الإعلام الحر الشريف الوطني ليس مجرد بوق ينفخ، ويخرج لنا الفقاعات الملونة، ومن ثم يغض الطرف عن التطورات اللاحقة. اتقوا الله فيكم و فينا
جريدة طنجة – لميــاء السلاوي ( “الشائعات ” )
الأربعاء 06 شتنبر 2017 – 15:49:33
والفقاعة رغم كبرها إلا أنها لا تلبث أن تتضعضع، لضعفها، ولتحالف القوى الخارجية عليها بشكل أكبر مما تتحمله طاقة جدرانها الهشة، ما يؤدي إلى إضعافها من إحدى النقاط، ومن ثم تفجيرها، ونثر مكوناتها الرقيقة وكأنها لم تكن.
وهذا مدخل بسيط لما سنحاول الحديث عنه هنا، وهو الفقاعات الإعلامية، التي باتت تشتهر بها صحافتنا، والتي نلحظها في عموم ما يمر على مملكتنا ومواطنينا من حوادث و فساد وتعثر للمشاريع، و غيرها من الحوادث، التي يكون سببها الأساسي وجود إهمال إنساني، أو فساد أو الاثنين معاً.
كثير من الشائعات نتعامل معها في حياتنا اليومية، بعضها مؤثر، وكثير منها هامشي، أحياناً ندرك حقيقتها وأحياناً كثيرة نصدقها ونتعايش معها دون دراية أو تثبت، الشائعات لن تختفي أبداً، هذه إحدى مسلّمات هذا العصر، فالعامل الإنساني الذي دفع إلى إيجادها وساعد على انتشارها هو سر استمراريتها، وتمريرها لم يعد مقتصراً على الحكومات ووسائل الإعلام التقليدية وقادة الرأي كما كان الحال قبل عقدين من الزمن، بل أصبح الأشخاص مساهمين في خلقها ونشرها بشكل كبير.
تاريخياً، عرفت الشائعات على نطاق واسع في زمن الحروب وتحديداً بعد الحرب العالمية الثانية (1944)؛ بهدف الضغط على الأعداء، واتخذت مسارات متعددة خلال العقود الماضية، وأصبحت جزءاً رئيسياً من العملية الإعلامية التي حولتها التقنيات الحديثة إلى تشاركية يسهم من خلالها الجمهور بدوره في صنع المحتوى وتصديره من خلال القنوات المختلفة.
وتشير الأبحاث إلى أن العامل الرئيسي المساعد على انتشار الشائعات هو التكرار المؤدي إلى التصديق، فعندما تكون الشائعات متوالية يكون لديها القدرة على حمل العامة معها، وكلما زادت نسبة الشائعات زادت نسبة إمكانية جعلها قابلة للتصديق، وهذا تحدٍ كبير لوسائل الإعلام المعنية في المقام الأول بتقديم الحقائق إلى الناس وكشف محاولات التضليل التي تمارسها جهات معينة من خلال بث الشائعات لخدمة أهدافها.
مؤخراً، كشفت دراسات حديثة في معاهد متخصصة في الصحافة الرقمية وعلى رأسها معهد (تاو سنتر) بجامعة كولومبيا الأمريكية أن المؤسسات الصحافية متورطة في بث الأكاذيب، فهناك صحافيون يقتنصون تلك الشائعات لعمل أخبار مثيرة للجدل، والحصول على مزيد من الحوافز المالية، وينتج عن هذا عدد كبير من المعلومات المغلوطة التي لم يتم التحري عن صدقيتها، مما يعطيها المصداقية والرواج.
وتوصلت دراسة (أكاذيب وأكاذيب كريهة.. ومحتوى ينتشر بسرعة) لكريغ سيلفرمان (2015) إلى أن المؤسسات الصحافية لا تعترف بكونها فلاشات ذكية في عالم يفيض بالمعلومات المشكوك فيها، إذ يجب التساؤل حولها والتوقف عندها مراراً، وتشير إلى أن أحد أهداف الصحافة تزويد العامة بمعلومات تساعدهم على العيش وفهم العالم من حولهم.
وهذا مستحيل فعله عندما تقوم بالترويج النشط للشائعات، واعتبرت دراسة سيلفرمان صحافة الإنترنت جزءا من مشكلة انتشار الشائعات أكثر من كونها حلاً لها، فهي تقوم بالنشر أيضاً دون التحقق، فيما دور الجهات التي تسعى إلى نشر الحقيقة في أغلب الأحيان ليس كافياً.
في عالمنا العربي، وفي ظل عدم وجود ضوابط وقوانين صارمة تعاقب ناشري الشائعات، وعدم اهتمام بعض المؤسسات الصحافية والمواقع الإخبارية بالممارسات الإحترافية التي تراعي أخلاقيات العمل الإعلامي، وتسليم غالبية الأفراد بأن كل ما يتلقونه عبر وسائط الإتصال صحيح، بالتالي يمررونه إلى أكبر عدد ممكن، فإن الشائعات ستستمر في الانتشار، وستحتاج الدول إلى مزيد من الجهود لمواجهتها ومنع خطرها على الفرد والمجتمع.
في ظل التعايش اليومي مع عشرات وربما مئات المعلومات المغلوطة بتنا في حاجة ماسة إلى تأسيس مراكز تابعة لجهات رسمية تكافح الشائعات وترد عليها، وتؤهل متخصصين يعملون على مدار الساعة، لتصحيح المعلومات المغلوطة التي تتداول إلكترونياً، وآخرون مهمتهم توفير المعلومات التي يحتاج إليها الجمهور، فشح المعلومات أو انعدامها حول الموضوعات المهمة أحد أهم أسباب انتشار الأكاذيب.
