في الحاجة إلى إدارة ترابية مواطنة
v جريدة طنجة – محمد العمراني ( الفساد )
الثلاثاء 05 يونيو 2017 – 15:16:02
• يكاد يجمع المتتبّـعــونَ و المُراقبون لما يعرفه المغرب من احتِقان ما فَتِئَت وتيــرتـهُ تتصاعد، ومن ارتفاع لمنسوب المَطالب ذات الطبيعة الاجتماعية والاقتصادية، على أن المُكبس المفجر لهاته الاحتجاجات، والدافع المباشر وراء الخروج إلى الشارع يكمن في مكاتب مسؤولي الإدارة التربية بمختلف مواقعهم ورتبهم ومسؤولياتهم..
من مِنّـا يَخفَى عليه الدَّور المحوري الذي تقوم به الإدارة الترابية، فهي عصب الإدارة المغربية، وهي المخاطب الأكثر تأثيرا على الحياة اليومية للمواطنين. عند أول مشكلة تصادف المواطن البسيط تجده يتجه رأسا إلى مكتب القائد، وإذا لم يجد عنه الحل يقصد الباشا ثم العامل فالوالي…
الصلاحيات الواسعة الموكولة إلى رجال السلطة تجعل منهم العمود الفقري للمنظومة المؤسساتية ببلادنا، إنهم واجهة الدولة وصورتها لدى المواطن..
فرجل السلطة، كل في دائرة نفوذه وحسب مسؤولياته، وبحكم ما يتوفر عليه من اختصاصات، مطلوب منه التحلي بأكبر قدر من الفعالية والنجاعة في القيام بالمهام المنوطة إليه، وعليه اعتماد مقاربة استباقية واستشرافية لمطالب المواطنين ، والمسارعة إلى تلبية حاجياتهم اليومية، التي تتزايد بشكل متسارع بالنظر لتطور الحياة وتعقيداتها…
لكن أين نحن من ذلك؟..
واقع الحال يؤكد أن العلاقة بين المواطن و مسؤولي الإدارة الترابية تكاد تصل إلى القطيعة، هناك شبه إجماع لدى عامة الشعب على عدم الرضى من أداء و مردودية رجال السلطة ، فيما الثقة تكاد تكون معدومة بين الطرفين…
لم يعد يجد المواطن الأذن الصاغية والمتفهمة لمطالبه، وكلما توجه لمسؤول ترابي إلا ويواجه بالجواب السحري، الذي صارت الوصفة المقدمة في جل مكاتب رجال السلطة “معندي مانديرلك”، هذا إذا حضي المواطن البسيط بشرف الاستقبال!..
لقد صرنا أمام منظومة إدارية قاسية، من دون قلب أو إحساس، غير مستوعبة ولا متفهمة لمطالب المواطنين ولانشغالاتهم، نحن اليوم أمام إدارة فضلت أن توصد أبوابها وصم آذانها عن سماع صوت الشعب…
غير أن ما يزيد الطين بلة، هو استشراء الرشوة على نطاق واسع بين مفاصل الإدارة الترابية، التي صارت أعمدتها منخورة وتوشك على الانهيار في كل لحظة، مع استثناءات قليلة تفاديا لأي اتهام بالتعميم، حتى أن جميع خدماتها أصبحت مخوصصة، وخاضعة لشرط الدفع المسبق، مهما كانت نوعية الخدمة المطلوبة…
قد يكون التوصيف قاسيا أو مبالغا فيه، لكنها الحقيقة المرة…
ليس أقسى على المواطن البسيط المغلوب على أمره، من أن يتجه إلى مكتب رجل سلطة، أكان قائدا أو واليا، ثم لا يسمح له بالدخول لعرض مظلمته، والتي يمكن أن تكون بسيطة، ولا تحتاج سوى لتدخل بسيط، لكنها سترفع عنه هما يجثم على صدره…
لا يجب إخفاء الشمس بالغربال…
المواطن في قلبه غصة تمزق أشلاءه من العسف وسوء المعاملة التي يعانيها داخل ردهات مصالح الإدارة المغربية عموما، وبشكل أكثر إيلاما داخل مصالح الإدارة الترابية، ولعل في الخطاب الملكي الذي ألقاه بمناسبة افتتاح البرلمان في دورة أكتوبر 2016 أبلغ تشخيص لوضعية الإدارة المغربية، الغارقة في الفساد والمحسوبية…
اليوم وبعد التنبيه الملكي الصارم، وأمام تزايد حدة المطالب الاجتماعية، وأمام ارتفاع منسوب الغضب على غياب مخاطب مسؤول ينصت لنبض المواطنين، ويستوعب متطلباتهم، فإن بلادنا أمام منعطف حاسم، إما أن تشرع في ورش تأهيل الإدارة الترابية وإما سنفتح الباب مشرعا أمام المجهول…
لم يعد مقبولا أن تتحول الإدارة الترابية إلى إطفائي يتدخل عندما تشتعل الحرائق، بما تخلفه من تكلفة باهظة، والحال أن دورها الأساسي هو حسن الإنصات للمواطن، وفتح أبواب المكاتب مشرعة أمامه، ونهج مقاربة استباقية لتلبية مطالبه، والتي في غالبها لا تتطلب موارد مالية، بقدر ما تحتاج إلى تطبيق القانون، ونهج الحكامة في التدبير..
إذا كان من ورش على وزير الداخلية الجديد، عبد الوافي لفتيت، أن يفتحه، فهو ورش إعادة تأهيل الإدارة الترابية للنهوض باختصاصاتها على الوجه الأكمل، حيث صارت في أمس الحاجة إلى إعادة تأهيل شاملة، إن على مستوى الهياكل وآليات التدبير أو على مستوى الموارد البشرية، مع إعمال مبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة، وتنزيل آليات التخليق والمهنية…
إن أي تأخير أو تلكؤ في الانكباب على هذا الورش، لن يزيد إلا في تضخيم فاتورة الحفاظ على الاستقرار و السلم الاجتماعي…
فهل من معتبر؟؟.. “.