أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف
جريدة طنجة – مصطفى بديع السوسي ( السياحة الداخلية و الامن والمعيشة .. )
الأربعاء 30 غشت – 12:44:59
أصبحت مسألة الخبز متجاوزة. فهل أصبح الأمن مسألة متجاوزة ؟…
ـ زبناء السياحة الداخلية المجانية يتغدون بالخبز والبطيخ والهندية، ويفترشون رمال الشاطئ الملوث…
ولكن حين ينعدم الأمن… أو يقل أو ينقص، أو يستتب في مناطق دون أخرى فتتكون بؤر سوداء نسميها بالنقط السوداء فذلك ما يجعل الخبز مغموسا بالمرارة بطعم العلقم… ليس انعدام الأمن مرتبط دائما بانعدام الخبز. لقد أصبح الأمر متجاوزا وإن كان الارتباط جدليا بين الخبز والأمن. فالله جعلها مترابطان مترادفان ومتلازمان حين قال وقوله الحق ” … فليعبدو رب هذا البيت الذي أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف “… فالجوع والخوف هو الخبز والأمن، وأعتذر عم هذا التحليل المبتصر فلا علم لي إلا ما علمني الله… اليوم… وكما قلت أصبحت مسألة الخبز متجاوزة…
فهل أصبح الأمن مسألة متجاوزة ؟… أي هل أدركنا الأمن من كل أطرافه وضممنا الأمان من كل جهاته ؟… وأصبحنا نعيش في طمأنينة متناهية ممتدة كالأفق…
في عالمنا هذا الذي يموج ويصطخب، وتتلظى نيرانه… وتتعالى أمواجه. ويترنح آدميوه في سكرة هي أشبه بسكرات الموت.
أصبح الأمن من مُعضلة… ومطلب عسير لا يتحقَّق في أعتى الديمقراطيات وأقواها وأكثرها تقدما، وأغزرها علما وتقنية وتجهيـــزا…
بل أن أعينهم البلورية الدقيقة بعَدَسـاتهـــا الـلاّقطة لم تستطع رصد مكامن الخلل، ولا دهاليز الإنفاق، والمنعرجات، والأرصفة التي يتجول فيها الموت صبيحة وعشيا… فسقط ويسقط الضحايا كأوراق الخريف تحت عجلات حمقاء غبية مستهترة… أو رصاص طائش جبان… أو شيظة نارية تحت طاولة في مقهى أو مطعم أو مقصف أو مرحاض أو ناصية شارع مكتظ وساحة عامرة… فها قد توفر الخبز ومعه كل أسباب العيش الرغد والإمكانيات المتاحة فأين الأمن ؟ أين الأمان ؟ وأين الطمأنينة ؟… وما ينفع الخبز في حلق تنغرس فيه شوكة حادة عالقة من شوك ديناصور أو سمك قرش ؟… ماذا ينفع الخبز أمام الموت الزاحف…
وأصبحت فتنة الأمن عامة رغم وجود رجال همهم حماية الأمن، وحفظ الأمن، وتوفير الطمأنينة…
فإذا كان عندهم النار والحديد والرصاص يسلب الحياة ويعطي الموت.
فعندنا السيوف الهناد… والخناجر الحداد… وشفرات الحلاقة… والفؤوس والكؤوس، والأقراص التي تهيأ لدخول عالم آخر… عالم خرافي بفظية جامدة ميتة مخدرة… وقد لا يكون شيء من هذا ولكنها التربية الحيوانية، وتصفية الحسابات، ودواع أخرى تعرفها سجلات القضاء والأمن…
انطلق الحيوان من ذواتنا مكشرا مفترسا… ولا يمكن أن نجعل مع كل حيوان شرطيا مسلحا… لم تعد هناك نقطة سوداء واحدة… ولا بشر واحد… ومع الصيف والذباب والبعوض تأتي حشرات وزواحف فاتكة أخرى… أما السيوف فغدت أمرا عاديا… وقد تشهد ازدهارا مع حلول عيد الأضحى وما قبله حيث يتم شخذ السكاكين والخناجر استعدادا “للذبح”… ومنذ أيام قليلة شوهد حيوان بشري عاري الصدر إلا من خرقة سوداء تكشف أكثر مما تستمر يمر بمحاذاة شارع مولاي عبد الحفيظ بمنطقة السواني 3 وهو يحمل بيده اليمنى سيفا كبيرا واسع النصل ويسرع الخطى بحثا عن فريسته… في نفس اليوم سقطت أو تساقطت قناة من إياهن يبدو وأنها مهاجرة خلف سيارة تتراجع وراء لتقف في الرصيف، ودارت معركة بالأيدي بين أخوات ورفيقات لها مع سائق السيارة وزوجته. لم تحضر سيارة الإسعاف إلا بعد ساعة وعشرين دقيقة… حمراء اللون ذات الرقم 159314. وعندما حضرت كانت تحمل مصابين آخرين فحشرت المصابة في حادثة السير بينهم كالنعجة التي تساق إلى المسلخ.
وفي شاطئ طنجة البلدي القدر والمناطق الخضراء المجاورة له كان زبناء السياحة الداخلية المجانية يتغدون بالخبز والبطيخ أو الهندية ويرمون النفايات خيثما اتفق فوق الرمل أو العشب الأخضر. وتفترشون ليلا رمال الشاطئ ويتوسدون متاعهم ثم يغطون في نوم عميق… كذلك الحال في المحطة الطرقية. وفي باحات وأبواب المساجد…
فكيف يستطيع الأمن أن يواجه كل هذه الحثالة رغم ما يبذله رجاله من جهد متواصل…
الحديث عن الأمن حديث طويل وذو شجون قد نعود إليه يوما علما أننا نعاني انفلاتا أمنيا خطيرا… وانتشارا مستفحلا في مظاهر التسلح واستعراض القوة يحمل السلاح الأبيض في كل مكان. وترويج المارة والمواطنين الآمنين . ويزداد الأمر بشاعة بين الفراشة، والباعة المتجولين، والأسواق العشوائية التي أغلقت ممرات وشوارع وأزمة رغم أنف السلطة والجماعة. انظروا مثلا حالة سوق الخضر الفوضوي قبالة مسجد طارق بن زياد ـ زنقة محمد كنون ـ إنها مهزلة و تحد لجميع السلطات التي لا ندري ماذا تنتظر لتطهير المنطقة وفك الاحتلال عن الملك العام، والطريق العام، والرصيف العام…
وعندما نضرب بالقانون عبر الحائط نكون قد فتحنا للفوضى والعشوائية والشغب أكثر من باب. وعندما نغض الطرف عن طاولة أو براكة أو مظلة سنصبح غدا أما عشرات الطاولات، والبراريك، ومئات المظلات وستتعقد الأمور، ويصبح العلاج أصعب مما كان لو بادرنا بمنع الطاولة الأولى، والبراكة الواحدة، زالمظلة الوحيدة.
ولكنه قصر النظر… وضعف الرؤيا… وإهمال المسؤولية… والإخلال بالأمانة والواجب اللذين تفرضها المهنة. …