع ما يترتب عن ذلك من هدر لحقوق المؤلفين والمنتجين والممثلين وضياع للمال العام!….
وللتذكير، فإن ارتباط مدينة طنجة بالسينما ارتباط قديم حيث كانت هذه المدينة فضاء لتصوير العديد من الأفلام العالمية كانت إما طرفا في موضوعها أو مسرحا لمشاهدها الخارجية. ولعل أولها فيلم «مكتوب» 1919 تلاه حوالي ستين فيلما لغاية 2012، منها، على الأقل عشرة أفلام مغربية : «الشرقي» لمومن السميحي، (1974) و «ثقب في الحائط» للجيلالي فرحاتي، (1977) و»قفطان الحب» لمومن السميحي (1982) و»عرائس من قصب» للجيلالي فرحاتي (1982) و»مستقبل طنجة» لمومن السميحي (1993) و«كيد النساء» لفريدة بليزيد (1998) و «خوانيطا طنجة» لفريدة بليزيد (2005) و «طنجة» لحسن لغزولي (2005)، و «ذهاب وإياب» لمحمد حمرا (2009) و «شرخ» لعيوش (2011).
ولمعلوماتكم فقد شهدت سنة 1968 ميلاد شركة محلية بهدف إنشاء «مدينة السينما « بطنجة، على غرار Cenicitta الإيطالية ، بمساهمة الراحل عبد الله الحاج ناصر والراحل الإيطالي راطو الذي أعلن بطلا في الجيش الايطالي بعد الشجاعة النادرة التي أظهرها خلال الحرب العالمية الثانية، وتقدم الرجلان بمشروع كبير لبناء مجموعة من الاستوديوهات السينمائية، بالغابة الدبلوماسية، كانت ستجعل من طنجة عاصمة للسينما العالمية بشمال المغرب. وبموازاة مع مشروع «السينيشيطا» قام عبد الله الحاج ناصر والإيطالي راطو ومخرج إيطالي شهير، بتنظيم اول مهرجان سينمائي بالمغرب «مهرجان سينما البحر الأبيض المتوسط» الذي شاركت فيه كل دول محيط المتوسط بضفتيه وحضره العديد من كبار الفنانين ونجوم السينما في هذه الدول. ولكن المهرجان توقف عند النسخة الأولى بسبب تعنت وزير الأنباء آنذاك أحمد السنوسي في نقل المهرجان إلى الرباط.

يذكر أن الشركة الطنجاوية أنتجت، فيلم «عندما ينضج النخيل» صور بالكامل بجنوب المغرب، حول مدينة تنغير، وذلك بمناسبة المهرجان السينمائي الأول والأخير، للبحر الأبيض المتوسط ــ الذي «سطت» عليه فيما بعد جمعية بمدينة تطوان !!! ….
والقصة طويلة !!!!…….
مقال سابق عن هذه المعلمة التّاريخية