ويجب أن يدرك القائمون بالاتصال والمعنيون بتوفير المعلومات للجمهور بأنه على الرغم من خروج الحقائق في أحيان كثيرة لدحض الشائعات المتداولة، إلا أن إعلانات النفي تنتشر بسرعة أقل ولا تصل إلا لنحو 20 في المئة من متلقي الشائعة، فالغالبية العظمى لا يحرصون على تصحيح معلوماتهم، والحقيقة -في أغلب الأحيان- لا تحظى بذات الأهمية التي يحظى بها الكذب.
حوادث مؤلمة صرنا نسمع عنها بكثرة، فلا ندري هل الفساد من خلائقنا، أم أن تقدم تقنية النقل والكشف والتواصل أصبحت أكثر حضوراً، أم الأمران معا؟،فالحدث الفاجع يحصل فجأة وبقوة، وكأنه تفاعل جزيئات الصابون الكيميائية مع جزيئات الماء الراكد.
ومن ثم يتم تناوله إعلامياً، وتأطيره، وتضخيمه، والإبداع في تصويره، والبكاء على اللبن المسفوك، واللطم، بكل ما تمتلكه الوسائل الإعلامية من تقنية ومصادر، وحرفية، وبطريقة عنيفة، وجلد للذات تجعل المحيط يسخن، ويهتز، ويسبب تكوين الفقاعة الإعلامية.
ومع الأسف الشديد، فإن الفقاعة تستدير وتكبر، وترتفع عالياً، ثم لا تلبث وبعد عدة أيام أن تنفجر، وتكون هَبَاءً مَنْثُوراً، هي وما صيغ حولها من تنظير وبنوط عريضة، وبكائيات، وما حيك عنها من أحلام، ونيات، وخطط، وحلول.
لذلك فالحوادث عندنا متكررة، وتعود مراراً، وتكراراً، ولو أنها قد تتلون بألوان قوس قزح، وتتلبس بأشكال مختلفة قليلاً، وتحدث في مناطق متباعدة، قد تشتت الإنتباه، إلا أن أسبابها لا تخرج عن إطار الثنائي المرعب، «الإهمال، والفساد»، مما يجعلنا نرى الفقاعات تعاود أجواءنا، وتتصاعد عن يمنة ويسرة، بشكل مقلق، ومحير.
وبحدوث الحدث الجديد، تنفجر الفقاعة القديمة وتندثر، ويصبح لدى الإعلام فقاعة جديدة جذابة مربحة براقة مشوقة، مسيلة للعاب الإعلاميين، فيُنسى الحدث القديم كلياً، وتطوى صحائفه، وتمسح صوره، حتى لا يعود أحد يتذكره. فكأن الإعلام، عبارة عن أكياس كلمات وصور، ننثرها على أعين المواطنين، ثم نجمعها، لننثرها من جديد،لا أحد يهتم بالحدث إلا أَيَّاماً مَّعْدُودَاتٍ، ومن ثم تعود الحالة لوضعها المعتاد.
حتى المسؤولين أدمنوا هذا النوع من الفقاعات، واستمرؤوه، فصاروا عند وقوع الخطأ يقفلون هواتفهم، وينذرون لله صوماً عن الكلام أياماً قلائل، ويختفون عن الأعين الجريئة، في إجازات اضطرارية مدفوعة الأجر، حتى تنقشع الغمة، وتنفجر الفقاعة، التي تسببوا في تكوينها، فلا يكون لهم نية مطلقاً على أخذ العبرة منها، ولا منع في تكرارها.
مع الأسف الشديد لا يوجد لدينا إعلام له سلطة يتمكن من خلالها من المتابعة، وهذه نقطة عيب وخلل كبيرة في أي إعلام وطني، يستهدف مصلحة الوطن، والمواطن.
فلو وجدنا في الجهات الإعلامية من يضع أجندة للأحداث المؤسفة، التي تحدث في البلد، فيعود لكل حادث على حدة، بعد فترات من حدوثه، ويعاود التقصي، عند الجهة المختصة، ويبحث، ويستنتج، ويطالب المسؤول بتوضيح الصورة الكاملة لما تم بعد انفجار الفقاعة، وماذا تم استحداثه من إجراءات لضمان عدم تكرار الحادث، أو ما يشابهه، وأن يطلع ميدانياً على تنفيذ الإجراءات المتخذة، لما تكررت الحوادث وتعاقبت.
الإعلام الحر الشريف الوطني ليس مجرد بوق ينفخ، ويخرج لنا الفقاعات الملونة، ومن ثم يغض الطرف عن التطورات اللاحقة.
وكسلطة رابعة، على الصحفي أن يتابع أعماله، وأن يحرج المسؤولين، وأن يطاردهم، وأن يقلق راحتهم، ويطالبهم بمتابعة الإصلاح، ومحاربة الفساد، ومنع التجاوزات، وضمان سلامة المواطنين في عموم أنحاء المملكة، لا أن يتناسى ما حدث ويبدع في التطبيل.
صحيح إن أغلب ذلك يقع على كاهل الجهات الرقابية، في الجهات التشريعية والتنفيذية والقضائية، ولكن الإعلام يمتلك المرونة أكثر من كل تلك الجهات، وهو يمتلك سلاح الرأي العام، فلماذا لا يستخدمه بالشكل المطلوب؟
الإعلام الواعي، هو لسان المواطن الحاكي، وهو عينه الرقيبة، وهو المحامي المدافع عنه، والكفيل بأن يجعله ينام قرير العين، مواطن بكل رقي وأريحية يراقب بفخر ما يحصل من إصلاح، ولا يحتاج للقيام بدور الإعلام، ولا يساعد على نشر الإشاعات ولا على ترديدها…